السيد أحمد خان
مَن منا يعرف من هو السيد أحمد خان؟ أزعم أن الأكثرية لا تعرف شيئًا عن هذه الشخصية الشهيرة فى عالم الإصلاح الإسلامى وتجديد الخطاب الدينى. وربما لا يعرفه أغلب المتخصصين فى الخطاب الدينى فى عالمنا العربى، لأننا- للأسف الشديد- نركز أنظارنا على تجربة الإصلاح الدينى فى المنطقة العربية، ولا نلتفت كثيرًا إلى تجارب الإصلاح خارج عالمنا العربى. من هنا أدعو إلى إعادة النظر ودراسة مشاريع الإصلاح خارج عالمنا العربى، لا سيما فى الحالة الهندية. وعندما أتحدث هنا عن الهند، فأنا أتحدث عن الهند الكبرى، الهند التاريخية، قبل أن يحدث هذا الانقسام الخطير فى عام ١٩٤٧ على أساس دينى، لتنقسم شبه القارة الهندية إلى الهند وباكستان. وعُرِفت باكستان بهذا الاسم الذى ترجمته «الأرض الطاهرة» أى أرض المسلمين، مع استمرار عشرات الملايين من المسلمين فى الهند حتى الآن. وحتى لا ننجرف إلى التفسير الدينى لانقسام الهند التاريخية، فعلينا أن نتذكر أنه سرعان ما دب الانقسام من جديد فى الباكستان، لكن الانقسام هذه المرة كان على أساس عرقى؛ إذ انفصلت الباكستان الشرقية تحت اسم بنجلاديش فى عام ١٩٧١.
عودة مرة أخرى إلى تجربة الإصلاح الدينى فى تجربة الهند التاريخية، هذه الهند التى كان عدد المسلمين فيها يفوق عدد سكان العالم العربى جميعًا، ومع ذلك لا تحظى هذه التجربة بالاهتمام فى منطقتنا العربية؛ إذ ينحصر جلّ اهتمامنا على مشاريع الإصلاح فى عالمنا العربى. يعتبر السيد أحمد خان من أهم دعاة الإصلاح الدينى فى الهند فى القرن التاسع عشر؛ إذ وُلِد فى عام ١٨١٧ وتوفى فى عام ١٨٩٨. ومن الدراسات المبكرة والمهمة فى المكتبة العربية عن أحمد خان، الدراسة التى قدمها العلامة أحمد أمين فى كتابه الفريد «زعماء الإصلاح فى العصر الحديث» الذى صدر فى القاهرة فى عام ١٩٤٨.
ويقارن أحمد أمين بين المشروع الإصلاحى عند أحمد خان فى الهند ومثيله عند الإمام محمد عبده فى مصر، قائلًا: «هو- أحمد خان- فى الهند أشبه شىء بالشيخ محمد عبده فى مصر بعد مفارقته للسيد جمال الدين الأفغانى وعودته من نفيه، الإصلاح عندهما إصلاح العقلية بالتثقيف والتهذيب والنظر إلى الدين نظرة سماحة ويسر، والاستقلال- استقلال الوطن- يأتى بعد ذلك تبعًا، فالاستقلال ليس لجاهل ولا مخرِّف، إنما عماد الاستقلال العلم، العلم بالدنيا وبالدين.. ذلك كله إلى دين يحيى القلب ولا يقيد العقل، ويغذى النفس، ولا يشل التفكير، والإسلام إذا فهم على أصوله كفيل بذلك».
ومثلما كانت حياة الإمام محمد عبده فى مصر متقلبة، وهاجمه البعض، وطعن فى مشروعه الإصلاحى، عانى السيد أحمد خان الشىء نفسه فى الهند. وكما اتُّهِم محمد عبده بمهادنة الإنجليز بعد فشل الثورة العرابية فى عام ١٨٨٢، وُجِّهَت التهمة نفسها إلى السيد أحمد خان بعد فشل الثورة الهندية فى عام ١٨٥٧. وسنستعرض فى المقال المقبل أهم ملامح المشروع الإصلاحى للسيد أحمد خان فى تجديد الخطاب الدينى وفى التعليم، وفى انحيازه للمشروع الإصلاحى بديلًا عن المشروع الثورى الذى كانت تميل إليه أغلبية مسلمى الهند آنذاك.