"الإمام الطيب".. "الدستور" تنشر تفسير شيخ الأزهر لقضايا الدين والدنيا من خلال أسماء الله الحسنى
خصص الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، برنامج «الإمام الطيب»، الذى أُذيع على شاشة قناة «DMC»، على مدار ٣٠ يومًا فى رمضان، لـ«أسماء الله الحسنى»، مقدمًا دلالات كل اسم منها.
وتحدث الإمام الأكبر، خلال حلقات البرنامج، عن العديد من القضايا والملفات التى تهم المسلمين فى كل أنحاء العالم، من بينها الأوضاع فى غزة، مؤكدًا أنه بالرغم من سقوط مئات القتلى يوميًا من أبناء الشعب الفلسطينى، فإنه وفقًا للمآلات، نجد أن القضية الفلسطينية هى المنتصر.
الفلسطينيون انتصروا رغم سقوط مئات القتلى يوميًا
قد تختلف المآلات عن فلسفة البدايات، فنسمع يوميًا عن مئات القتلى، وصراخ طفل يجرون له عملية دون «بِنج»، هم يقصدون هذا، يتلذذون بإيلامنا ويستمتعون به، لكن المآلات فى صالحنا.
القضية الفلسطينية كانت منسية، ولا يوجد كتاب واحد يشرحها للتلاميذ، لا فى الإعدادى ولا فى الثانوى، حتى إننا قد نجد إنسانًا متخرجًا فى الجامعة لا يعرف الفرق بين المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، بينما أولادهم يحفظون أن العرب أعداؤهم.
القضية الفلسطينية كانت أوشكت أن تموت، وأهداف وخطط الكيان الصهيونى الاستراتيجية لم يتحقق منها شىء، الشعب كما هو، وأعجب أن يظل جيش جهنمى يضرب ليلًا نهارًا فى شعب أعزل، ولا يزال هذا الشعب موجودًا وواقفًا على أرضه.
هذه هزيمة للكيان الصهيونى، أعتقد لم ينتصر الكيان الصهيونى، بل انتصرت القضية الفلسطينية، وانتصر الفلسطينيون، لأنهم فضّلوا أن يموتوا على أرضهم. ما حدث هزيمة لكل المؤسسات التى دعمت الكيان الصهيونى، وتنفذ ما يريد من دمار.
لم يحدث فى التاريخ أن جيشًا واجه شعبًا أعزل، يضربه ويتعقبه لشهور، ليل نهار، ثم لا يحقق أى هدف من أهدافه المعلنة، وبعد هذا نرى أطفال غزة يلعبون. الأسر تحملت واعتبرته بلاءً. نتمنى نهاية لهذا الظلم البيّن، ظلم العالم السياسى.
على المسلم والمؤمن أن يستعمل أسماء الله الحسنى فى الدعاء، وأن يعتمد عليها اعتمادًا كليًا، والدليل على ذلك قوله تعالى: «ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها»، وقوله أيضًا: «قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى».
بدون هذه الأسماء الحسنى لما استطعنا أن نعرف الله، ويصعب تصور الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ولم يرد فى القرآن ولا فى السنة أى وصف له جل وعلا، فالأسماء الحسنى هى النوافذ على معرفة الله سبحانه وتعالى، ولولاها لأصبحنا نعبد مجهولًا، وهو ما لا يصح فى جنب الله جل وعلا.
الأسماء الحسنى تُنشئ إنسانًا كله خير فى جميع جوانبه، وتبعث فى الإنسان القدرة على التأمل فى الرزق من خلال اسم «الرزاق»، على سبيل المثال، وتؤكد ثقة الإنسان فى أن الله هو من يرزقه ولا أحد سواه.
ومعنى كلمة «أحصاها» الواردة فى الحديث الشريف: «إن لله تسعة وتسعين اسمًا من أحصاها دخل الجنة»، من وعاها وعرفها. كما أن هناك من فسر «الإحصاء» هنا بمعنى من حفظها، لكن لم يثبت أن النبى، صلى الله عليه وسلم أمر بحفظها، والذى يلزمنا هو الوعى بها وبمعانيها والدعاء بها.
الإحصاء لا يدل على الحصر، الذى يعنى أن الله تعالى ليس له أى اسم آخر سوى هذه الأسماء، لأن الإحصاء هنا مرتبط بدخول الجنة «من أحصاها دخل الجنة»، ولم يكن لحصر تلك الأسماء فى الـ٩٩ اسمًا.
