فى معركتها مع إسرائيل.. إيران ليست وحدها
بعد عقد اجتماعات مع مسئولين أمنيين في واشنطن، في أعقاب هجوم إيران على إسرائيل بأكثر من ثلاثمائة طائرة بدون طيار وصاروخ خلال الليل، أكد الرئيس الأمريكي جو بايدن، مجددًا، أن الولايات المتحدة لديها التزام (صارم) بأمن إسرائيل، وقال (نريد أيضًا معالجة التهديد الإيراني بشن هجوم كبير.. إنهم يهددون بشن هجوم كبير في إسرائيل).
وكما قلت لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، فإن التزامنا بأمن إسرائيل ضد هذه التهديدات من إيران ووكلائها هو التزام قوي.. اسمحوا لي أن أقولها مرة أخرى، صارمة.. سنفعل كل ما في وسعنا لحماية أمن إسرائيل).. كان ذلك، في الوقت الذي أرسلت روسيا فرقاطة تابعة للبحرية، المارشال شابوشنيكوف، مسلحة بصواريخ كينجال الأسرع من الصوت إلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، بعد ساعات فقط من مهاجمة إيران لإسرائيل بمئات الصواريخ والطائرات بدون طيار.. ومع أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دعا دول الشرق الأوسط إلى ضبط النفس، وقال ديمتري بيسكوف، (في الوقت الحالي، من المهم جدًا أن يحافظ الجميع على ضبط النفس، حتى لا يؤدي ذلك إلى زعزعة كاملة للاستقرار في المنطقة، وهو ما لا يبدو تمامًا مع الاستقرار والقدرة على التنبؤ).
فما الذي تنوي موسكو اتخاذه من مواقف، وما هي حدود دعمها لإيران، فيما لو تأزمت المواقف، وتفجرت الأوضاع في المنطقة، إذا ما أقدمت إسرائيل على رد فعل عسكري، داخل الأراضي الإيرانية؟.. مع أن الأنباء الواردة من تل أبيب تؤكد تأجيل مجلس الحرب الإسرائيلي رده على طهران، للمرة الثانية، حتى ينتهي من معركة غزة، في الوقت التي تتواتر فيه أنباء عن احتمالية وجود أزمة قريبة في مخزون الدفاعات الإسرائيلية، اللازمة للكر والفر مع إيران.
في مارس الماضي، دعت شركة روسية لصناعة الأسلحة وفدًا من الإيرانيين إلى جولة تسوق لكبار الشخصيات في مصانع الأسلحة التابعة لها.. وحظي الزوار السبعة عشر بوجبات غداء وعروض ثقافية، وفي اليوم الأخير، قاموا بجولة في مصنع لمنتجات، لطالما كانت طهران تطمح إليها: أنظمة دفاع جوي روسية متقدمة لإسقاط طائرات العدو.. يخضع المصنع، NPP Start، في مدينة يكاترينبرج، لعقوبات أمريكية لدعمه حرب روسيا ضد أوكرانيا.. ومن بين بضاعته قاذفات متحركة ومكونات أخرى للبطاريات المضادة للطائرات، بما في ذلك صواريخ S-400 الروسية، التي يُقدر المحللون العسكريون أنها قادرة على اكتشاف وتدمير الطائرات المقاتلة الشبح التي تحلق بها إسرائيل والولايات المتحدة.
ووصفت وثيقة روسية مُسربة، وهي جزء من رسائل بريد إلكتروني إيرانية مسروقة، نشرتها مجموعة قراصنة على الإنترنت في فبراير الماضي، الجولة بأنها عرض (للإمكانات العلمية والتقنية وقدرات الإنتاج) التي يمكن أن تقدمها روسيا لإيران.. ومع أنه من غير المعروف ما إذا كانت الزيارة أدت مباشرة إلى عملية شراء أم لا، لكن الرحلة هي رمز لما يصفه مسئولو الاستخبارات، بشراكة استراتيجية عميقة بين موسكو وطهران في العامين اللذين أعقبا الغزو الروسي الكامل لأوكرانيا، وهو تحالف يمكن أن يظهر كعامل مهم، حيث يدرس القادة الإسرائيليون ضربات عسكرية محتملة، ردًا على مئات الطائرات بدون طيار والصواريخ التي تم إطلاقها ضد إسرائيل في نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن فتحت إيران فصلًا جديدًا خطيرًا في علاقاتها مع روسيا، من خلال الموافقة في عام 2022، على توريد الآلاف من الطائرات بدون طيار والصواريخ في ساحة المعركة، لمساعدة موسكو في حربها ضد أوكرانيا.
وقد ساعدت العلاقات الموسعة الآن في تعزيز الاتفاقات بين موسكو وطهران، بما في ذلك تعهد روسيا بتزويد حليفتها بطائرات مقاتلة متقدمة وتكنولوجيا الدفاع الجوي، وهي أصول يمكن أن تساعد طهران في تقوية دفاعاتها ضد أي غارة جوية مستقبلية من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، وفقًا لمسئولي المخابرات الأمريكية والأوروبية والشرق أوسطية وخبراء الأسلحة.
