الناقد رضا عطية: تحويل روايات نجيب محفوظ للكوميكس يعطل الحس القرائى
تحدث الناقد دكتور رضا عطية عن إطلاق مشروع نجيب محفوظ المصور، الذي يهدف لتحويل أعمال نجيب محفوظ لروايات مصوَّرة "كوميكس"، وصدور أولي نتاجات المشروع وهو رواية "اللص والكلاب" المصوَّرة.
تحويل روايات نجيب محفوظ للكوميكس يعطل الحس القرائي
وقال "عطية" في تصريحات خاصة لـ"الدستور": أدب نجيب محفوظ ومثله من الأدب العظيم هو نسيج لغوي وحدته الأساسية المكونة هي الكلمة والبنية اللغوية المشكلة تشكيلا جماليا- لا يمكن تحويله إلى صور ورسوم؛ لأن ذلك يصادر فاعلية التأثير الجمالي للنص اللغوي الكتابي ويعطل التلقي.
ويبطل الحس القرائي عن ممارسة عمله في استيعاب النص الجمالي وفق عدة مستويات للقراءة، منها مستوى الاستيعاب المباشر لمقولات النص وأحداثه "مستوى الحكاية وأحداثها"، لكن ثمة مستويات أخرى للنص كالمستوى الرمزي غير المباشر والبنية الاستعارية، كل هذا لا يمكن للصورة المصورة والرسومات أن تؤديه بل تصادره.
وأوضح "عطية": إن تصور أن القص سواء رواية أو قصة مجرد حكاية، "حدوتة"، سلسلة من أحداث متتابعة يمكن تقديمها في صور هو تصور قاصر وساذج لا يدرك جوهر الأدب بعامة، وفن القص أيضًا، إن الظلال المجازية والغلالات الاستعمارية عبر البنية اللغوية التي تسرد أحداث القص تعجز الصور والرسومات عن الإلمام به، كيف ستقدم الصور تعبير شخصية محفوظية هو "علوان فواز محتشمي زايد"، الحفيد الشاب في رواية "يوم قتل الزعيم"، عن آلامه ومواجعه بعد فقدانه حب عمره وتبدد حلم حياته بالارتباط بحبيبته، "رنده سليمان مبارك" لعدم استطاعته تدبير مسكن للزوجية، ما اضطرهما إلى فسخ خطبتهما، فمضى علوان ينفث حمم ألمه، قائلًا: "جريح القلب والكرامة، أهيم على وجهي ككلب بلا مأوى".
أو كيف ستترجم الصور والرسومات المقدمة الناضحة لغة شعرية في رواية اللص والكلاب، كيف تستطيع الرسومات التصوير أن تمثل إيقاعية اللغة التصويرية في وصف الشخصية المحفوظية في رواية ميرامار للإسكندرية: "الإسكندرية أخيرًا. الإسكندرية قطر الندى، نفثة السحابة البيضاء، مهبط الشعاع المغسول بماء السماء، وقلب الذكريات المبللة بالشهد والدموع. العمارة الضخمة الشاهقة تطالعك كوجه قديم، يستقر في ذاكرتك فأنت تعرفه، لكنه ينظر إلى لا شيء في لا مبالاة، فلا يعرفك، كلحت الجدران المقشرة من طول ما استكنت بها الرطوبة، وأطلت بجماع بنيانها على اللسان المغروس في البحر الأبيض".
واختتم "عطية" مشددًا على أن روايات نجيب محفوظ: مثل هذا الوصف السردي بلغة تنبض شعرية وتموج استعارة ومجازية، فضلا عن انعكاس الحالة النفسية لشخصية عامر وجدي الصحافي المتقدم بالعمر على حدقته المعاينة للأشياء في إدراكه للمعطيات، مثل هذه المكونات الجمالية والأبعاد المتراكبة للنص التي تفي بها اللغة المكتوبة لا تستطيع الصور أن تقدم شيئًا منها، لذا فالإقدام على تجربة مثل هذه من شأنه أن يعمل على تسطيح النص الأدبي وأن ينزع منه شعريته ويحجب جمالياته ويقعد عقلية المتلقي عن إعمال جهده وتشغيل حسه التذوقي إدراكًا للمعطيات الجمالية المتنوعة، التي تكتنف الوصف السردي لأحداث الحكاية المسرودة.