اطمئنوا.. لقاح "داء الكلب" مجاني في مستشفيات مصر.. والإصابات نادرة (تفاعلي)
في رحلة محفوفة بالمخاطر، أبحر عالم الأحياء الفرنسي لويس باستير في مواجهة المجهول، مصممًا على إنقاذ طفل من الموت المحتم، كان الرهان كبيرًا، فقد كان جوزيف مايستر (9 سنوات) قد تعرض لهجوم شرس من كلب مصاب بمرض داء الكلب، وتلقى منه 14 عضة قاتلة في 4 يوليو 1885.
ورفض "باستير" الاستسلام للمصير المحتوم للطفل، وواجه مخاوفه من فشل التجربة وموت "جوزيف"، ووافق على تطعيمه بلقاح داء الكلب على مدار 10 أيام متتالية، وعلى الرغم من المخاطرة الكبيرة، نجحت هذه التجربة التاريخية في إنقاذ حياة الطفل، الذي عاد سالمًا إلى منزله في 28 يوليو 1885، مؤسسًا بذلك أساس العلاج الناجح لهذا المرض المميت.
*داء الكلب مرض فيروسي حيواني المنشأ يمكن الوقاية منه باللقاحات، وهو يؤثر على الجهاز العصبي المركزي، وبمجرد ظهور الأعراض السريرية، يصبح داء الكلب قاتلًا بنسبة 100% تقريبًا، وتحدث أكثر من 95% من الوفيات البشرية في آسيا وأفريقيا.
واليوم، بعد مرور ما يقرب من 140 عامًا، عاد الحديث عن داء الكلب (السعار)، بعدما تساءلت النائبة هالة أبو السعد، وكيل لجنة المشروعات بمجلس النواب، عن استعدادات الحكومة لمواجهة احتمالية تفشي داء الكلب في مصر، على خلفية إعلان منظمة الصحة العالمية عن ظهور حالات للمرض في تيمور الشرقية- إحدى دول جنوب شرق آسيا.
ورغم ما أثاره هذا التساؤل إلا أن مصر لديها التحصينات اللازمة للوقاية من هذا المرض، أيضًا توجد حملات مستمرة لتحصين الكلاب الضالة، لضمان عدم انتقال "السعار" إلى الإنسان، وفي السطور التالية نوضح من خلال عدد من الحالات كيفية التعامل مع حالات العض من الحيوانات لتجنب الإصابة، كما يوضح عدد من المتخصصين والمسئولين آلية التعامل مع تلك الحالات.
"منة" عضها كلب ترحيبًا بها وأنقذت قطة فانتقمت منها
حصلت "منة" على المصل من مستشفى منشية البكري، بعدما عضها أحد كلاب الشارع، مؤكدة أن السبب لم يكن هجومًا عليها بل ترحيبًا بها، لكن تلك العضة نتج عنها وجود دم، لذلك كان لابد أن تتوجه مباشرة للحصول على المصل، وقاية لها من احتمالية إصابتها بالسعار الذي يؤدي للوفاة، والجرعات يتم تحديدها في ورقة للتأكد من الحصول على الخمس جرعات كاملة.
وتروي "منة" تجربة أخرى مع قطة صغيرة كانت حبيسة إحدى الأماكن المغلقة لثلاثة أيام في العقار الذي تقطن به "منة"، ولأنها سمعت موائها قررت مع حارس العقار إنقاذها، وبمجرد رؤيتها هجمت عليها وعضتها بشكل أراق دمائها، لكنه كنوع من الخوف وقلة الطعام الذي حرمت منه بسبب حبسها، فتوجهت بعدها أيضًا لتلقي الجرعات، لكن كان ذلك في وقت "كورونا" فكانت المستشفيات تطبق الحظر ولم تتواجد الجرعات سوى في مستشفى الزاوية.
"ريم" أنقذت قطة من الاصطدام فغرقت دماءً
أثناء سير “ريم” في إحدى طرقات الشوارع، وجدت قطة صغير كادت أن تصطدم بسيارة، فهرولت نحوها لإنقاذها، لكنها حملتها بطريقة غير صحيحة، فكان رد فعل القطة أن عضت أحد أصابعها، ما أدى لتورمه وغرقه في الدماء، لذا نصحها الأصدقاء بضرورة الحصول على المصل، والمتواجد في المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية.