الإمام الغزالى يقول لا نعرف لله أسماء أخرى أم لا، والفريق الآخر ويتزعمه «المعتزلة» يقولون إن الظروف متغيرة، وقد تكون هناك حادثة وقد يستعرض الإنسان الـ٩٩ اسمًا فلا يجد ما يناسب الحادثة.
لذا قالوا إنه يجوز اختراع اسم على قياس الأسماء الحسنى، بحيث لا تناقضها، ولا تلحق بالله تعالى شبهة نقص، أى ألا يكون اسمًا مضادًا، وألا يدخل الله فى مشابهة مع الخلق.
اسم «الحكم» من أسماء الله الحسنى، ورد فى القرآن الكريم مرة واحدة، و«الحكم» معناه القاضى العادل الذى يكون عدله عدلًا مطلقًا، لا شائبة فيه من ظلم ولا مجاملة ولا خطأ، وكذلك تعنى الذات التى تثبت لها بالتفرد المطلق فى العدل، وهو فى هذه المعانى لا يُطلق إلا على الله سبحانه وتعالى.
كل أحكام الله تدل على الإتقان، ومن هنا حكمه فى الكون عادل، وهذا يدل على الإتقان الشديد فى العالم العلوى والسفلى والإنسان. والعلماء يستدلون بأمور عجيبة جدًا فى خلق الإنسان تدل على الإتقان، وعندما نقرأ، أجسامنا تقشعر من دقة الإتقان.
ألم وصبر أهل غزة على البلاء سيجعل لهم منزلة كبيرة عند الله يوم القيامة، فهم لن يبلغوا منزلة الشهيد يوم القيامة دون أن يحدث لهم ما حدث، ولولا شهداء غزة ما استيقظت القضية الفلسطينية فى الضمير الإنسانى العالمى.
ومن ضمن ما ترتب على العدل الإلهى هنا، أن القضية الفلسطينية قد دَبت فيها الحياة من جديد، ولا يمكن أن تُنسى مرة ثانية، رغم ما تكبده أهل غزة من ثمن.
كما سقطت صورة إسرائيل المظلومة المحاصرة، ولن تعود مرة أخرى، وهذا عدل الله.
الإلحاد هو الانحراف عن الحق إلى الباطل، وعن الصواب إلى الخطأ، هذا هو الانحراف، ومن هذا المنطلق، هناك من ألحد فى أسماء الله الحسنى، فأخرجها عن المعانى التى وضعت لها، والمراد هنا المشركون، فهم الذين ألحدوا فى أسماء الله الحسنى.
كانوا مثلًا يأخذون حروف هذه الأسماء ويدخلونها فى أسماء آلهتهم، ومن ذلك تسمية أوثانهم «اللات والعزى» من «الله العزيز»، و«مناة الثالثة الأخرى» من «المنان»، فهم أخذوا أسماء الله الحسنى وانحرفوا بها عن طريقها المستقيم، وأطلقوا حروفها على الأوثان.
وما يحدث لنا هو قدر مقدور، إما للمصلحة أو حسب مآل الشىء، وحينما يصاب الإنسان بضرر، عليه أن يدرك أن هذا إما يكون كفارة للذنوب، أو رفع درجات بالصبر والرضا بالقضاء.
كثيرون يقولون أين لطف الله بالجماد؟ ونقول إن هذا اللطف يعود للإنسان، فالله سخر له الجبال، والإنسان لا يستطيع أن يصنع جبالًا أو بحارًا.
والكائنات التى لا يتصور منها لطف بها لذاتها، هى أداة من أدوات اللطف بالإنسان، ولا يُقال إنه لا يوجد لطف فى الأشياء الجامدة، فهناك لطف انتبه إليه علماء التصوف، والقرآن يثبته، بأن الجماد ليس ميتًا وإنما يسبّح، ويقال إن الحيوانات يوم القيامة تحشر كما يحشر الناس، ويقتص للعجماء من القرناء، ويوم القيامة يقتص الله للحيوانات الضعيفة.
اسم «الحليم» مأخوذ عن الحلم، ويعنى عدم التسرع فى العقوبة والتحلى بالتأنى الشديد.
وكلمة الحليم فى القرآن الكريم تعنى أن الله- سبحانه وتعالى- لا يتسرع فى عقوبة البشر، لذا ورد فى الحديث الشريف «لا إله إلا الله الحليم الحكيم».
والحليم اسم من أسماء الله الحسنى، والحلم يأتى معه الصبر، ولكنّ هناك اختلافًا فى المعنى بين الحليم والصبور.
والصهاينة ارتكبوا جميع محرمات القتال، والله تعالى يؤجل العقاب لوقت يعلمه هو، وكل الجرائم التى يرتكبها الكيان الصهيونى فى غزة يعلمها الله، ولهذا جاء فى كتابه العزيز «ولا تحسبن الله غافلًا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فى الأبصار».
