الرقابة الشعبية مسئولية وطنية
فى البداية، أرى أنه من الإنصاف أن نشير إلى تلك الجهود التى تبذلها الحكومة، حاليًا، للسيطرة على ارتفاع أسعار السلع الغذائية المرتبطة بالاستهلاك اليومى للمواطن من الخبز واللحوم والدواجن، وذلك بالتنسيق مع الأجهزة الرقابية المختلفة وممثلى الغرف التجارية والصناعية، ومن خلال لجنة ضبط الأسعار على مستوى جميع المحافظات، خاصة بعد إجراءات الإفراج الجمركى عن السلع المحتجزة بالموانئ المصرية، التى تكلفت نحو 8 مليارات دولار، الأمر الذى أصبح من اللازم أن يترتب عليه قيام التجار بإعادة النظر فى الأسعار، وذلك بالتخفيض المناسب؛ لكى يكون فى متناول المواطنين.. يأتى هذا، أيضًا، متزامنًا مع استمرار المبادرات ومنافذ السلع الغذائية على مدار العام لتوفير السلع بأسعار مناسبة.
جاءت الخطوة الأولى من قبل الحكومة بتخفيض أسعار الخبز البلدى غير المدعم والإعلان عن أسعاره الجديدة للمواطن؛ حتى يطمئن إلى عدم وجود تلاعب فى السعر أو الوزن، على أن يتوالى بعد ذلك النظر فى أسعار باقى السلع الضرورية التى تحتاج لها الأسرة المصرية بشكل مستمر.. وفى هذا الإطار بدأت الأجهزة الرقابية فى القيام بدورها لمراقبة الأسعار، خاصة على ضوء عدم التزام العديد من كبار تجار الجملة بتلك القرارات التى أصدرتها الحكومة، مؤخرًا، حيث يتعامل البعض منهم على فكرة أن ملف ارتفاع الأسعار غير قابل للرجوع فيه؛ بغض النظر عن انخفاض سعر صرف الدولار، وكذلك انخفاض تكلفة الاستيراد، وكأن العامل الثابت الوحيد لديهم هو الإبقاء على مكاسبهم التى تحققت لهم مؤخرًا؛ حتى ولو كان ذلك على حساب المواطن البسيط؛ على الرغم من الإجراءات التى تتخذها الحكومة لتساعدهم بها من أجل توفير السلع للمواطن، الذى تحمل خلال تلك الفترة الكثير من المعاناة ارتباطًا بالأزمات التى مرت بها الدولة المصرية؛ نتيجة ما تمر به المنطقة حاليًا من أحداث ترتب عليها صعوبة استيراد السلع الاستراتيجية المختلفة التى تحتاج إليها السوق المصرية بصفة عامة.. ومن هنا كان من الضرورى أن نستعد للتصدى لتجار الأزمات والمستغلين بضرورة توقيع أقصى العقوبات على من يتلاعبون بحق أصيل من حقوق الإنسان فى توفير الغذاء المناسب فى حدود قدرة المواطن العادى.
لقد ظهرت بالفعل فئة من المتاجرين بالأغذية الذين يتحكمون فى الأسواق والأسعار ولا يبالون بكل ما دعت إليه الحكومة لتخفيضها، ويتمسكون مما وصلت إليه الأسعار التى تجاوزت قدرات الطبقة المتوسطة.. هذه الفئة من المتاجرين الذين يحاولون بالفعل الحفاظ على مكتسباتهم التى تحققت لهم على ضوء ارتفاع سعر الدولار وصعوبة الاستيراد، وما زالوا على موقفهم حتى بعد نجاح الحكومة فى تحقيق انفراجات اقتصادية واضحة كان من اللازم أن تنعكس وبشكل سريع على أسعار هذه السلع الضرورية والاستراتيجية.
ومن هنا كانت الرقابة الشعبية مسئولية وطنية يجب أن نلتزم بها ونقوم بها جميعًا.. فليس من المنطقى أن يكون أمام كل محل أو سوبر ماركت مفتش تموين أو أحد رجال الشرطة، وبالتالى أصبح المواطن هو الحل، حيث يتوجب عليه متابعة الأسعار كما تعلنها الحكومة يومًا بعد يوم، وأن يناقش البائع عن أسباب ارتفاعها، وأن يكون على يقين من أن هناك من لا يريدون الخير لهذا الوطن ويواصلون تنفيذ مخطط التخريب وإشاعة اليأس بالتحكم فى الأسواق على أساس عدم وجود الأعداد الكافية التى تستطيع مراقبة الشارع، وما أصابه من أضرار خلال الفترة الماضية.. ولا شك أن تلك المشاركة ستطال أوجها عديدة من أوجه التراخى التى طرأت على مجتمعنا على ضوء غياب الرقابة، كما هو الحال فى المستشفيات الحكومية على سبيل المثال، فى ظل الاطمئنان بأن المتجاوز لن يسأل وبالتالى لن يحاسب.
لقد أصاب رئيس مجلس الوزراء عندما أعلن أن مسئولية رقابة الأسواق أصبحت مسئولية مشتركة من الحكومة والمواطن، لأن الاعتماد على النوايا الحسنة لن يكون كافيًا، بل لا بد من الرقابة الشعبية قبل الرقابة الحكومية على التجار، وأنه لا بد أن يترتب على ذلك إعادتهم إلى صوابهم أو خضوعهم تحت طائلة القانون.. إلا أن هذا يتطلب ضرورة توعية المواطن بحقوقه وواجباته.. وقد تختلف أساليب وآليات الرقابة الشعبية على الآسواق والتجار، فمن الممكن أن يكون عن طريق إبلاغ الأجهزة المعنية بحماية المستهلك أو مباحث التموين، ومن الممكن أن يكون عن طريق الدعوة لمقاطعة السلع التى يحتكرها بعض التجار مثلما حدث مؤخرًا فى محافظتي الإسكندرية وبورسعيد، عندما تمت مقاطعة أسواق السمك فى هاتين المحافظتين، ومن الممكن أيضًا أن يكون من خلال النواب، حيث تأتى مصلحة ناخبيهم على صدر أولوياتهم.. المهم فى النهاية أن يشعر المواطن بأهمية الدور الذى يجب أن يقوم به لمواجهة الاحتكار وجشع التجار.. ومن هنا يأتى دور الإعلام والصحافة ووسائل التواصل الاجتماعى ومنظمات المجتمع المدنى والأحزاب فى نشر الوعى وتذكير كل الأطراف بأننا جميعًا نعيش فى مجتمع واحد، وأنه لا بد من التعاون والتكافل والرحمة بين الجميع إعمالًا لقواعد العدالة التى يجب أن نتحلى بها جميعًا، وهى من أهم المبادئ التى نادى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى إرساء للثوابت التى سوف تقوم عليها جمهوريتنا الجديدة.. وتحيا مصر.