نجيب محفوظ فى أبوظبى
يعتبر نجيب محفوظ، بحق، من أهم رموز الثقافة المصرية المعاصرة، بل دعونى أقول من أهم رموز الثقافة العربية المعاصرة. من هنا تأتى المبادرة الأخيرة من «معرض أبوظبى للكتاب» بالاحتفاء بمحفوظ، ضمن برنامج مصر ضيف الشرف فى المعرض لهذا العام. وبالقطع يأتى الاحتفاء بمحفوظ ليس فقط لكونه أهم أديب مصرى، لكن لفخر العرب جميعًا بأنه، محفوظ، هو الأديب العربى الوحيد الحاصل على جائزة نوبل فى الأدب، والأكثر من ذلك، وهو ما ظهر جليًا فى ندوات المعرض، اعتراف الجميع، مصريين وعربًا، بأن حصول محفوظ على نوبل أعطى دفعة قوية لكل الأدباء العرب فى محاولة للانطلاق نحو العالمية، ومن ناحية أخرى أدى إلى ازدياد الاهتمام بالأدب العربى فى جميع أنحاء العالم. وانعكس ذلك فى ازدياد الترجمات للمُنتَج الأدبى العربى إلى جميع لغات العالم، باختصار حصول «محفوظ» على نوبل وضع الأدب العربى فى دائرة الضوء.
ومن المهم هنا الإشارة إلى البادرة الطيبة من جانب إدارة «معرض أبوظبى» بأن تكون مصر هى أول دولة عربية يُعلَن عنها كضيف شرف للمعرض، بعدما كان ضيوف الشرف فى الدورات السابقة من خارج العالم العربى. وهذا ما أشار إليه المنظمون بأنه كان من الطبيعى تاريخيًا البدء بمصر، لما لها من تاريخ وحاضر على الثقافة العربية. وأشار الإخوة فى الإمارات إلى أهمية استرجاع الدور الثقافى لمصر فى محيطها العربى. وتحدث بعضهم عن الدور التعليمى المصرى المهم فى خدمة أبناء الإمارات، وحكى البعض عن البعثات الإماراتية الأولى لتلقى العلم فى مصر، وكيف عاد هؤلاء ولعبوا دورًا مهمًا فى قيام نهضة دولة الإمارات، كما أشار البعض الآخر إلى دور المعلم المصرى فى المدارس والجامعات الإماراتية. واقترح البعض ضرورة جمع هذه الشهادات الشفوية، قبل رحيل أبطالها عن عالمنا، وتوثيق ذلك، والإشارة إليه وترويجه بين الأجيال الجديدة، حتى لا تضيع الذاكرة الثقافية المشتركة لمصر والإمارات.
عودة مرة أخرى إلى نجيب محفوظ، شخصية العام فى المعرض، وهناك مثل مصرى يقول: «إيه اللى لمّ الشامى على المغربى!» دلالة على التعجب، لكن «محفوظ» فى حقيقة الأمر استطاع أن يجمع بين العرب جميعًا، وهذا ما وضح تمامًا فى الندوات المخصصة عنه؛ إذ نجد الأساتذة المتخصصين فى أدب نجيب محفوظ بعضهم من المغرب، والبعض الآخر من العراق، وبالقطع بعض الأساتذة الإماراتيين ممن حصلوا حتى على الدكتوراه فى أدب «محفوظ»، بالإضافة إلى المتخصصين من المصريين الذين تناولوا «محفوظ» ليس فقط من مدخل النقد الأدبى، ولكن من حقول معرفية قد تبدو بعيدة عن الأدب بعض الشىء، مثل: الاجتماع والتاريخ. لكن «محفوظ» يستطيع، كما قلت، أن يجمع بين العرب جميعًا، كما أن أدب محفوظ بحق هو الأدب العابر التخصص العلمى الضيق، وهنا أذكر المقولة المهمة والمبكرة التى قالها المستشرق الأب الفرنسى جاك جومييه، فى الستينيات من القرن الماضى، عن أدب نجيب محفوظ: «إننا لا نستطيع أن نفهم المجتمع المصرى دون الرجوع إلى أدب محفوظ».
تحية لـ«محفوظ» الذى ظُلِم كثيرًا فى حياته، عندما مُنِعَت روايته المثيرة «أولاد حارتنا»، وطُعِن فى دينه، كما عانى «محفوظ» فى بداية عصر السادات بعد بيان المثقفين الذى شارك فيه، كما حدثت مقاطعة لأعمال «محفوظ» فى العديد من البلدان العربية بعد كامب ديفيد، وأخيرًا محاولة اغتياله فى أواخر عمره على يد متطرف جاهل.
تحية من جديد لـ«محفوظ»، تأتى هذه المرة من «معرض أبوظبى».