أخيرًا.. كل شىء بخير
مشاهدات معرض أبوظبى الدولى للكتاب «2»
بعد معاكسات وتأجيل للسفر لحضور فعاليات معرض أبوظبى الدولى للكتاب من طائرة الحادية عشرة صباحًا إلى طائرة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، أصررت على ركوب الطائرة وفى حقيبتى جوازا السفر الملغى والمجدد، ورغم الشجاعة والاستهانة التى أبديتها أمام موظفة مصر للطيران التى حذرتنى من احتمال رفض ضابط مطار أبوظبى مرورى من الجوازات لحصولى على تأشيرة الدخول بجواز السفر الملغى، إلا أننى بمجرد ركوبى الطائرة أخذت أفكر فى حالة الضابط الذى سيكون وقت الوصول الساعة الرابعة والنصف فجرًا فى نهاية ورديته، هل سيكون مرهقًا ويأمل فى أن يمر الوقت حتى يعود لبيته ويتناول الطعام وينام، فيتفهم موقفى وحالة اللخبطة الإلكترونية التى حدثت لى خاصة أننى أحمل نسختين من الباسبور؟، أم يدفعه الإرهاق والضجر إلى الإمساك بالموضوع وتصعيد الأمر، وتكون حالتى هى المنبه الذى يثبت كفاءته وحرصه على سلامة واستتباب الأمن؟
لم يستغرقنى التفكير كثيرًا، رسمت المشهدين فى خيالى فحسب، ولم أتمادَ فى تصوير ما سيكون عليه رد فعلى.
عدت للقراءة فى كتاب كافكا رسائل إلى ميلينا، وقد كان كافكا وميلان كونديرا وسيجموند فرويد هم المنبه لى، من خلال قراءة أعمالهم، إلى أهمية وسط وشرق أوروبا الحضارى والثقافى، وكيف أسهمت النمسا والتشيك والمجر فى تطور الفكر الإنسانى، ونقلت مركز اهتمامى بالحضارة الأوروبية من لندن وباريس إلى فيينا والإمبراطورية النمساوية قبل الحرب العالمية الأولى.
إلى جانب القراءة، شرعت فى كتابة بعض المقاطع فى روايتى الجديدة، مر الوقت، ووصلنا أبوظبى، وكانت المفاجأة.. لم أجد أى ضابط جوازات، فالمرور إلكترونى بعمل سكان للجواز، ظهرت العلامة الخضراء وانفتحت البوابة «توماتيكى».. طبعًا أنتم تعرفون إحساسى الآن، تنهيدة عميقة وشعور نسبى بالراحة، فأبلغت زوجى بوصولى، وأن كل شىء تمام، بعد أن وجدت رسالة واتس من السائق الذى سيقلنى للفندق، بعد انتهاء إجراءات التسكين، أخبرنى موظف الاستقبال بأن الإفطار سيكون فى السادسة، بعد ربع ساعة، شكرته وصعدت لغرفتى رقم ١٧ فى الطابق السادس عشر من فندق جراند ميلينيوم الوحدة، الذى لم أكن أعرف عنه شيئًا، حيث كان مقررًا لى الإقامة فى فندق أنداز الحياة القريب جدًا من مركز المعارض، فإذا بالمنظمين يخبرون السائق، وهو فى طريقه لأنداز، أننى سأقيم فى فندق جراند ميلينيوم الوحدة الذى يبعد عشرين دقيقة بالسيارة عن مقر المعرض.
أرسلت لصديقى الكاتب زين خيرى، رئيس تحرير برنامج أطياف، وللمخرج عبدالفتاح خضر، أخبرهما بوصولى، وأننى سأكون فى أرض المعرض فى الثانية عشرة ظهرًا، للبدء فى تسجيل الحلقة الخاصة للبرنامج من معرض أبوظبى الدولى للكتاب فى دورته الثالثة والثلاثين، التى تكتسب أهمية خاصة مع اختيار مصر ضيف شرف المعرض، وهو اختيار يعكس حجم وثقل الثقافة والحضارة المصرية، خاصة أنها المرة الأولى التى يتم اختيار دولة عربية لتكون ضيف الشرف، بعد أن اقتصر المعرض فى اختياره لضيف الشرف لمدة اثنين وثلاثين عامًا على اختيار دولة غير عربية من أجل التعريف بالثقافات والحضارات المختلفة وتقريبها للمتلقى والقارئ العربى.
وكان طبيعيًا عندما تتجه أبوظبى لضيف يمثل الثقافة العربية، أن يقع الاختيار على مصر التى ستظل دومًا قلب الثقافة العربية. وتزداد أهمية هذه الدورة مع اختيار أديب مصر الكبير نجيب محفوظ ليكون الشخصية المحورية للمعرض، ولا يوجد من يعبر عن الروح والهوية المصرية خير من أديبنا الكبير، الذى نقل الرواية العربية من مرحلة طفولة البدايات إلى مراحل النضج الواقعى، والتحليق عاليًا فى سماوات الرمزية والشذرات المقطرة بخبرة وتجارب السنين فى أحلام فترة النقاهة.
سيكون يومى طويلًا، ومن أجل الحصول على قسط من الراحة، وقد تجاوزت الساعة السادسة والنصف، أغلقت الستائر وكل أنواع الإضاءة، فكرت فيما سأرتديه.. أحتاج لملابس لا تعكس ما مررت به من تقلبات نفسية ومكانية وزمانية.. اخترت فستانًا أخضر بزهور وردية وبيضاء وبليزر أبيض، ها أنا فى أبوظبى فى فندق سأكتشفه فيما بعد، سأبتهج الآن وأحاول أن أنام وكل شىء سيكون بخير لأننى بخير.