فارس المنابر.. تلامذة د. أحمد عمر هاشم: فنَّد شبهات التيارات المتشددة
هو خطيب بارع تهز كلماته القلوب، كرّس حياته للدراسة وتحصيل العلوم، وتدرج فى المناصب العلمية، وأصبح أحد كبار علماء الدين فى الأزهر الشريف، وصارت مناهجه وعلومه مصدرًا للطلبة والدارسين.
إنه الشيخ الدكتور أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، الذى أخرج للمكتبة الدينية العشرات من المؤلفات النفيسة فى مجالات العلوم الدينية المختلفة، وكان له حضور بالغ على المستوى الدعوى خلال العقود الماضية.
عن مدرسته العلمية والدعوية، حاورت «الدستور» عددًا من العلماء وتلامذته الذين تربوا على يديه وتعلموا من منهجه الفكرى والدعوى.
نظير عياد: يشد انتباهك من أول لحظة.. ويتحدث بلسان مبين عذب
قال الدكتور نظير عياد، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن الدكتور أحمد عمر هاشم تتلمذ على أيدى مجموعة كبيرة من أعلام العصر، الذين أثروا فى مسيرته العلمية، فى مقدمتهم بالطبع والده الشيخ عمر هاشم، وكان أكثرهم تأثيرًا فيه، بحرصه على تنشئته التنشئة الصالحة وتوجيهه إلى طريق العلم.
وأضاف أن من هؤلاء الأعلام، أيضًا الشيخ محمود أبوهاشم، والشيخ الدكتور الحسينى عبدالمجيد هاشم، والدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق، والدكتور محمد فتح الله بدران، والشيخ سيد سابق، والشيخ محمد أبوزهرة، والدكتور عبدالعال أحمد عبدالعال، والدكتور عبدالوهاب عبداللطيف، والدكتور محمود عبدالغفار، والدكتور محمود أبوالعيون.
وفى أثناء وجوده بمكة المكرمة، تتلمذ على يد عالم مكة المسند الكبير الشيخ محمد ياسين الفادانى، كما أخذ إجازة فى رواية الحديث عن السيد محمد علوى المالكى.
وتابع: «كانت له صلات وطيدة مع كثير من العلماء والمثقفين والدعاة، ومنهم الشيخ جاد الحق على جاد الحق، والشيخ محمد متولى الشعراوى، والشيخ محمد الغزالى، وخالد محمد خالد، وغيرهم».
وأكمل: «يمتلك الدكتور أحمد عمر هاشم حيوية ووقارًا وجلالًا يشد انتباهك من أول لحظة، ويمتلك أدواته، ويصل إلى هدفه من أقرب الطرق بلسان على مبين طلق عذب، مطعم بروحانيات تأخذ بلب مستمعيه ومشاهديه، وبتمكن لا يختلف عليه اثنان».
وأردف: «تتلمذ على يد الدكتور أحمد عمر هاشم الكثير من طلبة العلم فى مصر والعالم الإسلامى، وأشرف على عدد كبير من رسائل الماجستير والدكتوراه، منهم عدد من العلماء النجباء، ممن يشهدون له بالفضل والمكانة».
وأضاف أن «هاشم» برع فى أن يكون متحدثًا لبقًا، مدافعًا عن الإسلام ومبادئه وقيمه؛ حيث نبغ نبوغًا كبيرًا فى الحديث الشريف وعلوم السُنة المشرفة، فبذل جهودًا متواصلة، تأليفًا وتحقيقًا وجمعًا ودراسة، فى خدمة هذا التخصص المهم رواية ودراية، وصنعة وفقهًا، وتصحيحًا وتضعيفًا، وتأريخًا وبيانًا للحقائق، ودفعًا للشبهات التى شاعت من المستشرقين والتيارات المتشددة، من أجل إقناع العقول بهداية السُنة الشريفة وأنوارها.
وأضاف: «عمل على غرس محبة للسنة وصاحبها، صلى الله عليه وسلم، فى النفوس والقلوب، من خلال بيان الأدلة التاريخية والعملية فى السنة النبوية المشرفة»، متابعًا أنه يمتلك رصانته العلمية فى دراساته الأكاديمية والثقافية وأحاديثه الإذاعية، وخطبه المنبرية، ويظهر ذلك فى فهمه كتب التراث ومعرفة طرائقها ومناهجها، والإلمام بالواقع ومقتضيات العصر، واستطاع بأسلوبه المعاصر الإقناع والتحقيق بطريقة حسنة مقبولة عند الجماهير خاصة وعامة قولًا وعملًا».