هؤلاء المسئولون والخبراء أكدوا أنه من غير المعروف عدد الأنظمة التي تم توفيرها ونشرها، لكن التكنولوجيا الروسية يمكن أن تحول إيران إلى خصم أكثر شراسة، مع قدرة مُعززة على إسقاط الطائرات والصواريخ.. وقال مسئولو المخابرات وخبراء الأسلحة، إن صفقات الأسلحة، التي لم يتم الإبلاغ عن بعض تفاصيلها من قبل، هي جزء من تعاون أوسع يشمل الإنتاج المشترك للطائرات العسكرية بدون طيار داخل روسيا، وتبادل تكنولوجيا مكافحة التشويش، وتقييمات ساحة المعركة في الوقت الفعلي للأسلحة المنشورة ضد القوات المجهزة لحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا.. وقالوا إن التعاون يجني فوائد كبيرة لكلا البلدين، بينما يرفع مكانة إيران من حليف صغير إلى شريك استراتيجي.
ووصف مسئولو المخابرات الأمريكية روسيا، بأنها (تقدم) الاتفاقات التي تم التفاوض عليها سرًا لتزويد إيران بطائرات SU-35، وهي واحدة من أكثر القاذفات المقاتلة قدرة في روسيا، وترقية دراماتيكية محتملة للقوات الجوية الإيرانية، التي تتكون أساسا من طائرات أمريكية وسوفيتية، أُعيد بناؤها ويعود تاريخها إلى ما قبل عام 1979.. وقال المسئولون إن روسيا تعهدت أيضًا بتقديم مساعدة فنية لأقمار التجسس الإيرانية، وكذلك المساعدة في بناء صواريخ لوضع المزيد من الأقمار الصناعية في الفضاء.. وإلى الآن، لا يوجد دليل علني على تسليم طائرات SU-35، وقد يكون التأخير ناتجًا عن تأخر إيران في دفع ثمن الطائرات.. أما على الجانب الدفاعي، فقد سعت إيران، منذ فترة طويلة، إلى الحصول على بطاريات الصواريخ الروسية المضادة للطائرات، لحماية منشآتها النووية والعسكرية من ضربة أمريكية أو إسرائيلية محتملة.. وفي عام 2007، أبرمت طهران صفقة لشراء نظام S-300 الروسي المضاد للطائرات، لكن موسكو أرجأت توريد الأسلحة، وسط ضغوط من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية آنذاك، إلى أن انتهى الحظر المفروض ذاتيًا في عام 2016، وبدأت صواريخ S-300 الإيرانية العمل عام 2019.
ومنذ ذلك الحين، سعت إيران إلى شراء نظام S-400 الروسي الأكثر قدرة، على الرغم من أنه غير معروف علنًا، ما إذا كانت موسكو قد تحركت لتوفير هذه البطاريات، التي تم تجهيز بعض المتغيرات عليها، برادارات يمكنها هزيمة تكنولوجيا التخفي التي تستخدمها الطائرات الحربية الحديثة.. وقد نشرت روسيا بعضًا منها لحماية قواعدها العسكرية في سوريا، وتشكل هذه البطاريات تهديدًا قاتلًا محتملا للطائرات العسكرية الأمريكية والإسرائيلية، التي تعمل أحيانا في المجال الجوي السوري.. وإذا كان قد تم تسليمها، فإن الصواريخ الروسية الجديدة، المضادة للطائرات والأنظمة المضادة للشبح، سيتم نشرها لحماية القواعد تحت الأرض المنحوتة في الجبال الصخرية، وستجعل بالتأكيد المجال الجوي الإيراني (مكانا أكثر خطورة)، كما قال جان كاسابوجلو، الزميل في معهد هدسون للأبحاث في واشنطن، (هذا مهم، في وقت يتحرك فيه النظام بسرعة ودون رادع نحو القنبلة.. أي اشتباك مع إسرائيل سيحدث في المجال الجوي الإيراني، حيث ستتمتع طهران بميزة اللعب في الداخل).
تعاون روسيا مع إيران، يحقق فوائد كثيرة تجنيها موسكو، بالإضافة إلى آلاف الطائرات بدون طيار التي تم شراؤها من إيران، وافقت روسيا، أواخر العام الماضي، على شراء معدات عسكرية إضافية بقيمة ملياري دولار، بما في ذلك الأنظمة الدفاعية المضادة للطائرات دون طيار، التي أصبحت أولوية قصوى للجنرالات الروس في أوكرانيا، وفقا لمسئولين استخباراتيين على دراية مفصلة بالصفقة.. وافقت إيران، بشكل منفصل، على بيع صواريخ أرض ـ أرض لروسيا لاستخدامها في أوكرانيا، ووفقا لتقييم استخباراتي جديد، من المتوقع أن تبدأ في نقل الأسلحة قريبًا. وقال المسئولون إن وكالات التجسس لم تر أي دليل حتى الآن على تسليم هذه الصواريخ.. وفي الوقت نفسه، تطور إنتاج الطائرات دون طيار في ساحة المعركة إلى مشروع مشترك بين البلدين.
