عاصمة مصر
بقدر هجوم الإرهابيين على حدث ما أدرك مدى أهميته لمصر، وبقدر تركيزهم على صغائر الأمور وعلى قلب الحقائق أدرك أن ما يفعلونه جزء من جهد مخابراتى منظم وليس عفو الخاطر.. لم يكن غريبًا إذن أن تنطلق الكلاب الإلكترونية صباح أمس الأول فى ترديد لحن واحد نشاز عن أن القاهرة لم تعد عاصمة مصر! وهى أردأ كذبة يمكن أن يرددها هؤلاء الجهال.. ليس سرًا أن ذلك الغيظ يأتى على هامش الاحتفال المنضبط ببدء فترة رئاسية جديدة للرئيس السيسى فى المقر الجديد لمجلس النواب فى عاصمة مصر الإدارية الجديدة.. إن اسم العاصمة الإدارية الجديدة نفسه يكشف عن أنها ليست عاصمة لمصر، ولكنها المقر الإدارى لأجهزة الدولة المختلفة وأنها جزء من حدود محافظة القاهرة التى ينص الدستور على أنها عاصمة مصر السياسية.. أول أسباب غيظ لجان الإرهاب من العاصمة الإدارية أنها أصبحت حقيقة واقعة، بينما كان الإرهابيون يدعون أنها لن تكتمل وأنها حلم وهمى أو «فنكوش» على حد تعبير بعضهم، وثانى أسباب الغيظ أن العاصمة الإدارية خطوة كبيرة فى سبيل استعادة القاهرة مكانتها كمركز إقليمى اقتصادى وهى المكانة التى فقدتها بعد حريق القاهرة الذى أسهم فيه الإخوان بالفكر والتحريض والتنفيذ والذى لم تعد مصر بعده مثلما كانت قبله، ليس سرًا أن دولًا غنية فى المنطقة تتصارع حول أى دولة تكون مقرًا إقليميًا لكبرى الشركات العالمية فى الشرق الأوسط، وليس سرًا أن مصر بمكانها ومكانتها هى التى تستحق أن تكون مقرًا إقليميًا لشركات العالم فى الشرق الأوسط كما كانت منذ عشرات الأعوام قبل أن تنتصر أفكار الإرهاب والتطرف والعداء للعالم على يد تنظيم الإخوان وتأثيراته الفكرية المختلفة فى دوائر مهمة ومؤثرة، العاصمة الإدارية هى الخطوة الضرورية لعودة مصر تمامًا كما كانت القاهرة الخديوية خطوة ضرورية لبناء حى مال وأعمال عصرى يليق بجذب رءوس أموال عالمية.. ولا شك أن هذا يقتل لجان الإرهابيين ومن يمولهم غيظًا.. من سيل التفاهات التى تم نشرها اقتباس مأخوذ من رواية سوداوية منعدمة القيمة يتنبأ فيها المؤلف بأنهم سيتركون القاهرة القديمة تحترق ويذهبون لعاصمتهم.. والحقيقة أن هذه فكرة سوداوية لا تعدو كونها هراء خالصًا وترديدًا لأفكار متطرفة دينيًا ترتدى مسرح الحديث باسم الفقراء.. فالقاهرة القديمة تشهد أكبر عملية تطوير تمر بها منذ عقود، والقاهرة الفاطمية يتم تطويرها وبناء مراكز سياحية متعددة بها، وهو نفس ما ينطبق على مساجد آل البيت ومقابر الصحابة، وكل ما من شأنه رفع القيمة المعنوية للموروث المصرى، هذا فضلًا طبعًا عن إزالة العشوائيات الخطرة فى عشرات الأماكن التى كانت تلوث وجه القاهرة وتحرم سكانها من الحق فى حياة آدمية، وأنا أقول هذا عن خبرة يومية بشوارع القاهرة المعزية والمملوكية التى تحولت لمركز سياحى وتجارى منتعش خلال السنوات القليلة الماضية، ولا يعرف كثيرون أن هناك مشروع فندق على الطراز الإسلامى أمام جامع الحاكم بأمر الله تحت أسوار القاهرة القديمة بهدف استيعاب السياحة الروحية والتاريخية وزيادة عدد الغرف الفندقية، وهناك طبعًا عشرات المشاريع الأخرى فى هذا السياق.. لا يعنى هذا أنه ليست هناك أخطاء تستدعى تعديلًا حكوميًا ومنهجًا اقتصاديًا مختلفًا كما تعهد الرئيس، ولكن هذا شىء وتشويه ما تحقق على الأرض شىء مختلف تمامًا.. ترهات الذباب الإلكترونى بالنسبة لى دليل على أننا نسير فى الطريق الصحيح، وللإخوان أن يموتوا بغيظهم.