إبراهيم العشماوى: يوازن بين العقل والنقل وتربى عند «أهل الله»
أشار الدكتور محمد إبراهيم العشماوى، أستاذ الحديث الشريف وعلومه فى جامعة الأزهر الشريف، إلى أن الدكتور أحمد عمر هاشم يعد واحدًا من العلماء المتفردين فى أخلاقهم، فهو «هاشمى الأخلاق»، ويتحلى بالأدب الجم والتواضع الشديد والسماحة وبشاشة الوجه والخدمة للناس وحب الخير لهم.
وأضاف: «هذه كلها صفات لاحظها كل من تعامل معه، سواء كانوا من أهل العلم أو من غيرهم، وشخصيًا لمست هذه الأخلاق فى شيخنا، لأنه كان مناقشًا لى فى رسالة الدكتوراه، فضلًا عن ذلك فإن الرجل يتحلى بالوطنية الشديدة، كما يتحلى بحرصه على المصلحة العامة للبلاد». وأضاف: «المدرسة العلمية لأحمد عمر هاشم لا تخرج عن المنهج الأزهرى العتيق، الذى يقوم على التوازن بين العقل والنقل، والرواية والدراية، والتعقل لمعانى النصوص ورعاية المقاصد الشرعية، وهو يمتاز فى مدرسته العلمية بتقريب علم الحديث إلى العامة بأسلوب سهل وميسر؛ لأن علم الحديث من العلوم شديدة الخصوصية، وهو قد جعل لعلم الحديث من الشيوع عند العامة مثلما جعل الشيخ محمد متولى الشعراوى لعلم التفسير من الشيوع والذيوع عند العامة؛ وذلك لأنه خطيب بارع متمكن من ناصية الكلام، فضلًا عن نبوغه الشديد وذكائه وحكمته، وتمكنه فى العلم واللغة».
وتابع: «شيخنا أنتج العديد من الرسائل العلمية، وأبرز مؤلفاته شرح صحيح البخارى، وهذا أمر لا يتقدم له إلا فحول العلماء، وقد قدم فيه شرحًا عصريًا يناسب عقول الناس، بعيدًا عن اللغة التراثية المعقدة».
واستطرد: «فضلًا عن ذلك، قدم الشيخ برنامج (منهاج السنة النبوية) على إذاعة القرآن الكريم، وكان يشرح فيه الأحاديث النبوية بطريقة عصرية، وبإسقاط على الواقع، فضلًا عن خطبه الرنانة فى المناسبات الدينية المختلفة، التى تدور حول محبة النبى وآل بيته، وإعلاء قيم المواطنة ومصلحة الوطن».
وأوضح «العشماوى» أن سبب تميز الدكتور أحمد عمر هاشم هو تربيته عند أهل الله، فى بيت الدكتور محمود أبوهاشم، وحبه كتاب الله، وحبه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كما أن المولى، عز وجل، كتب له القبول، وكتب له تدفقًا روحيًا خاصًا بالعلماء الذين تصوفوا وسلكوا طريق الله، ما جعل خطبه، رغم أنها مليئة بالبلاغة والشعر، محبوبة ومحفوظة من العامة.
محمد عزت: يرى الصوفية جوهر الإسلام وثمرة عباداته
تحدث الدكتور محمد عزت عن الجانب الصوفى وقال إن «هاشم» من أهم الرموز الصوفية، حيث يرى أن التصوف الإسلامى فى حقيقته لب الإسلام وثمرة عباداته، وهو عاشق تراب البلد، ودائمًا ما يؤكد أن حفظ مصر وأمنها مضمون ليوم القيامة.
وقال: «صوته يصدح بأبيات فى حب النبى، صلى الله عليه وسلم، ووصف بفارس المنابر مناديًا وداعيًا للالتزام بسنة النبى، صلى الله عليه سلم، فهو خطيب لا يشق له غبار، ولا يباريه أحد فى فن الخطابة وروعة الإلقاء (عاشق للنبى)، ومن كبار علماء الحديث ومقبول فى زمانه ولدى العامة والرؤساء والملوك والساسة، عرف وتميز بقصائده الكثيرة فى مدح النبى، عليه الصلاة والسلام، أثرى بعلمه ومؤلفاته المكتبة الإسلامية، وانتفع به الكثير من طلبه العلم فى ربوع الأرض.
وغمر السلام مؤلفاته وحثت أحاديثه على التعايش السلمى وقبول الآخر، كما ناهض التطرف وتحدث عن الوطنية كى يرسخ فى أذهان النشء والعامة قيمتها التى يجب على الإنسان أن يتمسك بها».
وأضاف أن «هاشم» اعتنى بالجانب الروحى وبالعبادات والالتجاء إلى الله عز وجل، والتوجه إليه بالدعاء وتوثيق الصلة بالله ورقابته فى السر والعلانية وتواصل الرعاية بالبدن والروح والتوازن بينهما، بحيث يطغى جانب الجسد والمادة على الروح ولا يطغى جانب الروح على الجسد بل يكون الاتفاق فى الوسط وهو الاعتدال بين متطلبات الجانبين.
