خارج مدارك.. الانسجام الغائب والتنافر الملازم
مشاهدات معرض أبوظبى الدولى للكتاب «1»
يحدث أحيانًا أن تكون كل الأشياء معاكسة لك، كل ما تقوم به لا يؤدى الغرض منه، أنت والكون فى حالة تنافر، كل ما يحدث يؤكد أن الأمر خارج دائرتك، خارج نطاق الانتباه والحرص والمراجعة وتوخى الحذر، هناك رسالة ما، ضوء أحمر يقول لك انتبه، أنت لست فى مدارك الصحيح.
على مدى سفرياتى لم يحدث أن عدت من المطار للبيت دون إتمام السفر، وتأجيل الرحلة لموعد آخر، حتى عندما كنت بصحبة زوجى وابنتى فى مطار الغردقة واكتشفت أن حجز الطائرة للعودة بنا من الغردقة للقاهرة موعده الحادية عشرة مساء 11 pm، وليس 11 am، كما قرأتها أكثر من مرة، ولم يترجم عقلى الرمز بوضعه القائم، وليس كما اعتدت أن أحجز العودة للقاهرة صباحًا، بحيث تتناسب مع موعد الإخلاء الطبيعى من الفندق، نبهنى لحقيقة الوضع موظف الكاونتر فى مصر للطيران، ولم يكن هناك موعد طائرة فى الحادية عشرة صباحًا، وتم حل المشكلة بأن غيرنا موعد العودة إلى ١ ظهرًا ودفع غرامة التأخير بالفيزا، ولم يشعر زوجى أو ابنتى بالفرق أو المشكلة، بما أعتبره معجزة أو تدخلًا قدريًا لسترى وجبر خاطرى، فأنا المسئولة فى البيت عن السفر، من حجز الفنادق والطيران، وكونى برفقة زوجى وابنتى، وقد أرسلت لهما التذاكر، ولم يراجعانى فى موعد العودة صباحًا أو مساء، فهذا لثقتهما المطلقة فى دقتى وانضباطى واختيارى الأفضل والأنسب، وفقًا لبرنامجنا. ليلة السفر لحضور معرض أبوظبى، انتابنى إحساس بالشجن، ففترة إقامتى فى أبوظبى تتضمن آخر شهر أبريل والأسبوع الأول من مايو، فترتب عليه أن جهزت أظرفًا بها رواتب العاملين لدينا، والأقساط المستحقة للدفع، والقيمة المتوقعة لفواتير الكهرباء والنت ووضع المعاملات المالية النقدية المطلوبة فى أظرف فى درج مكتبى وتعريف مريم ابنتى بالوضع وكيفية التصرف بدلًا منى.. ربما يكون هذا الإجراء على بساطته أوحى لى بمشاعر ضاعفت من فكرة الغياب والرحيل.
فى الصباح، وبعد أن تحركنا بالسيارة، جاءنى إحساس بقلق ورغبة فى التأكد من الباسبور، ففتحته، قبل أن نصل بالسيارة لنهاية سور قصر محمد على لنعبر الكوبرى من المنيل ونأخذ طريق صلاح سالم، فتحت الباسبور دون إخراجه من حقيبتى ونظرت فى موعد انتهائه ووجدت المكتوب ٢٠٢٨، فاسترخيت، وخف قلقى. ولم أنتبه للفخ الذى سقطت فيه، فقد أحضرت باسبورى الملغى، الذى تم إلغاؤه العام الماضى لسقوط ماء عليه، واحتفظت به لوجود تأشيرات شنجن عليه، لم أحضر الباسبور الجديد الصالح للسفر.
كانت الساعة العاشرة صباحًا، وقد عاد زوجى وابنتى بالسيارة، ولم يكن من الممكن إحضار الجواز الصحيح خلال نصف ساعة، الوقت المتبقى للسماح لتأكيد الحجز والمرور بالجوازات.
أدركت أنى لا أتحرك فى مدارى الصحيح، وأن هناك خللًا فى انسجامى مع الكون، وأن المطلوب هو السكينة واتباع تعليمات المدار الجديد والتأقلم معه حتى أعود لنقطة اتزانى، هذه مرحلة اختبار، قد تطول مدتها أو تقصر، تخف أو تثقل خسارتها، أنا فى مرحلة اختبار، وما سأقوم به وردود فعلى واستجابتى هى التى ستحدد ما إذا كنت سأبقى فى الدوامة أم سأجد بابًا للخروج والعودة لمسارى المتناغم مع الحياة والكون من حولى.
غيرت موعد الرحلة، ولارتباطى بمواعيد التصوير مع الزملاء الذين سبقونى بالسفر، لم يكن أمامى غير الحجز للسفر على الطائرة المغادرة للقاهرة فى الحادية عشرة والنصف مساء.
خرجت من المطار، دعانى زوجى، تعويضًا عن الإحباط الصامت الذى كسا وجهى، للإفطار، وأخذ منى جواز السفر الملغى حتى لا أستخدمه مرة أخرى، وعدت للبيت، مر الوقت ولا أتذكر أننى فعلت شيئًا ذا قيمة غير القراءة والنوم، فقد ظللت نفسيًا فى حالة سفر.
فى المساء، وقبل ثلاث ساعات من موعد إقلاع الطائرة، توجهت ثانية للمطار، وطبعًا معى الباسبور الجديد، وعند الكاونتر طلبت الموظفة تأشيرة السفر فأعطيتها الموبايل، لتكتشف أن التأشيرة تم استخراجها بالباسبور الملغى.. لقد أرسلت صورة الباسبور الملغى عند طلب التأشيرة.. واه.. والترجمة: حجزى الطائرة سليم ومتاح، سأعبر من جوازات مطار القاهرة لوجود الباسبور الجديد فى يدى، سيعيدنى ضابط الجوازات فى مطار أبوظبى لعدم تطابق رقم جواز التأشيرة مع رقم الجواز الجديد.
هل أحتاج لدليل أوضح على أننى أبعد ما أكون عن مدارى الصحيح؟! هل شاهدت أفلام شارلى شابلن، حيث توجد فى ميدان وتريد عبور الشارع، وكلما هممت بالعبور تفتح إشارات السيارات، وتصدمك سيارة فتسقط، وكلما هممت بالوقوف تصدمك سيارة أخرى، أو أنك فى مدخل فندق له باب دوار، وكلما هممت بالدخول دار الباب لتجد نفسك مع كل محاولة ملقى وحقيبتك على الرصيف. أنا كنت هذه السيدة التى ترتدى بنطلون بيج وبليزر كشمير وبلوزة مشجرة، وتبتسم ابتسامة واسعة، فى الساعة العاشرة مساء، أمام مكاتب مصر للطيران، صالة ٣، فى مطار القاهرة الدولى.
وسواء لمحتنى أم لم تنتبه لى.. فهناك للحكاية بقية.