تلاقى الأجناس الأدبية فى الأقصر
كتبت أكثر من مرة عن أزمة نقد الشعر الحديث فى مصر والوطن العربى، وكيف اتجه معظم نقاد الأدب إلى فن الرواية الرائج حاليًا بسبب كثرة جوائزه، وبالتالى لجان التحكيم والمؤتمرات المنصوبة سرادقاتها على امتداد الوطن العربى، وحين دعانى الصديق الشاعر حسين القباحى إلى الدورة الثانية لملتقى الأقصر لنقد الشعر، فى بيت الشعر، لم أتردد فى قبول الدعوة. الملتقى أقيم حول «تلاقى الأجناس الأدبية فى القصيدة الحديثة»، وضم الملتقى هذا العام أربعة وعشرين ناقدًا وشاعرًا تفرغوا لثلاثة أيام للحديث عن الشعر ونظرياته وشعرائه، سعدت كثيرًا بالتعرف على جيل جديد من النقاد معظمهم أساتذة فى الجامعات، وأيضًا على شعراء شباب لم أقرأ لهم من قبل كانوا محل بحث بعض الدراسات. الملاحظة الأولى التى لفتت انتباهى هى وجود أصوات متميزة طالعة تكتب شعر التفعيلة الذى تراجع أمام قصيدة النثر فى السنوات العشرين الأخيرة، وأيضًا لاحظت أن لهذا النوع من الشعر جمهوره ونقاده فى الجامعات، وهذا شىء إيجابى، لإيمانى بأن التنوع ضرورى فى الحياة، ومن الممكن أن تتعايش الأشكال الأدبية بجانب بعضها دون تعصب، بشرط أن يكون الشعر حاضرًا فى كل شكل. سعدت بالتعرف على طرق تفكير مختلفة عند الدكاترة محمود عبدالبارى وهشام زغلول، وأحمد الصغير وشريف الجيار وجمال العسكرى، ومحمد سليم شوشة ومحمد زيدان وتامر فايز، ومصطفى القزاز وعماد حسيب والضوى محمد الضوى، والأخير شاعر أيضًا أعتقد أنه سيكون ذا شأن فى النقد الأدبى الحديث. ولاحظت أيضًا مدى اتساع الفجوة بين أساتذة النقد فى الجامعات وبين ما يحدث فى قصيدة النثر المزدهرة حاليًا فى مصر، وأعتقد أنه ليس بسبب العزوف عنها، ولكن بسبب الذوق الأكاديمى المحافظ الذى يخاف من التجديد. المشاركون فى الملتقى هم الأكثر انفتاحًا لا شك، ولكن حين تتأمل اختيارات بعضهم للشعراء محل البحث تصاب بالدهشة، فتجد مثلًا الناقد مُلمًا بمعارف النقد الحديث عربيًا وعالميًا، ويختار شاعرًا يكتب عنه أقل من مستوى النقد، وأعتقد أن الفجوة بين العارفين بنظريات النقد الحديث وبين النصوص الأدبية لا تزال كبيرة، ولم ينجُ منها إلا قليلون من النقاد، فهناك أساتذة كبار نبغوا كأساتذة فى الجامعة وفى الكتابة فى نظرية الأدب والتأريخ له، ولكنهم لم ينجحوا فى سبر أغوار النصوص الأدبية، خصوصًا فى الشعر، وهؤلاء ذهبوا إلى نقد الرواية لأنها بالنسبة للناقد قادرة على حمل أفكار الناقد الجاهزة. قليلون من نجحوا فى الجمع بين التنظير والنقد التطبيقى فى الشعر، منهم الدكتور محمد عبدالمطلب، متعه الله بالصحة والعافية، والدكتور محمد بدوى على سبيل المثال، وبينهم من سعدت ببحثه لأنه ينتمى إلى هذا الخيال مثل الضوى وعبدالبارى وزغلول وأحمد الصغير وشوشة وتامر فايز. الملتقى الذى استمر ثلاثة أيام، واختتمت فعالياته الأحد الماضى، بعث فىّ الأمل من جديد، أولًا بسبب الجدية فى التعامل مع الأمر، الجدية المسئولة التى تؤكد أننا نملك قاعدة قوية فى كل الجامعات قادرة على إحداث نهضة، بشرط أن يُفتح لها المجال العام وتتبوأ مكانتها فى الحياة الثقافية وفى المجتمع، وهذا لن يحدث إلا بالترويج لهذه النماذج باستضافتها فى التليفزيون ومشاركتها بالكتابة فى الصحف. وسعدت أيضًا بالتعرف إلى عدد من الشعراء الذين لا يقيمون فى القاهرة، ويكتبون بعيدًا عن الأضواء ولكن الجسور بينهم متينة، ويعتبرون الشعر قضيتهم. الأمسيات الشعرية كانت مختلفة، لأنك تقرأ أمام نقاد وشعراء ومحبى هذا الفن، كنت أود الحديث عن كل بحث قُدم للمؤتمر على حدة ومناقشته، ولكن وجدت صعوبة فى ذلك، فمثلًا تناول أحمد القصير فى بحثه عن تقنيات السرد نصوصًا لجمال القصاص وحسين القباحى ومؤمن سمير وخلود المعلا وعبيد عباس ومحمد أبوالفضل بدران وعزت الطيرى وفتحى عبدالسميع وأشرف عامر وحسن عامر والحسين الخضيرى وغيرهم، فكيف جمع هذه القصائد التى ينتمى كل كاتب من كتّابها إلى منطقة تختلف عن الآخر، وكيف سخّرها للكشف عن جوهر المعنى فى القصيدة من خلال ارتكازها على أجناس أدبية من الخارج كالرواية، القصة، المسرحية، السيرة الذاتية، والدراما، وغيرها، بالإضافة إلى الكشف عن الجمالى والدلالى فى القصيدة العربية فى الألفية الجديدة. محبتى للأقصر قديمة، وأسعد دائمًا بالوجود هناك ومقابلة الأصدقاء، وأحب بيت الشعر وأقدر الدور الذى يلعبه «القباحى» لإشاعة المناخ الإبداعى فى المدينة، وهذه المرة سعدت أكثر بقضاء وقت أطول مع فتحى عبدالسميع، أحد أحب الشعراء «والبنى آدمين» إلى قلبى، ومع محمود خيرالله وأحمد الصغير وحسونة فتحى وخالد حسان بالطبع.