كبسولة فلسفية| محمد جاد الله يكتب: «التربية».. الوجهة العملية للفلسفة
يُقدّم لنا "لالاند" في موسوعته الفلسفية مفهوم التربية (باليونانية: Παιδαγωγία - بالإنجليزية:
education بمعنييها العام والخاص، ففي المعنى الأول يشير إلى أنها تقوم على تطوير وظيفة أو عدة وظائف تطويرًا تدريجيًا عن طريق التجربة والتدريب وتظهر من عمل الفرد ذاته، فهي بهذا عملية متجددة. أما المعنى الخاص، فيتمثل في عمليات إجرائية يتم بها تدريب الأفراد عن طريق إبراز ميولاتهم وتشجيعهم على حمل عادات مجتمعهم، كما تعني تهذيب الحواس لدى الفرد في تقبل الإدراكات الحسية الجديدة لتنتظمَ مع باقي الظواهر النفسية لكل فرد.
وبهذا المعنى تنطلق التربية من العام إلى الخاص أي من المجتمع إلى الفرد وتتجه نحو تهذيب الفرد وتنمية وظائفه الحسية والعقلية والنفسية، وحتى تؤدي وظيفتها على أكمل وجه تعتمد على التمرين، فتربية الولد مثلا تتطلب ترويض ملكاته وتهذيب سلوكياته ليصبح صالحا في المجتمع، فهي بهذا المعنى ظاهرة اجتماعية تخضع لما تخضع له الظواهر الأخرى في تطوّرها، وهي ليست حكرًا على المؤسسات التعليمية كالمدارس بل تشمل جهود المربي من أعمال ومهن تمارس في الشارع وفي السجون وفي المؤسسات الاجتماعية وفي الرّوض وتخص الأطفال والمراهقين وكل طبقات المجتمع بمن فيها ذوو الاحتياجات الخاصة كالمعاقين والمتخلفين ذهنيًا.
ويقول بعض الفلاسفة وعلماء الأخلاق إن التربية هى:
- التربية هى فن قيادة وتوجيه الإنسان في بنائه وتعليمه.
- التربية تعني تنمية القوي البدنية والروحية للإنسان من أجل الوصول إلى الكمال المطلوب.
- التربية عمل يتولى الاتجاه إلى القيادة، وتحقيق الرشد الإنساني والنفسي والفكري والمعنوي ومسئولية جعل الإنسان اجتماعيًا.
- التربية هي القيام بتغيرات في الفرد إلى مستوي الكمال.
- التربية هي البلوغ بالطاقات الإنسانية إلى درجة الكمال.
عزيزي القارئ إن فلسفة التربية هى تطبيق للنظرة الفلسفية والمنهج الفلسفي على التربية، ذلك أنها تتناول تحديد مسار العملية التربوية وتنسيقها ونقدها وتعديلها في ضوء مشكلات الثقافة وصراعتها. من أجل تحقيق الاتساق والانسجام في داخلها مع سائر المؤسسات الاجتماعية، حيث تتضمن فلسفة التربية البحث عن مفاهيم تواجد الفرد بين المظاهر المختلفة للعملية التربوية في خطة متكاملة شاملة، وتتضمن توضيح المعاني التي تقوم عليها التغيرات التربوية، وتعرض الفروض الأساسية التي تعتمد عليها المفاهيم التربوية، وتنمي علاقة التربية بغيرها من ميادين الاهتمام الإنساني.
وأخيرًا، فإن فلسفة التربية مجال يُطبق الفهم الفلسفي في توضيح قضايا التربية، فهي تعني تطبيق المعتقدات والمبادئ التي تقوم عليها الفلسفة العامة في معالجة المشكلات التربوية، وتوجيه الجهد التربوي والعملية التعليمية بجميع جوانبها نحو غايتها النهائية.