ووقتها (خلال عامي 2017-2018) لم يكن متوفرًا بالشكل الكافي، لكنها عثرت عليه في مستشفى الحميات العباسية، وذلك بمبلغ رمزي، وكُتب لها الحصول على 5 جرعات بمواعيد محددة، وكانت عبارة عن مضاد حيوي وحقنة “تيتانوس”.
"علا" حصلت على جرعة واحدة من المصل بسبب "كورونا"
بينما تعاني "علا" من نقص في "فيتامين د" وتسير في إحدى الطرقات، فوجئت بحصان يصطدم بفمه بها، فنصحها أصدقائها من الأطباء ضرورة الحصول على مصل السعار ومصل التيتانوس، وكان ذلك في وقت "كورونا"، وحصلت على الجرعة الأولى من "السعار" في مستشفى "عين شمس العام"، أما "التيتانوس" حصلت عليه من مستشفى "شبرا العام".
وحين جاء موعد الجرعة الثانية من مصل "السعار"، نصحها الطبيب أنها قد تصاب بـ"كورونا" لمعانتها من نقص "فيتامين د" وأنه لا ضرورة لاستكمال تلك الجرعات بسبب الارتباك الموجود في المستشفيات في ذلك الوقت.
"سولاف" حصلت على المصل مجانًا
فوجئت "سولاف"، ذات التسع سنوات، بمهاجمة قط صديقتها لها وعضها، ورغم أنه كان أليفًا ومطعمًا، لكن فضّلت والدتها الذهاب بها لأقرب مستشفى حكومي (مستشفى 6 أكتوبر العام) لترى ما إذا كانت في حاجة للمصل أم لا، فدفعت ثمن تذكرة الدخول، وقررت المستشفى ضرورة حصولها على المصل، وهو عبارة عن 5 جرعات مجانية في مواعيد معينة، والمتوفرة بكل المستشفيات الحكومية على مستوى الجمهورية.
"إيناس" عضتها قطتها أثناء اللعب
أما "إيناس"، هي شابة عشرينية، اعتادت تربية القطط في منزلها، وحرصت على عدم تعرضهم للشارع للضمان عدم انتقال أي عدوى إليهم، لذا لم تهتم بتطيعمهم، لكن في إحدى اليوم فوجئت أثناء لعب القطط مع بعضها ومحاولتها اللعب معهم أن أحدهم غرست أنيابه في يدها حتى تورمت.
وتوجهت سريعًا إلى طوارئ أقرب مستشفى لها، وحصلت على المصل، لتجنب حدوث أي مضاعفات لتلك العضة، وتحسنت يدها كليًا بعد تلقيها جرعات المصل، التي كانت مجانية تمامًا.
* بحسب أحدث إحصائيات هيئة الخدمات البيطرية التابعة لوزارة الزراعة، فإن من تعرضوا للعقر يسجل 430 ألف حالة "عقر" سنويًا.
وزارة الصحة: اللقاح مجاني
وكانت وزارة الصحة والسكان، أعلنت أن المصل المضاد للسعار متوفر بالمجان من خلال مستشفيات ووحدات وزارة الصحة والسكان، كما أشار الدكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى لوزارة الصحة والسكان، إلى أنه تم زيادة عدد مراكز التعامل مع حالات العقر والخدش إلى 302 مركز على مستوى محافظات الجمهورية.
فضلًا عن تدريب الفرق الطبية بالمراكز على بروتوكولات التعامل مع الحالات، والإجراءات الوقائية بعد التعرض للعقر والخدش، فضلًا عن توفير اللقاحات والأمصال بكميات كافية، وتبادل المعلومات والتنسيق المستمر مع الشركاء المعنيين، مما نتج عنه تراجع ملحوظ فى معدلات الإصابة بـ "السعار" خلال السنوات الماضية.