العدل ضد الظلم، وبالرغم من أنه لا يصح تعريف الشىء بسلبه، لكن العدل يمكن تعريفه بأنه الاستقامة والحق.
ومن الأحاديث الواردة عن الحج أنه يكفّر الذنوب، واتفق العلماء على أن الحج يكفّر جميع الذنوب إلا مظالم العباد، يرجع بها، فالتحلل من الظلم إما بالأداء أو الإبراء.
والناس لا ينتبهون إلى عاقبة الظلم، فإذا لم توف المظلوم حقه يخرب البيت، وكان النبى- صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من الظلم، ومن دعواته الاستعاذة من أن يعين ظالمًا أو يخذل مظلومًا.
أفعالنا مطلوبة من حيث أمرنا الله تعالى بها، والأسباب والنتائج من الله، لكن علينا أن نأخذ بها لأنه أمرنا بذلك، مع اعتقادنا بأن الذى يُحدث ذلك هو الله سبحانه وتعالى، كالذى يحدث بين النار والاحتراق، فما يحدث بالإحراق بعد ملاقاة النار هو أمر الله سبحانه وتعالى، وليس النار، بدليل أن سيدنا إبراهيم- عليه السلام- لم يُحرق، ثم إن العلماء قالوا إن النار هى جماد وليست لها إرادة، ولو اعتقدنا أن النار هى التى تحرق فكأننا نعترف بفاعل مؤثر غير الله.
والإنسان يقوم بعمل حسابات واحتياطات دقيقة جدًا، وتأتى النتائج عكسية تمامًا، فى حين قد تأتى النتائج بأكبر مما فكر وقدر، وهذا يدل على أن هناك فاعلًا خفيًا، سبحانه وتعالى، هذا هو الإيمان الذى يسخر منه الماديون.
وللأسف الشديد، كثير من شبابنا بدأ تتفلت منه هذه الأنظار الدقيقة، التى جعلت المسلمين الأوائل يؤمنون بالله ويثقون فى قدرته.
العظم والعلو لله، ومن ذلك قوله تعالى «وهو العلى العظيم»، وقوله «إنه كان لا يؤمن بالله العظيم»، ووصف العظيم فيهما متجه للذات العلية.
الله سبحانه وتعالى يقول فى سورة الواقعة «فسبح باسم ربك العظيم»، والعظيم من الناحية اللغوية تطلق على ٣ مواضع أو صفات، منها عظيم الرتبة والشأن، سواء وُصف به إنسان أو غير إنسان، وورد هذا فى القرآن الكريم فى قوله تعالى «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم»، وهنا على رجل ضخم.
والمعنى الثالث للعظيم هو كثير العدد، فيقال مال عظيم أو عنده مال كثير، هذه الإطلاقات اللغوية لا يمكن أن تنسحب كلها على تسمية الله سبحانه وتعالى، ولكنّ هناك معنى واحدًا يليق بتسمية الله سبحانه وتعالى بالعظيم.
لا يصح أن نقول إن الله تعالى له «جسم»، لأن الجسم مركب يحتاج إلى من يركبه، ومن ركبه لا بد أن يسبقه فى الوجود، وهذا لا يصح مع الذات الإلهية، التى ثبتت لها صفة «القدرة المطلقة» و«العلم المطلق»، وهو أول الموجودات، فهو الأول ولا أول قبله، والقول بذلك يتناقض مع كل هذه الصفات التى ثبتت له، وهذا مستحيل عليه تعالى.
وعلى العباد أن يؤمنوا بأن كل عظيم معهم وبينهم حقير بالنسبة لله العظيم، مع احترام العظمة الإنسانية فى حدودها، فلا يصح مثلًا قول إن هذا ساحر عظيم، لأن القرآن يخبرنا بأنه ليس بعظيم، وهكذا، لكن يمكن أن ينسحب وصف العظمة على بعض البشر، مثل الأنبياء والعلماء وأولياء الله الصالحين المحسنين.
لماذا نختتم التلاوة بـ«صدق الله العظيم»؟.. تلك عادة اعتادها العلماء أو المسلمون، لكن هناك مناسبة بين كلمة «عظيم»، وما تلاه القارئ من آيات فى القرآن، فالقرآن الكريم كله وكل آياته يدل على عظمة هذا القائل وعظمة من أنزله.
