سحر أنشيلوتى.. كيف يُنقذ الداهية الإيطالي ريال مدريد من الموت فى كل مرة؟
«لا يوجد أخطر من رجل عاد من الموت».. هكذا هو حال ريال مدريد فى منافسات بطولة دورى أبطال أوروبا، فى كل مرة يعتقد الجميع أنه انتهى، وأن منافسه انتصر عليه، قبل أن يستعيد صحوته، ويسقط الجميع فى بئر من خيبة الأمل، والمباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة.
وانتصر ريال مدريد على نظيره بايرن ميونخ الألمانى بنتيجة ٢-١، فى إياب نصف نهائى دورى أبطال أوروبا، بعدما كان متأخرًا بهدف نظيف يخرجه من المسابقة حتى مشارف الدقيقة ٩٠، ليضرب موعدًا مع بروسيا دورتموند فى النهائى، المقرر إقامته أول يونيو المقبل، على ملعب «ويمبلى» فى العاصمة الإنجليزية لندن.
فريق بلا مهاجم من الصفوة، وحارسه الأساسى مصاب وغائب طوال الموسم، إلى جانب إصابة قلبى الدفاع الأساسيين بـ«الرباط الصليبى»، كل هذا لم يمنع ريال مدريد من «ريمونتادا» جديدة مُكررة.. فكيف أسقط «أنشيلوتى» بايرن ميونخ، وأنقذ «الملكى» من الموت كما يفعل دومًا؟
أداء هجومى منذ البداية.. تنويع طرق اللعب.. وتعامل نفسى ممتاز
«هكذا، هكذا يفوز ريال مدريد».. ذلك الهتاف الذى زلزل جنبات ملعب «سانتياجو برنابيو»، فى ليلة الأربعاء التاريخية ضد بايرن ميونخ، يعكس بوضوح الطريقة التى اتبعها «أنشيلوتى» أمام العملاق البافارى.
ريال مدريد بدأ المباراة بأداء هجومى واضح، وضغط متقدم من لاعبى الوسط والهجوم على دفاعات بايرن ميونخ، ليتلاعب فينيسيوس جونيور ورودريجو بدفاعات «البافارى»، ويتقدم تونى كروس وأوريلين تشوامينى إلى المساحة أمام منطقة جزائه لاستعادة الكرة الثانية المرتدة من الدفاع.
كل هذا تزامن مع دعم هجومى من فريدريكو فالفيردى، بالإضافة إلى التحولات الخططية بين «٤-٤-٢» كرسم تكتيكى لبداية المباراة بشكل «الماسة» فى وسط الملعب، ووضع بيلينجهام أمام كروس وفالفيردى وخلفهما تشوامينى، وبين «٤-٣-٣» فى حالة الاستحواذ على الكرة، من خلال تقدم بيلينجهام إلى مركز الجناح الأيسر.
ويومًا تلو الآخر، يسطر كارلو أنشيلوتى اسمه كأحد أفضل مدربى كرة القدم على مدار التاريخ، فى التعامل مع اللاعبين نفسيًا وتجهيزهم للمباريات الكبرى، فمثلًا خوسيلو، الذى انضم إلى «الملكى» معارًا من إسبانيول فى بداية الموسم الجارى كمرحلة انتقالية بعد رحيل «بنزيما» -حتى انضمام «مبابى» إلى الفريق- لم يعول عليه فى أى من المباريات المهمة.
فى مواجهتى مانشستر سيتى وبايرن ميونخ لعب فينيسيوس جونيور «الجناح» فى مركز «المهاجم الصريح»، وهو اختيار كافٍ لإحباط أى مهاجم، لكن أسلوب «أنشيلوتى» الواضح فى التواصل مع لاعبيه، ومنحهم الثقة والاستقلالية فى التعبير عن أنفسهم والإبداع، أبقى على آمال خوسيلو فى التألق، حتى قاد اللاعب «الملكى» لتحقيق «الريمونتادا» التاريخية أمام الكبير الألمانى، فى الدقيقتين ٨٨ و٩١. كذلك فينيسيوس جونيور الذى بات الآن واحدًا من صفوة لاعبى الكرة فى العالم، قبل قدوم «أنشيلوتى»، كان يعانى من ضعف الفاعلية على المرمى، وإهدار الفرص السهلة، لكن «كارلو» أخبره بأنه لا يحتاج سوى لمستين فقط للتسجيل، لتتفجر النسخة الأفضل من اللاعب البرازيلى، مع الداهية الإيطالى العجوز.
منح الثقة لـ«الكبار» والمساعدين.. ونقل برود أعصابه إلى المستطيل الأخضر
إحدى مميزات «أنشيلوتى» التى استطاع توظيفها لتحقيق أهدافه هى المرونة التكتيكية، وقدرته على التكيف مع التكتيك الحديث والتشكيلات، وتصميم خطة لعب مناسبة لنقاط القوة والضعف فى فريقه.
يضاف إلى ذلك منحه الثقة للاعبين الكبار فى الفريق، بل مناقشتهم فى تكتيك الفريق وأسلوب اللعب، مثلما حدث فى العديد من المباريات، مع لوكا مودريتش وتونى كروس، وكذلك مارسيلو قبل رحيله.