طبيبة بيطرية: يصعب رصد الحالات الفردية
وحدثتنا الدكتورة سماح نوح، رئيس قسم الإرشاد بإدارة الطب البيطري بمركز الشهداء بالمنوفية، عن أن داء الكلب (السعار) من الأمراض الخطيرة والمميتة على مستوى العالم، إذ يتسبب في حوالي 55000 حالة وفاة سنويًا حول العالم، ويمكن لجميع الحيوانات ذات الدم الحار أن تصاب وتنقل العدوى، ولكن الخفافيش هي الأخطر من بينها.
وأوضحت "نوح"، في حديثها، أن هذا المرض هو الوحيد الذي ينتقل عبر الممرات العصبية وليس عبر الدم، ما يسمح له بالوصول إلى المخ، كما أنه المرض الوحيد الذي إذا ظهرت أعراضه على المصاب، فليس له أي علاج ويؤدي حتمًا إلى الوفاة.
ولفتت إلى أن فترة الحضانة للمرض تختلف من بضعة أيام إلى 6 سنوات، وذلك وفقًا لمكان الإصابة وخطورة الجرح ومقدار الفيروس المنقول، وتظهر الأعراض بعد فترة تتراوح من أسبوعين إلى عشرة أسابيع من الإصابة، وتتمثل الأعراض الرئيسية في التغيرات السلوكية، ثم الهياج العصبي والهجوم، وأخيرًا الشلل في منطقة البلع والفك، ما يؤدي إلى صعوبة البلع والعض وينتهي بالوفاة.
وتابعت أنه للوقاية يجب غسل موقع الإصابة بالماء والصابون على الفور، ثم تطهيره بمطهر قوي، قبل توجيه المصاب إلى المستشفى لتلقي المصل المضاد في غضون يومين من الحادث، ويتكون برنامج التطعيم من خمس جرعات على مدار 28 يومًا، ولا ينصح بتخييط الجروح الناتجة عن عضات الحيوانات، ما لم تكن كبيرة وواقعة بالقرب من الرأس أو الرقبة، إذ يتم في هذه الحالة تطهير الجرح وحقن مصل المناعة قبل إجراء الخياطة.
واختتمت بأنه لا يمكن التنبؤ بالإصابة بداء الكلب، كما أنه من الصعب رصد الحالات الفردية نظرًا لعدم وقوع وفيات جماعية، لذا ينصح بضرورة التعامل بحذر مع أي حيوان قد يكون مصابًا، حتى وإن لم تظهر عليه أعراض المرض.
طبيب أطفال: الهجوم قد يكون من الحيوانات المنزلية
فيما حذر الدكتور أحمد مرعي، أخصائي طب الأطفال، أنه في حالة تعرض الطفل لعضة أو خدش من أحد الحيوانات الأليفة سواء داخل المنزل أو خارجه، يجب اتباع خطوات سريعة للوقاية من فيروس "داء الكلب" الخطير.
وأوضح "مرعي"، في حديثه"، أن هذه الخطوات هي: غسل مكان الإصابة بصابون عالي الصودا، إحالة الطفل للمستشفى لتلقي المصل المضاد، والتأكد من إكمال سلسلة التطعيم المكونة من 5 جرعات، مشددًا على أهمية السرعة في اتخاذ هذه الإجراءات، نظرًا لقدرة فيروس السعار على الانتقال عبر الأعصاب حتى المخ، ما قد يودي بحياة الطفل في حال التأخير.
استشاري الطب الوقائي: بداية الأعراض تشبه الإنفلونزا
ونبهّت الدكتورة هدى محمود، استشاري الطب الوقائي والأسري بكلية طب جامعة القاهرة، بأن داء الكلب ينتقل للإنسان عبر عضة الكلب المصاب، مسببًا أعراضًا أولية شبيهة بالإنفلونزا، ثم تتطور لهياج عصبي وصعوبة البلع والشلل.
وأكدت "محمود"، في حديثها، أنه في حالة التعرض لعضة كلب، يجب الذهاب فورًا للمستشفى للحصول على مصل السعار، الذي يتطلب 5 جرعات متتالية لمنع انتشار المرض، ولا يوجد أي موانع للتطعيم للأطفال والحوامل لأنه آمن تمامًا.
