رحمي.. !
حرمت يا بوجي: حرمت، حرمت ترمرم: حرمت ، حلو الكلام.. كلام جميل، والأصوات لخفيف الظل يونس شلبي والجميلة هالة فاخر.
أعتقد أن أحدًا من أبناء جيلي السبعينيات والثمانينيات لم يتأثر بالأفكار التي قدمت من خلال مسلسل "بوجي وطمطم"، وبهذه الكلمات التي حفرت في وجداننا وارتبطت بشهر رمضان وقدمها لنا المبدعان، رحمي وجاهين أو المخرج محمود رحمي والشاعر صلاح جاهين ولحنها إبراهيم رجب.
ولا يمر علينا الشهر الكريم إلا ونتذكر أعمالهما الخالدة التي أثرت في شخصياتنا، وأثرت حياتنا وقومت الكثير من سلوكياتنا اليومية كأطفال، وعرفتنا الكثير من تاريخنا وواقعنا، رغم أن البداية الحقيقية لبوجي وطمطم لم تكن في شهر رمضان.
"بوجى وطمطم" حكاية مصرية جميلة بطلها هو محمود رحمي، الفنان متعدد المواهب، الذي تشرفت بمعرفته في أواخر أيامه، وتشرفت بجلسات وحوارات معه في منزله، الذي هو الأتيليه والمكتبة الخاصة به وكل حياته تقريبًا بعد التلفزيون والمسرح.
فى لقائاتي معه أكتشفت فنانا كبيرا وموهبه فزة، يمتلك كل أدوات الإنتاج الفني من فكر وثقافة بعمق ووطنية لم تكن صدفة بالطبع، فهو وريث والده، أحد أبطال ثورة 19، الذي واجه حكمًا بالإعدام من الإنجليز، ثم خفف للسجن والغرامة، والده خريج السربون انتقل من محافظة المنيا ليقيم في الإسكندرية بعد ذلك لينشأ فيها “رحمي”، ويتعرف على المبدع أسامة أنور عكاشة، الذي يكتشف فيه شخصية النحات والرسام والمبدع، فينتقل معه للقاهرة وينضم لمسرح العرائس، ثم للتلفزيون المصري، فيبتكر لنا كل شخصيات عرائس الأطفال، والتي تزيد في مجملها عن مائتي شخصية من خلال برامج ومسرحيات الأطفال.
بدأ "رحمي" تقديم برامج الأطفال مع الإعلامية الراحلة سلوى حجازي، التي اغتالتها أيدي الغدر الصهيونية عام 1973 من خلال تفجير طائرتها المدنية أثناء عودتها من ليبيا الشقيقة.
ابتدع "رحمي" شخصيات "أرنوب" وقدمها عام 1964 مع سلوى حجازى، التي كانت شاعرة وكاتبة في الوقت ذاته، فكانت تكتب هي حكايات "أرنوب" ومعه أصدقاؤه فرفار وغزالة والنسر، ومعهم شخصية عمو قاموس، من خلال برنامج عصافير الجنة، ثم أضاف إليها شخصية بقلظ، التي استمر في تقديمها بعد رحيل سلوى حجازى مع الفنانة نجوى إبراهيم أو ماما نجوى منذ عام 1974.
وفى عام 1979 أخرج "رحمي" برنامج "حدوتة لتوتة"، وقدم شخصيات سمسم وتوتة، وفي كل حلقة يتحاور العم رحمي، الذي ظهر لأول مرة مع عرائسه على شاشة التلفزيون مع توتة أو سمسم حول أحد الأفعال الخاطئة، وفي النهاية يقص عليهما حكاية بعرائسه وبأدائه الصوتي كذلك.
واجه رحمي في هذه المرحلة صعوبات بسبب المقاطعة العربية لمصر، التي أعقبت توقيع معاهدة السلام مع العدو، فتوقف مشروعه في تقديم برامجه على الشاشات العربية باللغة العربية الفصحى.
لكن أخطر ما واجه مشروع "رحمي" هو استعانة التلفويون المصري بالبرامج الأجنبية، وأشهرها برنامج "المابيت شو"، الذي استفز رحمي وشعر بالقلق على الهوية المصرية من خلال التأثير على الأطفال، فابتكر شخصيات بوجي وطمطم بطابع مصري أصيل استهدف هو- كما أكد لي بنفسه- الحفاظ على الشخصية المصرية وهويتنا وعاداتنا من أي تأثير خارجي، وكانت الصدمة الثانية في استيراد التلفزيونن المصري برنامج "عالم سمسم"، الذي جاء بتوصية من هيئة المعونة الأمريكية عام 2000 وتوفي "رحمي" في العام التالي 2001 بعد ثلاث سنوات من إخراجه الجزء الأخير من بوجي وطمطم، الذي تعرض للعديد من الصدمات، منها الرحيل المبكر لصلاح جاهين عام 1986 واستعانة رحمي بابنه الشاعر بهاء جاهين،
رحل رحمي وفي قلبه حسرة على مشروعه بإنتاج قناة خاصة للأطفال التي لم ينفذها كما قال في آخر لقاء له بمستشفى قصر العينى الفرنساوى، الذي قضي فيه أيامه الأخيرة، ثم رحل في هدوء؛ ليجف نهر عطاء وطني ومخلص.