في البداية، كان تزويد إيران لروسيا بطائرات دون طيار، محاولة من طهران لمساعدة حليفها على سد ثغرة في حملتها العسكرية ضد أوكرانيا.. بدأت روسيا، التي كانت تمتلك عددًا قليلًا من الطائرات دون طيار في ساحة المعركة في بداية الحرب، في استخدام نوعين من طائرات شاهد دون طيار إيرانية الصنع في خريف عام 2022: (شاهد ـ 131) بعيدة المدى و(شاهد ـ 136).
وبحلول منتصف صيف عام 2023، بدأت روسيا في تصنيع طائرات دون طيار من طراز (شاهد ـ 136) إيرانية التصميم محليًا، في مصنع في ألابوجا، وهي بلدة في منطقة تتارستان الروسية، على بعد حوالي خمسمائة ميل شرق موسكو.. وقد وصفت الوثائق الروسية التي حصلت عليها صحيفة (واشنطن بوست) الأمريكية، العام الماضي، خططا لتصنيع ستة آلاف طائرة بدون طيار بحلول صيف عام 2025، لاستخدامها في حملتها ضد القوات الأوكرانية، وكذلك محطات الكهرباء والبنية التحتية الحيوية الأخرى في أوكرانيا.. وقلقًا من الإنتاج المحلي الروسي لهذه الطائرة، شن الجيش الأوكراني هجومًا بطائرة بدون طيار خاصة به، ضد مجمع ألابوجا في الثاني من أبريل الماضي.
في الآونة الأخيرة، بدأت موسكو وطهران العمل بشكل تعاوني، على أنواع جديدة من الطائرات بدون طيار، وفقًا لمسئولي الاستخبارات والوثائق المسربة، من مجموعة رسائل البريد الإلكتروني والسجلات الروسية والإيرانية التي نشرتها مجموعة القرصنة Prana Network، سُرِقت من (سيرفر) إيراني مرتبط بفيلق الحرس الثوري الإيراني، في وقت سابق من هذا العام.
ومن بين الوثائق، تفاصيل عن زيارات قام بها وفدان، إيراني وروسي، للقيام بجولة في منشآت الأسلحة في كلا البلدين.. ولم تتمكن الصحيفة من التحقق بشكل مستقل من الوثائق، لكن اثنين من مسئولي إدارة بايدن أقرا بأن وكالات الاستخبارات الأمريكية درست عن كثب المواد المسربة، ولا تشكك في صحتها.. ولم ترد روسيا ولا إيران علنًا على التسريب.. وتصف العديد من الوثائق، رحلة قام بها وفد من المهندسين الروس إلى إيران، في أبريل 2023، لمشاهدة عرض لطائرة بدون طيار جديدة تعمل بالطاقة النفاثة، بالإضافة إلى مجموعة من الطائرات بدون طيار القاتلة، المصممة لتدمير طائرات العدو بدون طيار.. وبدا أن كليهما أثار إعجاب الزوار.
ووصفت الوثائق أنواعا مختلفة من الطائرة بدون طيار التي تعمل بالطاقة النفاثة، والتي يطلق عليها اسم MS-237 وShahed-238 وShahed-236، بأنها تتمتع بسرعة قصوى تبلغ حوالي أربعمائة ميل في الساعة، أي أسرع بثلاث مرات من التكرارات السابقة للطائرات الإيرانية بدون طيار.. (إنها أسرع، ما يعني أنه من الصعب اعتراضها، قال فابيان هينز، المحلل الدفاعي والخبير في الطائرات بدون طيار وأنظمة الصواريخ في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بلندن. لكنه قال إن الطائرات بدون طيار (ربما تكون أيضًا أغلى بكثير، لأن هذه الأنواع من المحركات النفاثة يصعب بناؤها).
في العموم.. فإن إنتاج الطائرات بدون طيار، كإنتاج مشترك مع روسيا، يوفر فوائد كبيرة لإيران، بما في ذلك القدرة على تقييم أدائها في ساحات القتال الأوكرانية.. وقد أظهرت الوثائق المسربة أدلة على قيام مهندسين روس بدمج تحسينات في تصميم الطائرات الإيرانية بدون طيار، كما أشار بذلك ديفيد أولبرايت، الخبير في أنظمة الأسلحة الإيرانية ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي بواشنطن، و(تم تحديد الأخطاء والعيوب في التصاميم وإصلاحها، وستستفيد إيران من ذلك).
وحتى لو لم يتم بالفعل بيع الأنظمة الروسية مثل S-400 إلى إيران ونشرها هناك، فإن تبادل معلومات التصميم والخبرة التكنولوجية، يمكن أن يعزز بهدوء قدرات إيران دون إثارة شُبهات في الغرب، لأنه ـ أي الغرب ـ (قد لا يرى أي شيء).
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.