«بدون سابق إنذار».. المتعة على الشاشة
منذ عرض فيلم «سهر الليالى» فى العام ٢٠٠٣ وتصدره قوائم الأفلام الأكثر عصرية وجرأة فى هذه الحقبة، والأكثر جدية من بينها، حيث يتميز بالغوص فى النفس البشرية والتنقيب عن دفائنها غير المعلنة، كعملية تشريح على مهل لتظهر الكنوز وتطفو على السطح، وبعد غياب ١٢ عامًا يعود هانى خليفة لتشريح الأنفس بفيلم «سكر مر» ٢٠١٥. ومن بعدها اتجه هانى خليفة إلى الدراما التليفزيونية فى عدة أعمال ناجحة ومؤثرة، مثل مسلسلات «فوق مستوى الشبهات» ٢٠١٦، و«الحساب يجمع» ٢٠١٧، «ليالى أوجينى» ٢٠١٨، حيث يعد هذا العمل هو آخر أعماله الرمضانية تتخللها مسلسلات خارج الموسم، مثل «الليلة وما فيها» ٢٠٢٢، حتى عاد مجددًا فى رمضان ٢٠٢٤ بمسلسل يحمل عنوانًا لائقًا لأحداثه الصادمة التى لم يسبق إنذار لها قبل حدوثها.
يلقى المسلسل المعروض على منصة واتش إت الضوء على موضوع شائك يعد من اهتمامات الأسر العصرية، وهو تحليل الحمض النووى DNA، وإثبات النسب الذى كان من المستحيل إثباته قبل أعوام قليلة، حيث اعتاد العلماء استخدام الكشف عن الحمض النووى فى أوائل التسعينيات على مومياوات المصريين القدماء حتى تم اعتماده كحقيقة لا شك فيها. العمل يدور حول ليلى «عائشة بن أحمد» التى تشكو إهمال مروان زوجها «آسر ياسين» وتعاتبه لعدة مواقف مختلفة، هى فى الأصل مشكلات عائلية منتشرة ومتعارف عليها بين العائلات فى شتى بقاع الأرض، وليس هناك داع إلى اللجوء لمستشار فى العلاقات الزوجية كما فعلت الزوجة، حتى تباغتنا أولى المفاجآت وهى مرض ابنهما الصغير الذى لا يتجاوز الثامنة من عمره، حيث يتناسيان فكرة الانفصال من أجل مواجهة مرض ابنهما، ويمنحان لنفسيهما فرصة التصالح، تتهادى الأنفاس ونظن أن الحدوتة سوف تستمر دون خلافات وفى انتظار القادم، لكنه لم يحدث، إنما يشب الشك فى قلب مروان بعد معرفته بنتائج التحاليل فى أن الابن المريض غير متطابق جينيًا معه، لتلحق به ليلى فى تحليل «DNA» آخر لنفسها مقارنة بالطفل، لتكون المفاجأة فى عدم تطابقها معه أيضًا، وكل هذه المفاجآت المتتالية فى خلال الحلقات الأولى من المسلسل البالغ ١٥ حلقة.
فكيف تسير الأمور فيما بعد معرفتهما أن الطفل الذى يمكث حاليًا بين يدى الله فى المشفى ليس ابنهما، وما يترتب عليه من ردود أفعال شديدة العواقب.
لا شك فى أن فكرة المسلسل جاذبة وتختلف عن إذا كانت تدور حول زوجين لديهما طفل مصاب باللوكيميا ومشاهد من أحداث حول هذا النطاق فى تصوير معاناة الأبوين من أجل طفلهما، لكن فى «مسلسل بدون سابق إنذار» يعانيان من أجل طفل ليس ابنهما، ومن هذا المنطلق الإنسانى البحت نراقب الصراع النفسى الدائر فيما بينهما وفيما بين نفسيهما، وذلك من خلال سيناريو يسير بتمهل دون إسراع فى الحدث أو المبالغة رغم تعاقب المفاجآت كما ذكرنا، من الممكن تصنيفه على أنه متصاعد الإيقاع والصراع، متدرج كترمومتر تعلو حرارته فى معدلات مدروسة، وهذا الإيقاع المنضبط من تأليف عمار صبرى وكريم الدليل وسمر طاهر، والمعالجة الدرامية والقصة الفنانة السورية «ألما كفارنة» ومعالجة سيناريو «عمرو الدالى»، هنا ننظر لهذا الكم من المبدعين المشاركين فى الكتابة فلا نتعجب من مدى تماسك السيناريو والأحداث. فى «بدون سابق إنذار» يغزل خالد الكمار بألحانه الرائقة أجواء خاصة مناسبة للمشاهد كجزء لا يتجزأ من العمل الدرامى، برغم أنها تقنية فنية فإن تأثيرها العاطفى على الشخصيات يجعل منها أحد الأبطال المهمين، الكمار هو أول موسيقى مصرى يحصل على Hollywood Music in Media Award، وذلك عن موسيقى مسلسل «قابيل» إنتاج ٢٠١٩. فريق التمثيل مبدع الأداء، خاصة إذا كان التوجيه من مخرج مثل هانى خليفة، من التونسية عائشة بن أحمد وآسر ياسين كنجمين لهما ثقلهما نجحا بجدارة فى أداء دوريهما كأبوين منكوبين يصارعان شتى المشاعر المتاحة، بالإضافة إلى باقى فريق التمثيل من الأطفال والأجداد، ياسر على ماهر ونهلة عنبر لعبا دوريهما بحرفية. ونشكر روح الكاتبة أنيسة عصام التى ناضلت مع المرض اللعين صاحبة كتاب «بدون سابق إنذار» الكاتبة والسياسية ونائبة مجلس الشيوخ، كما شغلت منصب المدير التنفيذى لمؤسسة مجدى يعقوب لأمراض وأبحاث القلب، كانت امرأة استثنائية وتم اختيارها من أقوى ١٠٠ امرأة عربية على مستوى العالم.