واستطاع كارلو أنشيلوتى نقل هدوئه وبرود أعصابه المعهود إلى لاعبيه على المستطيل الأخضر، فى أكثر من مناسبة مهمة، مؤكدًا ثقته فيهم، وكذلك ثقته فى الطاقم التدريبى الذى يعاونه، خاصة على المستوى البدنى بوجود أنطونيو بينتوس، الذى يعد واحدًا من أفضل المدربين البدنيين فى العالم، ودعته وكالة «ناسا» لنقل أساليبه التدريبية لرواد الفضاء وتجهيزهم بدنيًا.
عقب ليلة العبور من مانشستر سيتى، وبعد إحكام قبضة «الكاتيناتشو» على «جوارديولا» ورجاله، خرجت التقارير الصحفية لتكشف عن أهمية دور «دافيد»، نجل كارلو أنشيلوتى، فى أسلوب لعب «الملكى» أمام «الستيسنز»، واستعانته بالطريقة التى أحبط بها أرسنال هجوم مانشستر سيتى، وكذلك تدخله فى اختيارات بعض اللاعبين لتسديد ركلات الترجيح فى نفس المباراة، ما يدل على ثقة «أنشيلوتى الأب» فى اختيارات مساعديه وقدراتهم الفنية، وهذا لا يحدث سوى من مدرب يثق بقدراته وبقدرات مساعديه وإمكاناتهم.
«٩٠ دقيقة فى سانتياجو برنابيو وقت طويل للغاية»، قالها الأسطورة خوانيتو، لاعب ريال مدريد السابق، بعد خسارة فريقه ضد إنتر ميلان بنتيجة ١-٣، فى ذهاب نصف نهائى كأس الاتحاد الأوروبى ١٩٨٦، ليؤكد صعوبة مواجهة «الملكى» فى ملعبه.
وبالفعل فى مباراة الإياب حقق ريال مدريد نصرًا بثلاثية نظيفة، ويتأهل إلى نهائى البطولة ويحقق لقبها، مع ترسيخ قاعدة تاريخية يجب ألا يغفل عنها أى خصم لريال مدريد، وهى أن «سانتياجو برنابيو» ليس كغيره من الملاعب، فلن تجد فى أى ملعب آخر أقدامًا تضرب بعضها البعض كما هنا، ولن تسقط الكرة من يد مانويل نوير كما سقطت أمام خوسيلو، فهذا «سانتياجو برنابيو»، وهذا ريال مدريد، الذى دائمًا ما يعود من الموت.
تبديلات فعالة أعادت «الملكى» إلى الحياة بهدفين فى الوقت القاتل
على جانب آخر، اختار توماس توخيل، مدرب بايرن ميونخ، لعبة الملاكمة الكلاسيكية، أن يتحمل ضربات خصمه حتى ينهكه، ثم ينقض عليه بضربة قاضية تسقطه أرضًا، وبالفعل كانت الخطة فى طريقها للنجاح.
«البافاريون» لم يحاولوا الدخول فى منافسة للاستحواذ على الكرة، بل تركوا الاستحواذ لريال مدريد، ورجعوا إلى الدفاع وغلق مساحاتهم، ثم الاعتماد على مرتدات سريعة، مستغلين فى ذلك سيرجى جنابرى وليروى سانى وجمال موسيالا، بالإضافة إلى وجود هارى كين فى قلب الهجوم.
لكن على المستوى الدفاعى لم يكن بايرن ميونخ فى أفضل حالاته، فتلاعب فينيسيوس جونيور بجوشوا كيميتش وزملائه من دفاع «البافارى»، ولولا تألق مانويل نوير لحقق ريال مدريد فوزًا عريضًا.
وعلى الرغم من كونه واحدًا من أفضل المدربين فى العالم، اعتاد توماس توخيل ارتكاب الحماقات فى مثل هذه المباريات، باختيارات توصف بالجبن والخوف، ففى عرف كرة القدم عندما تواجه ريال مدريد وتتقدم بهدف واحد عليك أن تضغط أكثر لتسجيل الثانى والثالث، وألا تمنحه فرصة للعودة، وهذا ما لم يفعله «توخيل»، بل أخرج ليروى سانى ودفع بـ«كيم مين جاى» فى الدفاع، ليبدأ التراجع الحقيقى للدفاع، بعد ٨ دقائق فقط من تسجيل الهدف.
نزول «كيم» أعطى لاعبى «بايرن» إحساسًا بأن الأمور انتهت لهم بالفعل، وتسرب لهم شعور بضرورة الامتناع عن الهجوم نهائيًا، ليحصل ريال مدريد على الفرصة الكاملة فى التقدم بكامل لاعبيه، وبالتالى خنق «البافارى».
أما تغييرات كارلو أنشيلوتى فأعادت لريال مدريد الحياة مرة أخرى، واستطاع من خلالها السيطرة مجددًا على الملعب، ومنح فريقه الأفضلية فى استعادة الكرات الثنائية، مع الضغط على دفاع «البافارى»، حتى تحقق له ما أراد بهدفين متأخرين.