الأمصال واللقاحات البيطرية: هناك حملات لتحصين الكلاب الضالة
وعن الوقاية وكيفية التصرف في حالة العض، كان حديثنا مع الدكتور محمد سعد، مدير معهد بحوث الأمصال واللقاحات البيطرية في مركز البحوث الزراعية، فقال إن مصر يوجد لديها تحصين للحيوانات المنزلية الأليفة مثل الكلاب والقطط، كما توجد حملات على الكلاب الضالة للتحصين ضد مرض السعار، وطالما تم التحصين يكون هناك مناعة ضد انتقاله للإنسان، باعتبار السعار من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.
وأوضح "سعد"، في حديثه، أن تحصين الحيوانات بمثابة العمود الفقري لحماية الإنسان من الإصابة بالسعار، لافتًا إلى أنه في حالة تعرض شخص للعض عليه التوجه لأقرب مستشفى لتلقي الإسعافات الأولية اللازمة.
ناشطة في حقوق الحيوان: السعار يصيب كل الثدييات
وعلى جانب آخر، تحدثنا عن كيفية وقاية الحيوانات من الإصابة بـ"السعار" لضمان عدم نقله للبشر، وحدثتنا لبني حلمي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة "حماية الحيوان"، أنه لا يوجد ما يثبت انتشار "داء السعار" في مصر، لأن الدولة تقوم بكل احتياطاتها ومنحت الصلاحيات لمؤسسات المجتمع المدني لتطعيم كلاب الشارع، كما تقوم بتوفير الأمصال اللازمة لتلك الحملات بأسعار رمزية لتلك المؤسسات من خلال الهيئة العامة للخدمات البيطرية.
لا يمكن التفرقة بين إصابة كلب بالسعار من عدمه، لأنه فيروس يصيب غشاء المخ ويؤثر على الجهاز التنفسي للكلب، ولإثبات ذلك يكون بعد وفاة الكلب من خلال أخذ عينة من المخ، مؤكدة أن المصل الذي يحصل عليه الإنسان الذي تعرض للعض هو وقاية كاملة له من مرض السعار بنسبة 100%، مؤكدة أن السعار يصيب أي نوع من الثدييات وليس الكلب فقط.
وأوضحت أن تطعيم الحيوانات ضد السعار يتم كل عام أو 3 أعوام حسب نوع المصل الذي تتعامل به الجمعيات التي تقوم بتطعيم كلاب الشوارع.
نوضح في الانفوجراف التالي أحدث إحصائيات حوادث العقر في مصر بسبب الحيوانات وليسالكلاب فقط، باستخدام أداة فلوريش:
خبير تنمية محلية: هيئة الخدمات البيطرية لا تستطيع التعامل مع هذا الملف
واختتمنا مع الدكتور حمدي عرفة، أستاذ الإدارة الحكومية والبلدية وخبير استشاري البلديات الدولية، الذي عبّر عن استيائه من سوء إدارة قيادات الإدارة المحلية لملف الكلاب الضالة المنتشرة في المدن والأحياء والقرى والعزب والكفور والنجوع، والتي بلغ عددها 4726 قرية و26 ألف و757 كفر ونجع وعزبة.
وأكد "عرفة"، في حديثه، أن هيئة الخدمات البيطرية وحدها لا تستطيع التعامل مع هذا الانتشار الواسع، وأن مديريات الطب البيطري في المحافظات تتحمل المسؤولية بالتعاون مع المحافظين طبقًا لقانون الإدارة المحلية رقم 43 لعام 1979، مقترحًا تكوين لجان على مستوى المحافظات لمكافحة الكلاب الضالة، مع إمكانية التعاقد مع شركات خاصة لرعاية هذه الكلاب.
وأوضح أن عدم وجود خطة قومية متبوعة بجدول زمني من قبل المحافظين، وعدم كفاية الموازنات المخصصة للقرى، وعدم تفكير بعض المسؤولين خارج الصندوق، ساهمت في تفاقم المشكلة، مطالبًا بإنشاء 1411 وحدة للسموم تتبع الوحدات الصحية في القرى، وتخصيص جزء من أموال المحافظات لحل هذا الملف.
* بحسب تصريحات "عرفة"، فإن معدل انتشار الكلاب في محافظات البحيرة والقاهرة والشرقية والجيزة الأكثر تسجيلًا لحالات العقر، بينما شمال سيناء والوادي الجديد والبحر الأحمر ومطروح الأقل.