الخروج الثاني.. قصة الطائفة اليهودية في مصر التي امتدت لـ 2500 عام
منذ حوالي 2500 سنة، كانت هناك جالية يهودية في مصر، جاءوا من أماكن مختلفة ومتنوعة، وبينما يحتفل اليهود خلال الاسبوع الجاري بعيد الفصح الذي يتزامن مع ذكرى خروجهم الأول من مصر في عهد موسى عليه السلام، فإن الخروج الأول يذكرهم بالخروج الثاني من مصر في الستينيات من القرن الماضي، ويفتح ملف "يهود مصر"، وهو ما تم عرضه في تحقيق مُفصل لـ "يوغيف إسرائيلي"، نشره موقع صحيفة يديعوت أحرونوت.
جالية يهودية متنوعة
قصة المجتمع اليهودي في مصر، هي قصة مجتمع لديه جذور قديمة منذ حوالي 2500 عام، فيما علقت رونيت ماركو، مطورة الأرشيف الرقمي لحفظ التراث: "كان هناك يهود يشغلون مناصب عليا، وكان هناك من لعب في فرق رياضية، وكان هناك أيضا مصرفيون وتجار وأصحاب دور طباعة ومغنون ومنتجون ومخرجون سينمائيون".
وفقا لها: "كان المجتمع منظما للغاية، وهناك تواصل غني بين يهود الإسكندرية ويهود القاهرة، بما في ذلك المراسلات بين الحاخامات الرئيسيين في المدينتين على سبيل المثال (فيما يتعلق بمسألة الطلاق).
وأضافت البروفيسور تامار تسفي: "ضمت الجالية أشخاصًا أتوا من أوروبا وليس فقط من شمال إفريقيا. وكان معظم أفراد الجالية في مصر يتمتعون بمكانة اجتماعية واقتصادية عالية، ولكن كان هناك أيضًا أشخاص أقل ثراءً".
منذ عهد ابراهيم
بحسب الديانة اليهودية، فهناك علاقة بين شعب إسرائيل ومصر في الألفية الثانية قبل الميلاد، وظهر هذا في سفر التكوين بأن إبراهيم نزل إلى مصر بسبب المجاعة التي كانت في الأرض. وتسرد التوراة لاحقًا كيف تم بيع يوسف كعبد في مصر بينما ذهب إخوته أبناء يعقوب إلى مصر للحصول على الطعام أثناء الجفاف، وثم يبدأ سفر الخروج بهجرة نسل يعقوب إلى مصر، ويستمر بوصف عبودية بني إسرائيل في الأشغال الشاقة حتى قصة خروجهم المعروفة في عهد موسى، وبعدها يتم الاحتفال بعيد الفصح.
العلاقة بين اليهود ومصر، علاقة متجذرة وممتدة، فيذكر الكتاب المقدس أن الملك سليمان تزوج ابنة فرعون، مما يشير إلى العلاقات الودية مع مصر في عهد المملكة المتحدة لإسرائيل. وفقًا للكتاب المقدس، كانت مصر في بعض الأحيان ملجأ للمتمردين ضد ملوك يهوذا، وكان هناك تحالفات بين مملكتي إسرائيل ويهوذا وبين مصر. ويصف سفر إرميا هجرة جماعة من بني يهوذا إلى مصر واستيطانهم هناك.
كما أن هناك طائفة يهودية قديمة كانت موجودة في مصر وجذورها أقدم حتى من هجرة بني يهوذا الموصوفة في سفر إرميا، وهي الطائفة اليهودية الثانية عشرة في نهر النيل بجنوب مصر، في منطقة أسوان"، وأشارت “تسفي”: “أنها كانت مستعمرة من الجنود اليهود، انتقل بعضهم إلى المنطقة حتى قبل تدمير الهيكل الأول، للعمل كقوة حراسة لحماية الحدود الجنوبية لمصر، فالمجتمع اليهودي حينها عمل كقوات الحراسة لفترة طويلة خلال الفترة الفارسية”.
خلال الفترة الهلنستية، كانت هناك جالية يهودية كبيرة ونابضة بالحياة في الإسكندرية. حتى أن الكنيس الذي بناه المجتمع في القرن الثالث قبل الميلاد مذكور في التلمود. ومن أهم الشخصيات في سياق الطائفة اليهودية في المدينة هو فيلو الإسكندري - وهو الاسم الهلنستي للفيلسوف اليهودي الهلنستي يديديا، الذي ورد ذكره في كتابات يوسف بن متاتيو. وتشير مؤلفاته، التي كتبت باللغة اليونانية وتضمنت تفسيرا للتوراة على الطريقة المجازية والأفكار الفلسفية اليونانية، إلى أدب يهودي واسع النطاق تم إنشاؤه بين يهود مصر.
