بين الحسم والإنسانية
كثيرًا ما نتحدث عن أعمال السلطة التشريعية والتنفيذية بشكل شبه دائم من منطلق ارتباطهما بالأمور الحياتية للمواطنين أو بالسياسة العامة للدولة، سواء من خلال التشريعات التى تصدر من البرلمان أو القوانين التى تصدر من الحكومة.. كما نناقش تلك الآليات التى تطبق لتنفيذها وأحيانًا نضع تصوراتنا وأفكارنا لعل السلطات التنفيذية تأخذ بها.
وفى أحيان أخرى، خصوصًا فى المرحلة الحالية التى تمر المنطقة المحيطة بها والتى تعج بالمخاطر والأزمات، نناقش السياسة الخارجية للدولة المصرية والمواقف التى تتخذها تجاه تلك الصراعات التى تدور حولنا.. كما نتحدث كثيرًا عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأحيانًا الدينية.
ولكننا أبدًا لا نتحدث عن السلطة القضائية التى تمثل الدرع الواقية للمواطن المصرى، والتى تعتبر هى الملجأ الرئيسى لنا جميعًا لكى نحصل على حقوقنا التى كفلها الدستور والقانون.. وهى السلطة التى تعمل فى صمت الحكماء وصبر الأتقياء وحكمة الشرفاء.
وعلى الرغم من حساسية الحديث عن السلطة القضائية، وهنا فإننى أقصد مواقفها وتوجهاتها ولا أقصد أحكامها التى لا يمكن أن نتدخل فيها على الإطلاق.. فقد استوقفنى مؤخرًا حكم وقرار رأيت أنه من اللازم أن أشير إليهما كى يتأكد المواطن من عظمة القضاء المصرى وحرصه على مصالحه ومصالح الوطن.
بغض النظر عن صفة أو وضع من صدر الحكم تجاهه أو ما ورد القرار بشأنه فالحكم كان حاسمًا والقرار كان إنسانيًا بامتياز.
فى أول تطبيق لمحاكمة مرتكبى جرائم السلع التموينية أمام المحاكم العسكرية ضد من يتلاعبون فى أقوات الشعب، وفى أول تطبيق عملى على التعديلات التى أدخلها مجلس النواب فى يناير الماضى بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية فى الدولة.. لقد جاء حكم المحكمة العسكرية بمعاقبة المتهمين فى تلك القضية بأحكام رادعة تراوحت بين السجن المشدد من 7 أعوام إلى 18 عامًا مع العزل من المناصب ومصادرة أموال المتهمين فى القضية التى عرفت إعلاميًا باسم "شبكة فساد بوزارة التموين"، وهى تلك القضية التى أعلنت عنها هيئة الرقابة الإدارية، وتضمنت الكشف عن شبكة من المتورطين فى التلاعب ببعض السلع التموينية الاستراتيجية، ومن بينها السك وحجبه عن الأسواق ما تسبب فى أزمة كبيرة عانى منها المصريون لما ترتب على ذلك من ارتفاع أسعاره.. وما يهمنا هنا أن نشير إلى سرعة الحسم فى تلك القضايا التى تتعلق بأقوات ومصالح الشعب أيًا ما كان وضع مرتكبيها.
حيث لم تستغرق الفترة الزمنية ما بين عملية الضبط وصدور الأحكام سوى 5 أشهر فقط، وهو ما يؤكد أن الدولة والقضاء يسعيان إلى تحقيق الردع العام والخاص فى آنٍ واحد.. ومن هنا جاء الحسم الذى سوف يستمر بإذن الله حفاظًا على حقوق المواطن المصرى المشروعة فى الحياة الكريمة التى يسعى وينادى بها دائمًا الرئيس عبدالفتاح السيسى.
وفى إطار آخر فقد أصدرت النيابة العامة قرارًا يحمل من الأبعاد الإنسانية ما لم يحدث من قبل، وذلك تأكيدًا على رسالتها السامية فى تمثيل الهيئة الاجتماعية وحماية مصالح المجتمع، ودورها القانونى والاجتماعى والإنسانى فى تعزيز وتنمية وحماية حقوق الفئات الأولى بالرعاية، خاصة الأطفال وذوى الإعاقة.
حيث أصدر السيد المستشار النائب العام قرارًا بشأن تحديد اختصاصات مكتب رعاية تلك الفئة، وذلك من خلال الإشراف على نيابات الطفل ومتابعة أعمالها ورصد المشكلات العملية التى تعترضها ووضع المقترحات اللازمة لحلها، والتفتيش على المؤسسات العقابية ومؤسسات رعاية وتأهيل الأطفال.. كذلك الحال بالنسبة لذوى الإعاقة، فقد أكد القرار ضرورة الاهتمام بشكواهم وفحصها، ومواجهة حالات الاستغلال التى من الممكن أن يتعرضوا لها، واتخاذ التدابير اللازمة لحمايتهم والعمل على توفير بيئة آمنة لهم.
هكذا جاء البعد الإنسانى الذى اهتمت النيابة العامة بتوفيره لتلك الفئة من المجتمع، وهى ذات الفئة التى لم تلاقِ مثل هذا الاهتمام إلا فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وها هى السلطة القضائية متمثلة فى النيابة العامة تعلن عن امتداد هذا الاهتمام ليشمل أيضًا حماية الأطفال وذوى الإعاقة من أى وقائع يتعرضون لها، والتى يكونون مجنيًا عليهم فيها.
كان هذا الحكم وذلك القرار، اللذان ربما لم يتنبه لهما الكثيرون، هما ما توقفت عندهما وأردت أن أؤكد من خلالهما أن القضاء المصرى بالفعل لا يقتصر دوره على تطبيق القوانين وإصدار الأحكام فقط، بل إنه يمتد لأكثر من ذلك بكثير، حيث يحافظ على حقوقنا ويحمى مصالحنا ومصالح أطفالنا، بل ولكل إنسان مصرى، سليمًا أو معاقًا، فالكل سواء، بل إن الانحياز لذوى الإعاقة يجعلنا نشعر بالفعل أننا نعيش فى عهد جديد ننعم فيه جميعًا بالأمن والاطمئنان والعزة واحترام الكرامة الإنسانية.. وتحيا مصر.