ما بين المفاوضات وفشلها.. ابحث عن حماس
على مدى عقود طويلة من الزمن لم تتحمل أى دولة عربية مسئوليتها تجاه القضية الفلسطينية مثلما تحملتها مصر، التى قدمت آلاف من الشهداء والمصابين من رجال الجيش المصرى منذ عام 1948 وحتى اليوم.
تحملت مصر مسئولية الدفاع عن الأراضى الفلسطينية، واستضافت مئات الآلاف من الشعب الفلسطينى ضيوفًا مرحبًا بهم فى الدولة المصرية، لا فرق بينهم وبين أى مواطن مصرى فى الاستفادة بجميع متطلبات الحياة من تعليم وصحة وخدمات اجتماعية أخرى.
وحتى على صعيد المفاوضات السلمية التى بدأت بعد انتصارات أكتوبر 1973 كانت مصر الشريك الرئيسى بين الطرفين، حيث بدأها الرئيس أنور السادات، واستمرت إلى أن تحمل الرئيس عبدالفتاح السيسى هذه المسئولية بكل حكمة وموضوعية، حيث لم تقتصر المفاوضات على الثوابت التى ينادى بها الرئيس، والتى تتمثل فى ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ورفض عمليات الاستيطان، وكذلك رفض عمليات إسرائيلية أحادية تعرقل إقامة الدولتين.. بل إنها تضمنت أيضًا العمل على إنهاء حالة الانقسام ورعاية الحوار الفلسطينى – الفلسطينى.
وأمام تلك الثوابت المصرية وافقت إسرائيل على الدخول فى مفاوضات مع حركة حماس لوقف الاعتداءات على المدنيين العزل فى قطاع غزة، والتى راح ضحيتها حتى الآن ما يقارب من 36 ألف شهيد فلسطينى من خلال مبادرة تقدمت بها مصر، على الرغم من أن تلك الحركة هى من بدأت فى الاعتداءات على إسرائيل فى السابع من أكتوبر الماضى، مما ترتب عليه نزوح الشعب الفلسطينى الأعزل من مدنهم ومنازلهم، أملًا فى اللجوء إلى مكان آمن يحافظون فيه على حياتهم وكرامتهم نتيجة ما قام به الكيان الصهيونى من التنكيل بهم، وممارسة كل صور الإبادة الجماعية غير المشروعة من قتل وترويع دون التمييز بين رجل وإمرأة أو بين إمرأة وطفل.
وعلى الرغم من أن هذا العدوان الإسرائيلى كان له انعكاسات سلبية كبيرة على الأوضاع الاقتصادية والأمنية فى مصر، إلا أن القيادة السياسية أبت إلا أن تتدخل لوضع حد لتلك المعركة غير المتكافئة، واستضافت وفودًا من حماس وإسرائيل.. وأرسلت وفدًا أمنيًا مصريًا ليلتقى مع قيادات الجانبين وبدأت تلوح فى الأفق بوادر انفراجة عندما بدأ الجميع يدرسون المبادرة، والتى كان من الواضح إنها أصبحت محل إاهتمام من الجانب الإسرائيلى بصفة خاصة، حيث طالب وزير الدفاع الإسرائيلى يوأف جالانت من رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو بالاهتمام بالمبادرة المصرية وقبولها كحل مؤقت لتهدئة الرأى العام العالمى وأيضًا الداخلى، وحضر وفد من حركة حماس إلى القاهرة؛ لمناقشة محاور المبادرة، حيث أكدوا أنها سوف تكون محل اهتمام قيادتهم فى قطر.
ونفاجأ جميعًا بقيام كتائب القسام الذراع العسكرية لحركة حماس فى نفس توقيت دراسة المبادرة بالهجوم على معبر كرم أبوسالم وإطلاق 14 صاروخًا على القوات الإسرائيلية المتمركزة هناك ليسقط 4 قتلى، بالإضافة إلى 14 إصابة من الجنود الإسرائيليين.
وسرعان ما اتخذت إسرائيل من هذا العدوان ذريعة لتعليق المفاوضات والإعلان عن القيام بعملية عسكرية واسعة فى رفح الفلسطينية، ووجهت تحذيرًا للسكان النازحين فى تلك المنطقة للتحرك فى اتجاه مناطق الإيواء فى خان يونس ودير البلح؛ تمهيدًا لتوجيه ضربة عسكرية قد تؤدى إلى تعرض ما يقارب من مليون ونصف المليون من أبناء الشعب الفلسطينى لمذبحة جماعية جديدة.. وقد تسلح رئيس الوزراء الإسرائيلى بموافقة الحكومة بالإجماع على توجيه هذه الضربة بعدما كانوا يطالبونه بقبول المبادرة المصرية وتهدئة الأجواء.
وهنا يثور سؤال.. لماذا أقدمت حركة حماس على الهجوم على تلك الوحدة العسكرية عند معبر كرم أبوسالم فى هذا الوقت تحديدًا، حيث كادت المبادرة المصرية تؤتى ثمارها لصالح الشعب الفلسطينى الجريح؟
هل من اتخذ هذا القرار لم يكن يعلم أنه يعطى صكًا للجيش الإسرائيلى بتدمير ما تبقى من قطاع غزة؟ هل من قام بهذا التصرف غير المسئول لم يكن يدرى أن الآلة الإعلامية الإسرائيلية سوف تنجح فى تأليب الرأى العام العالمى وتعاطفه مع إسرائيل بعدما كانت المعطيات كلها تشير إلى أن زيادة الضغوط الدولية والداخلية على إسرائيل قد أجبرتها على الاهتمام بالمبادرة المصرية؟
هل تريد حركة حماس بالفعل استقرار المنطقة أم إنها تسعى لتحقيق أغراض أخرى لحساب دول وأنظمة إقليمية أخرى لا تريد أن يسود الاستقرار بالمنطقة؟
ونكاد هنا أن نشير إلى هذه الدول وتلك الأنظمة، وهو ما سوف تثبته الأيام خلال الفترة القليلة القادمة.
ولا تزال مصر تواصل جهودها المخلصة الجبارة لنزع فتيل الأزمة التى تسببت فيها حركة حماس، وأضاعت فرصتها لكى تثبت للعالم أنها على حق وأنها تريد السلام، حيث أصدرت مصر بيانًا حذرت فيه من خطورة التصعيد الحالى، وتؤكد ضرورة العودة للمفاوضات على ضوء ما تحقق من تقدم كبير فيها.. وها نحن نترقب نتائج العدوان الإسرائيلى على ما تبقى من قطاع غزة وما تبقى من أبناء الشعب الفلسطينى فى عملية عسكرية إسرائيلية وشيكة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه وتعالى.