في ذكرى ميلاده.. كيف اكتشف يوسف إدريس أسرار كتابة القصة؟
"قد تجد ما تبحث عنه في ما لا تبحث عنه. وقد تجد ما لا تبحث عنه، فيما تبحث عنه".. في الأول من يوليو 1973 نشر الكاتب القصصي والمسرحي والروائي د.يوسف إدريس (19 مايو 1927 - 1 أغسطس 1991) مقالًا بمجلة الآداب بعنوان "القصة وأنا.. أو قصتي أنا" كشف فيه عن أبرز أسرار كتابة القصة القصيرة التي توصل إليها في 1958 رغم أنه حاول كتابة القصة القصيرة منذ أواخر دراسته للطب؛ قرب بداية خمسينيات القرن الماضى إلا أنه وحتى 1958 لم يعرف كنه هذا العمل الذى يقوم به وهو ما كشف عنه في إجاباته عن فن القصة أو المسرح خلال الندوات أو في اللقاءات الصحفية؛ حتي سئل في هذا العام عن رأيه في القصة؟
هكذا اكتشف يوسف إدريس أسرار كتابة القصة
وقتها حاول أن يجيب يوسف إدريس كتابة عن رأيه في القصة وكان عليه أن يكتبها فى صفحة؛ وقتها عثر إدريس علي تعريف يكاد يعادل الكشف الحقيقي، بل إكتشف ما هو أكثر؛ وهنا يقول إدريس:"أن الكتابة، تلك التي ظللت، إلى ذلك الوقت، استعملها وسيلة للتعبير عن هواتفي الخفية، وشرارات أفكاري، كي تحيل الهواتف إلى أحاسيس، وحياة، لها قوانينها المعقولة، وبها تتحول شرارة الفكر إلى ضوء حي دائم متجسد، اكتشفت أنني بالكتابة أستطيع ليس فقط أن أعبر عن نفسي، وأنما أيضا استطيع أن أفهم بها ما يغمض علي، وما يقف عقلي عاجزا أمامه، وأننا إذا شيهنا وظيفة الكتابة الأولى "التعبير" بمسائل الرياضة التي يحلها الانسان شفويا، وعلى البديهة، فتلك الوظيفة الجديدة التي اكتشفتها انذاك تشبه المسائل العويصة التي لا يمكن أن تحل، الا اذا جلست تكتبها خطوة تليها خطوة، ونتيجة تصل بها الى نتيجة فبعد عمليات معقدة تحريرية، تعمل بها إلى الحل: حل مستحيل أن تصل اليه بالبديهة. انها اذن ليست وظيفة ثانية الكتابة: ولكنها نوع آخر، أعمق، نوع لا بد انه اقرب الى ماهية الكتابة فعلا. فلقد بدا الانسان اعمال عقله، واستعماله لادراك الاشياء الفورية، ثم حين بدأ يصادف اشياء اكثر تعقيدا، تحتاج لاختزان معلومات، واختزال نتائج، وتجميع مبعثرات، بدأ يحتاج الى وسيلة تتيح له كل هذا، وكان أن ظل يحاول ويحاول، حتى اكتشف المعادل المكتوب للأشياء المجردة والمحسوسة - أي اكتشف الكتابة وبها، بهذه الوسيلة، استطاع أن يخلق من بشريته البدائية، تلك البشرية التي مضت ترقى وترقى، حتى وصلت إلى مستواها الآن".
وتابع إدريس:" أقول، في ذلك العام، ١٩٥٨، وفي صفحة: وانا أتأمل ( الكتابة، تأملا " مكتوبا » لاول مرة، وأدرك بعد كل محاولة، انني لم أصل إلى حل، أو ما يشبه الحل، فا مزق الصفحة، واعيد الحل، وصلت في النهاية الى أن القصة لم يبتكرها الوجدان البشري عينا، ولا أعمل الإنسان فيها عقله طوال تلك العصور عيشا. وايضا ليس عينا أيضا ذلك الاهتمام العظيم الذي توليه القصة، مد تكون أطفالا شبه رضع، إلى أن نصل إلى أرذل العمر. كون القصة عملا مسليا، مثل كون اللوحة جميلة الالوان مثل كون المسرحية بارعة المناظر والاضاءات. الجمال في القصة لا يمكن أن يكون وحده السبب في هذا الرباط الحيوي بيننا وبينها كونها عامرة بالمفاجات، كونك تتشبعها التعرف ماذا تلي هذا الحدث، أو ماذا فعل البطل بعد ذالك، هذه كلها مواصفات، مثلها مثل مواصفات البيت أو الثوب، الشبابيك والشرفات، والادوار والسلالم، والتفصيلة والخامة.. الخ ".