مصر العربية.. فى القمة
مازالت مصر وسوف تظل النقطة المضيئة فى كل الأحداث السياسية التى تشهدها المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج.. فهذا هو قدرها من قديم الزمن.. ومن هنا فإن أنظار العالم دائمًا ما تتجه إليها للوقوف على ردود أفعالها تجاه الأزمات التى تشهدها المنطقة، خاصة فيما يتعلق بقضية القضايا فى الوطن العربى وهى القضية الفلسطينية التى تتحمل مصر تباعتها وأعباءها على امتداد قرن من الزمان، حتى إننا أصبحنا نعتبرها قضية مصرية بالدرجة الأولى، فمن أجلها خضنا الحروب وبسببها سقط منا الآلاف من الشهداء، وعلى طول امتدادها قبلنا العديد من الالتزامات، ووقعنا الكثير من الاتفاقات والتعهدات.
منذ أحداث السابع من أكتوبر وتحاول مصر أن تحقق للشعب الفلسطينى حقه فى أن تكون له دولة مستقلة معترف بها فى المحافل الدولية، وفى هذا الإطار تعرضت للعديد من الحملات الخبيثة والمحاولات المكشوفة لحصارها سياسيًا وإعلاميًا، من خلال قنوات فضائية مأجورة، بهدف رفع يدها عن القضية والشعب الفلسطينى...إلا أن القيادة السياسية دائمًا راصدة لتلك المحاولات، حيث تتحرك فى صمت وتعقل ودون اندفاع لصالح تلك القضية، وهو الأمر الذى وضعها دائمًا فى موقع الصدارة والاحترام من جميع دول العالم، بل إنها أصبحت قبلة لمعظم قادة دول العالم الذين يلجأون إليها لمعرفة ما سوف تؤول إليه الأحداث الدامية والمجازر اليومية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى، وأيضًا مصير الرهائن الذين تحتجزهم حركة حماس.
شاركت مصر منذ عدة أيام فى مؤتمر القمة العربى الثالث والثلاثين الذى عقد فى مملكة البحرين، وقبيل تلك المشاركة أعلنت عن اعتزامها الانضمام إلى جمهورية جنوب إفريقيا فى دعوى الإبادة الجماعية المرفوعة ضد إسرائيل بمحكمة العدل الدولية، كرد فعل على سلسلة القرارات المتهورة التى اتخذتها إسرائيل مؤخرًا، وهجومها على مدينة رفح الفلسطينية رغم التحذيرات الدولية، ثم إغلاقها المعبر وإدخال قواتها العسكرية إلى محور فلاديفيا على الحدود المصرية، الذى تنص الاتفاقية المبرمة بين مصر وإسرائيل عام 2005 على عدم السماح لإسرائيل بالتواجد فى تلك المنطقة إلا بموافقة مصر، وهو ما يعتبر تحديًا سافرًا للاتفاقيات الدولية، وأيضًا يمثل تهديدًا للأمن القومى المصرى.
جاءت قمة البحرين لتتبنى ثوابت الرؤية المصرية فى إحلال السلام بالمنطقة، وفى رسم خارطة طريق لتوحيد الصف العربى، ووجهت رسالة حاسمة برفض جرائم العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، وذلك من خلال عدة ركائز وافقت القمة على الأخذ بها، من بينها إدانة سيطرة القوات الإسرائيلية على الجانب الفلسطينى من معبر رفح ومطالبتها بالانسحاب منه، والدعوة الجماعية لعقد مؤتمر دولى تحت رعاية الأمم المتحدة لحل القضية الفلسطينية، على أساس وجود دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، والدعوة إلى تنسيق الجهود العربية بشكل عاجل وفورى، بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة ذات الصلة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
نجحت مصر خلال مشاركتها فى القمة العربية فى أن تحول الدفة من خلال كلمة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الى اعتبار القضية الفلسطينية هى الركن الركين فى جدول أعمال تلك القمة، حيث حذر السيد الرئيس بشكل واضح وجازم من أنه لم يعد هناك أى خيار ثالث بين السلام والفوضى، وأن التاريخ سوف يتوقف كثيرًا لمحاسبة المتقاعسين عن تلك المأساة الإنسانية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى، وأن ما يحدث من الممكن أن يكون بداية للزج بالمنطقة إلى هاوية عميقة إذا اتسعت رقعة الحرب، وذلك نتيجة لإصرار إسرائيل على المضى قدمًا فى العمليات العسكرية فى رفح، فضلًا عن إمعان الحصار باحتلال معبر رفح الفلسطينى لتغلق آخر منفذ للحياة أمام هذا الشعب المكلوم.
جاءت كلمة السيد الرئيس لتؤكد أن الحلول العسكرية لا يمكن أن تحقق أى قدر من السلام، بل إن المباحثات والمناقشات والتفاوض القائم على العدالة هى السبيل الوحيد القادر على أن ينهى تلك المجازر اليومية التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى المسالم.
وقد نقلت جميع وكالات الأنباء التى كانت تتابع المؤتمر الموقف المصرى الحاسم تجاه القضية الفلسطينية من خلال الإعلان الواضح برفض تصفية القضية، ورفض التهجير القسرى، ورفض إجبار الشعب الفلسطينى على النزوح من أراضيه، من خلال خلق ظروف من قبل الكيان المحتل لدفعه للخروج جبرًا وقسرًا بحثًا عن حياة أخرى فى أرض أخرى غير الأرض التى عاش عليها وضحى من أجلها.
سوف تبقى مصر دومًا ميزانًا للعدل ونصرة الحق.. ترفع رايات السلام والتحرر بقوتها السياسية المدعومة بجيشها القوى وشعبها الواعى الأبى.. تحافظ على ريادتها للمنطقة العربية وعلى تعهداتها والتزاماتها تجاه قضايا المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، من خلال أداء دبلوماسى رصين، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء والمهاترات التى لا تغنى ولا تعيد الحق لأصحاب الحق.. وتحيا مصر.