إعادة الإعمار بعد حروب المنطقة.. لماذا يجب أن تكون مصر جاهزة؟
بعيدًا عن المشاعر المثقلة دائمًا بالشعور بالمسئولية المصرية تجاه شعوب دول المنطقة التى تمر بويلات الحروب والصراعات، فإنه من الأهمية بمكان فتح النقاش حول ملف إعادة الإعمار ولماذا يجب أن «تتدخل» مصر فيه وتتهيأ له سريعًا، لا سيما فى محيطها المباشر فى السودان وليبيا وفلسطين «غزة».
فى ظل العالم الذى تسوده قاعدة «القوة تُنشئ الحق وتحميه» وهى قاعدة قانونية تاريخية؛ وجدت لنفسها مكانًا فى عالم اليوم، فيمكن القول إن الاختبارات التى تعرضت لها مصر فى السنوات الماضية فى بيئتها الجيوسياسية ومحيطها الإقليمى المباشر، لم يكن بالأمر الهين. كانت مصر، ولا تزال، بمقدراتها العسكرية والاقتصادية قادرة على حماية نفسها فى ظل إقليم مضطرب يحيط بها من كل الجوانب. لكن هل الحماية يجب أن تكون بالردع العسكرى فحسب؟!
تأتى أحد نقاط الإجابة عن السؤال بأن مكانة مصر ومصلحتها لا تقتضى الاكتفاء بذلك، إنما اتباع سياسة أكثر استباقية، بشكل براجماتى، وتحافظ على الكثير من «المعايير المثالية» التى اتبعتها مصر فى تعاطيها مع أزمات المنطقة.
وبالحديث عن قضية إعادة الإعمار بالتحديد، تأتى «غزة» التى تقضى إعمارها ما يفوق 90 مليار دولار، والسودان ما بين 100- 150 مليار دولار، وليبيا بما يفوق 110 مليار دولار. والسؤال المهم، هل مصر جاهزة بعروض وطنية خاصة بإعادة إعمار تلك الدول؟
لا نعنى هنا بإعادة الإعمار، البناء والتشييد فحسب، لكن أيضًا بناء الدولة بشكل فعال والمشاركة فى العمليات السياسية الوطنية ودعمها فيما بعد الحرب، وتحقيق تعافٍ اقتصادى مستدام ومتوازن وطويل الأمد، وتقديم مساعدات وقروض واستثمارات مستدامة.
* مصر لديها القدرة لكن حسابات القيادة السياسية مختلفة: بخصوص البناء الاقتصادى للدول المجاورة، فلدى مصر عدد كبير من شركات البناء والتشييد، وشركات الكهرباء، وغيرها التى تعمل على صعيد إقليمى ودولى. ولديها الخبرات تشييدية عملاقة داخلية. وكذلك لها علاقات مع الجهات المانحة. كما أن لديها عقول اقتصادية فذة تستطيع تقديم الدعم الفنى والتقنى لما بعد الحرب.
أما بخصوص القدرات السياسية، لا يخفى على أحد الثقل السياسى المصرى، ولذلك يجب أن تنخرط مصر بشكل مستدام فى الملفات السياسية بشكل أكثر فعالية، وترعى المفاوضات لإعادة بناء الدول ومؤسساتها.
ولا نعنى هنا التدخل السافر فى الشئون الداخلية، لكن على الأقل عدم ترك فجوة لفاعلين آخرين للتدخل بما لا يخدم مصالح مصر. فمن شأن مشاركة مصر فى العمليتين السياسية والاقتصادية لإعادة الإعمار، أن يؤدى لتواجد مخابراتى مصرى على الأرض، يجعل مصر على اطلاع مباشر لما يحدث فى ظل هشاشة الأوضاع الأمنية الحالية فى تلك الدول. كما سيؤدى للاستفادة الاقتصادية فى ظل توجه العديد من المانحين لدول الجوار المتأثرة بالنزاعات، مع توقعات بتغير خططهم التمويلية للسنوات المقبلة. والأهم من كل ذلك، أن تحافظ مصر على أمنها القومى بسبل أخرى غير عسكرية فى الدول التى تمسها بشكل مباشر حدوديًا.
* فرص وتحديات.. مصر أقرب جغرافيًا، فهل هى الأقرب للتعاقد؟: قبل سنتين، نجحت مصر فى اقتناص عقود لإعادة إعمار فى العراق فى صفقة «النفط مقابل الإعمار» وذلك من إيران المسيطر الأكبر فى بلاد الرافدين التى أنهكتها الحروب. وتقدمت بنصف مليار دولار لإعادة إعمار غزة بعدما دمرته الدولة القائمة بالاحتلال فى أحداث 2021.
على الجانب الآخر، فهناك منافسة غربية- صينية بامتياز. فالصين حاضرة دومًا بمناقصاتها للتنفيذ المباشر، وستسعى للاستثمار فى الدول العربية محل النزاع بما يخدم مبادرتها «الحزام والطريق». فى حين أن الدول الغربية ووكلاء الولايات المتحدة تسعى دائمًا للاستفادة من كعكة إعادة الإعمار، والبحث عن موطئ قدم ثابتة لها فى المنطقة. أضف إلى ذلك عدد من الدول الخليجية، لا سيما الإمارات وقطر والسعودية قد دخلت بالفعل خلال السنوات العشر الأخيرة إلى ساحة التشييد والبناء للبنى التحتية وستسعى بكل قوة للوجود.
* خطوات سريعة وخطط مطلوبة.. مصر يجب أن تتهيأ: خطط مصر لما بعد الحرب أن تكون جاهزة بأسرع وقت، كما يجب أن تستغل مصر الوقت الضيق، وتعمل على تسريع تشغيل مركز الاتحاد الإفريقى لإعادة الإعمار والتنمية بعد الصراعات، الذى تستضيفه القاهرة، وذلك للتعاطى مع حالتى السودان وليبيا. كما يمكن لمصر تفعيل دبلوماسية «مؤتمرات المانحين» واستضافة مؤتمرات المانحين، لتعرض خططها واستراتيجياتها. كما يمكن لصانع القرار دراسة التعاون المشترك مع قوى إقليمية، مثل تركيا والسعودية وقطر، لكن ذلك يجب أن يكون بتحركات مدروسة جيدًا. مع ضرورة التأكيد مرة أخرى على أن خطط مصر فى إعادة الإعمار يجب أن تشمل الجانب السياسى والمؤسساتى وليس الاقتصادى فحسب.. حفظ الله مصر.