جنيزا القاهرة
ظلت الطائفة اليهودية المصرية قائمة حتى بعد الفتح العربي الإسلامي (640 م)، وتأثرت بالثقافة الإسلامية. كما تسلط "جينيزات القاهرة"، وهي مجموعة المخطوطات والكتب اليهودية الموجودة في كنيس "بن عزرا" في (القاهرة القديمة)، الضوء على حياة الطائفة في العصور الوسطى والطريقة التي كان يتم بها رعاية اليهود تحت حكم المسلمين، والجنيزا- وهي كنز له مساهمة مهمة في دراسة الخط العبري، وفي دراسة الأدب والشعر اليهودي، وغيرها من المجالات - فيما تم اكتشافها عن طريق الصدفة تقريبًا من قبل الباحث شنيور زالمان شيشتر من جامعة كامبريدج.
ومن جانبها، قالت البروفيسور ميريام فرانكل، رئيس معهد بن تسفي لدراسة الجاليات الإسرائيلية في الشرق، إن "جينيزا القاهرة تكشف عن حياة يهودية نشطة ومبدعة في مصر، وتتطرق إلى حياة اليهود في المدن الكبرى، حيثعاشت المجتمعات اليهودية حياة مستقلة تقريبًا دون تدخل السلطات الإسلامية، وقد سُمح لليهود أن يعيشوا حياتهم وفقًا للشريعة اليهودية بسلام".
هجرة عكسية
في القرن التاسع عشر، وفي الوقت الذي توسعت فيه مشاركة اليهود في الحياة العامة في مصر، وفقًا للبروفيسور تسفي، ظهرت صعوبات بسبب صحوة القومية المصرية الحديثة، في عام 1882، قبل عدة أشهر من غزو البريطانيين لمصر، تم حرق العديد من المعابد اليهودية في القاهرة والإسكندرية.
ومع الاحتلال البريطاني لمصر، تم إلغاء التمييز المؤسسي ضد الأقليات هناك، بما في ذلك اليهود.
وأوضح البروفيسور “زفي”: أن “افتتاح قناة السويس عام 1869، وخاصة الاحتلال البريطاني، أدى إلى زيادة هجرة اليهود إلى مصر من جميع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وكذلك من أوروبا الشرقية وأوروبا الوسطى وشمال أفريقيا، ونتيجة للهجرة، أصبح المجتمع أكثر تنوعا، بينما احتفظ بعض المهاجرين بجنسياتهم السابقة”.
بدأ النشاط الصهيوني في مصر في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت الحركة الصهيونية نشطة حتى ثلاثينيات القرن العشرين، وخلال هذه الفترة تعلم اليهود الأغاني باللغة العبرية، وقرأوا النصوص باللغة العبرية، وفي ذلك الوقت بدأت حركة الإخوان المسلمين في الظهور، وبدأت المشادات بين الحركتين حينذاك في مصر.
في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، بدأ وضع اليهود والأقليات الأخرى في مصر يواجه التوترات، وكان اقتراح التقسيم الذي تقدمت به الأمم المتحدة عام 1947 بمثابة نقطة الانهيار، حيث تصاعد العنف مع اندلاع الحرب وقيام دولة إسرائيل عام 1948، مما تسبب في انقطاع الاتصال بين يهود مصر والمصريين، ثم هاجر العديد من الجالية بعد الثورة التي قادتها حركة الضباط الأحرار في مصر في يوليو 1952، وبدأت عملية اختفاء الطائفة اليهودية في مصر تدريجيًا.
ثلاث ضربات
عام 1954 كان العام الذي هز علاقة اليهود بمصر، حيث تورط بعض أعضاء الجالية اليهودية في مصر في محاولة تنفيذ عملية نيابة عن إسرائيل تهدف إلى تأجيج الصراع بين مصر والقوى الغربية. وسميت هذه القضية أيضًا بـ "قضية لافون" نسبة إلى بنحاس لافون الذي كان وزيرًا للدفاع في ذلك الوقت. وفشلت العملية وانتهت بإعدام يهوديين هما الدكتور موشيه مرزوق وشموئيل عازر وسجن آخرين، وعلى آثرها ازدادت هجرات اليهود من مصر.
في عام 1956، بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس، هاجمت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مصر كجزء من حرب سيناء (العدوان الثلاثي)، ثم جاءت حرب 1967 والتي أدت إلى تقطيع كافة الروابط بين اليهود ومصر، وازداد العداء تجاه اليهود في مصر.
في عام 1968، كانت لا تزال هناك جالية يهودية تضم 2000 شخص في مصر، وفي عام 1971 لم يكن هناك أي يهودي تقريبًا. وحتى اتفاق السلام بين إسرائيل ومصر لم يتمكن من إعادة العجلة إلى الوراء. في عام 1996، كان عدد الجالية اليهودية أقل من 100 يهودي، واليوم يعيش عدد قليل فقط من اليهود يات المُسنات في مصر. وهكذا انتهت قصة المجتمع اليهودي في مصر الذي دام حوالي 2500 عام.