السينما المصرية فى تركيا «١- ٢»
انتشرت الدراما التركية فى الفضائيات العربية فى العقود الأخيرة، حتى خشى البعض أن يؤدى ذلك إلى تراجع الدور التاريخى للدراما المصرية فى المنطقة العربية.
وربما لا يعرف البعض أن هناك صفحات من التعاون والتاريخ المشترك، بل والتأثير والتأثر بين السينما المصرية والسينما التركية. ويعتبر المخرج والمنتج التركى وداد عرفى بداية مهمة فى هذا الشأن. وينحدر وداد عرفى من أسرة تركية عريقة، فهو حفيد الصدر الأعظم «رئيس الوزراء» العثمانى خليل رفعت باشا؛ إذ جاء وداد عرفى إلى مصر فى فترة مبكرة من عمره، ومن تاريخ كل من السينما التركية والسينما المصرية، فى منتصف العشرينيات من القرن العشرين. ولعب وداد عرفى دورًا مهمًا فى السينما المصرية، وكان صديقًا للعديد من الفنانين المصريين، لا سيما يوسف وهبى وعزيزة أمير. ولأهمية وداد عرفى سواء فى تاريخ السينما التركية أو السينما المصرية سنُفرِد له، قريبًا، دراسة خاصة مطولة اعتمادًا على المصادر المصرية والتركية.
وما نود الإشارة إليه هنا هو استقبال الفيلم المصرى فى تركيا، ومدى تأثر السينما التركية بالسينما المصرية، لا سيما فى الفترات المبكرة فى تاريخهما. ومن الدراسات التركية الحديثة المهمة فى هذا الشأن كتاب مراد أوزيلدريم عن وحدة الموسيقى العربية والتركية فى القرن العشرين، وترجمة رصينة من كل من ملاك دينيز أوزدمير ومراجعة من أحمد زكريا. ويؤكد الكاتب على مدى تأثير السينما المصرية فى مراحلها المبكرة، ليس فقط فى المنطقة العربية، بل فى الشرق الأوسط، قائلًا: «ظهر نجاح مصر الحقيقى الذى لا يُنسى فى صناعة السينما فى الشرق الأوسط، من خلال الأفلام الغنائية التى كانت تُطرِب وتُمتِع جميع شعوب الشرق الأوسط حتى الخمسينيات من القرن الماضى».
ويبدأ الكاتب خطواته فى تقصى استقبال السينما المصرية فى تركيا بقصة الممثلة المصرية الكبيرة عزيزة أمير واشتراكها بالتمثيل فى الفيلم التركى «شوارع إسطنبول» فى عام ١٩٣١. ويعتبر هذا الفيلم هو أول إنتاج مشترك للسينما التركية مع أجانب؛ إذ اشترك فيه ممثلون أتراك ومصريون ويونانيون، كما تحركت الكاميرا فى هذا الفيلم خارج إسطنبول، حيث تم تصوير بعض مشاهد الفيلم فى مصر واليونان.
ويعتبر هذا الفيلم بحق تعبيرًا عن مجتمع شرق المتوسط، وإمكانات التعاون المشترك، رغم أن العلاقات السياسية لم تكن فى أحسن حالاتها بين تركيا ومصر آنذاك.
كما يرصد الكاتب زيارات بعض كبار الفنانين الأتراك الاستديوهات المصرية آنذاك، وإعجابهم بها مثل ألتندغ سوزارى ومنير الدين سلجوق. وترتبت على ذلك بدايات عرض الأفلام المصرية فى دور السينما التركية، والرواج الواسع للفيلم المصرى فى أوساط المجتمع التركى. ويؤكد الكاتب على ذلك بإحصائية عن عدد الأفلام المعروضة فى تركيا بين عامى ١٩٣٨ و١٩٤٤؛ إذ وجد أنه قد عُرِض ١٧ فيلمًا تركيًا، و١٦ فيلمًا مصريًا فى دور السينما فى تركيا!
ويُفرِد الكاتب دراسة خاصة عن فيلم «دموع الحب» للمطرب الكبير محمد عبدالوهاب، واستقبال الفيلم عند عرضه فى تركيا؛ حيث احتشدت جموع كبيرة أمام دور العرض فى إسطنبول، وامتدت الطوابير أمتارًا طويلة «حتى كاد المحتشدون أن يطأ بعضهم بعضًا، بطريقة غير مسبوقة». وهو ما سنتناوله بالتفصيل فى المقال القادم.