لذلك حين يختم بـ«صدق الله العظيم»، فإنه يصدق هذا الكتاب الكريم، والوارد فى القرآن هو أنه «إذا قرئ القرآن فاستمعوا له»، وأننا نبدأ القرآن بالاستعاذة، قائلين «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، حتى لا يشغلنا الشيطان ولا يضلنا ولا يلقى فى أفكارنا ولا فى قلوبنا ما يشغلنا عن معنى التلاوة.
هناك دليل آخر من السنة على استحباب البدء بالبسملة، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كل أمر ذى بال لا يبدأ فيه ببسم الله، فهو أبتر»، والقراءة أمر ذو بال أكثر من أى أمر آخر، فهى تحتاج إلى عقل متدبر، بالإضافة لإجماع المسلمين على هذا.
كل الذنوب تُغتفر ما عدا الشرك فى مذهب أهل السنة، أما المعتزلة فيقولون إن مرتكب الكبيرة، التى منها على سبيل المثال القتل والزنا وشرب الخمر وعقوق الوالدين وغيرها، مسلم عاصٍ أو فاسق، كما أطلقوا عليه، وهو بالنسبة لهم فى منزلة بين منزلتين. أما الخوارج فقد كفّروا مرتكب الكبيرة إن لم يتب، إلا أن رأى أهل السنة القائل إن أمره بيد الله هو الأعم والأكثر انتشارًا وشيوعًا.
مرتكب الكبيرة لو مات دون أن يتوب، فهو مؤمن وأمره إلى الله تعالى، إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه، على خلاف مذهب المعتزلة القائل إنه فى منزلة بين منزلتين، وعلى عكس مذهب الخوارج الذى يقول بكفره.
ونصيب العبد من اسم الله «الغفار» أن يجعل العفو منهج حياة، لو كفر إنسان لـ٧٠ عامًا وأسلم لحظة واحدة، فهو فى الجنة، والله يجازى بالجنة، والجنة نعيمها قائم أبد الأبدين، ولا يقاس ولا يقدر.
لنفرض أن العبد ملأ حياته كلها حسنات لفترة ١٠٠ سنة، فهذا لا يقاس بنعيم مقيم لأبد الأبدين، لا توجد نسبة بينهم على الإطلاق.
وكذلك لو أن إنسانًا كان كافرًا بالله ونعمه لمدة ٧٠ عامًا، ثم أسلم لحظة واحدة قبل موته، فهو بالجنة، الله تعالى يجازيه بالجنة والنعيم المقيم على لحظة واحدة، وهذا هو الشكر الإلهى للعباد، الجزاء بالكثير على القليل.
الشكر لله لا يكون بترديد لفظ الشكر، وإنما يكون بالعمل والعطاء من نفس جنس النعم التى أنعم الله علينا بها.
لو شكرت الله باللفظ ١٠٠ مرة، والمال كما هو، ليس شكرًا، وإلا الشكر سينقلب إلى لفظ سهل، لا يؤثر عليه الثواب.
الطبيب الذى أوتى علم الطب، يجب أن يكون شكره من جنس النعمة، وأن يعالج الفقراء ويهتم بهم اهتمامه بابنه المريض.
أشد الناس بلاءً هم الأنبياء، حيث تم قتل بعضهم، ولهذا الابتلاء فى الباطن إكرام شديد.
كلما كان الإنسان بعيدًا عن الله سبحانه وتعالى ابتعد عن الابتلاء، ولكن يكون حساب هذه الفئة عسيرًا فى الآخرة.
البلاء ورد تحت عباءة العدل، والابتلاء هو أفضل خيار للإنسان، والابتلاء فى صورته الظاهرية إهانة، ولكنه فى حقيقة الأمر منحة.
الابتلاء فيه لمسة كرم خفية، فالابتلاء قد يكون طريق الوصول لمنازل عليا فى الجنة.
من ذكر الله تعالى وسبحه فله ثواب، وذكر «الله أكبر كبيرًا»، ورد فى بعض الأحاديث، منها حين دخل النبى، صلى الله عليه وسلم، مكة فاتحًا ولم يكن مظهره حينها مظهر الفاتح، لكن كان خافضًا رأسه الشريف على ناقته غير متكبر، على الرغم من الإيذاء الذى طاله من أهلها، فى حين أنه كان يستطيع بإشارة من إصبعه أن يهلكهم، لكن دخل وكان يقول «لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده».
ولم يضف صلى الله عليه وسلم النصر إلى ذاته، قائلًا «هؤلاء هم الأنبياء»، حيث تجرد من كل هذه العظمة التى كان هو سببًا فيها، وتنطبق عليه لو أراد تمامًا، لكنه تجرد من الحول والطول، وأسنده إلى الله سبحانه وتعالى.
الفلسطينيون انتصروا رغم سقوط مئات القتلى يوميًا