أحمد على سليمان: عشق الأزهر الشريف ورسخ حياته لنشر علومه وفنونه
أوضح الدكتور أحمد على سليمان، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، أن المولى عز وجل، وهب الأمة الإسلامية، عبر تاريخها المديد، عددًا من العلماء المجددين المصلحين، الذين تركوا بصماتهم غائرة فى عمق النفس وميادين الحياة، ومن ضمنهم أحمد عمر هاشم، كبير محدثى العصر الحديث، الذى يُعد منارة سامقة شاهقة فى تاريخ الأزهر، والفكر الإسلامى، والدعوة فى العصر الحديث.
وأضاف: «نفحه الله تعالى فى بواكير حياته نفحات من أنوار القرآن العظيم، وأنوار سُنة المختار صلى الله عليه وآله وسلم، فصار منجمًا من مناجم الفكر والعطاء والتأثير، وقد عشق الأزهر الشريف وقضى عمره فى رحابه ينشر علومه وفنونه، وينثر فكره، ويرسخ رحابة منهجه الربانى فى العالمين بسلوكه الجميل، وبكلامه المبين».
وأكمل: «على الرغم من عمره المديد المجيد، فإنه حاضر فى المحافل لا يغيب، ضاربًا أروع الأمثلة فى القوة والصبر والعزيمة والإصرار، ولسان حاله يقول: (إن الشباب ليس شباب السن، ولكنه شباب الروح)».
وتابع: «له منهج جامع فى الدعوة إلى الله، ارتكز على مشكاوات القرآن العظيم، والسُنة الشريفة، ومناهل المحبة والعرفان المنبثقة من محبة أولياء الله ومجاورتهم، فيأخذك بسرعة البرق إلى الله تعالى، وينقلك إلى سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وإلى أصحابه ولكأنك معهم، بنبرته الفريدة- التى تَعَلَّم منها عشرات الآلاف من الدعاة- وبصوته الحانى البانى، وإشارته وإيماءاته التى تملأ الروح أُنسًا وأمنًا وأمانًا وإيمانًا، فيأخذ بتلابيب الفؤاد إلى عوالم المحبة والقرب من الله».
وواصل: «ظلَّ طوال حياته على نهج أولياء الله، جابرًا للخواطر، رحيمًا، عطوفًا، محافظًا على اسمه ووسمه ورسمه، عاشقًا لتراب الوطن الغالى الذى باركه الله صراحة وكناية فى قرآنه العظيم، داعمًا لمكوناته ولُحمته، محبًّا لخلق الله، وعباد الله وبلاد الله، محافظًا على خطاب التواصل، مخاصمًا وبشدة خطاب التقاطع».
عبدالمنعم فؤاد: إحدى المدارس الأزهرية التى جمعت بين الأصالة والمعاصرة
وصف الدكتور عبدالمنعم فؤاد، المشرف العام على الأروقة فى الجامع الأزهر، الدكتور أحمد عمر هاشم بأنه «مدرسة من المدارس الأزهرية»، التى لها وقع فى قلوب الشباب، قائلًا: «هو أستاذ فى علم الحديث ومحاضر ومعلم وعضو هيئة كبار العلماء، ومؤلفاته معروفة، ودفاعه عن السُنة شىء لا يخفى على أحد، لذا يحبه الشباب حبًا شديدًا، ويقبلون على محاضراته».
وأضاف: «هذا الشيخ العالم التقى أعطاه الله بسطة فى العمر والعلم والجسم، فوهب نفسه للدفاع عن السنة المطهرة، ودائمًا يقول: (أنا خادم السُنة)، لذا رأى فيه الشباب الشيخ الورع فأحبوه، وهكذا تكون صفات العلماء». وتابع: «إذا كان هناك إخلاص فى طرح العلم وتحصيله، فإن الله يحبب خلقه فى هؤلاء المخلصين، والعلماء كما نقول هم ورثة الأنبياء، فما بالنا إذا كان الحديث عن عالم يخدم سنة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وله باع طويل فى ذلك لا يخفى على أحد».
واستطرد: «مدرسة الدكتور أحمد عمر هاشم تجمع بين الأصالة والمعاصرة، وهو يتحدث عن النبى حتى يحفظ المسلمين من الوقوع فى غير الحق، ويبعدهم قدر المستطاع عن أهل السوء، كما أنه يدفع الشبهات عن السُنة المطهرة وعن الإسلام، ويقدمه فى صورة حضارية، كما وردت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بهدف جعل الشباب يقبلون على كتاب الله وسنة رسوله، لتحقيق الأمن الفكرى والعقدى والاجتماعى، بل والوطنى أيضًا، فإذا ما كان الشاب على بصيرة من دينه الذى يدعو إلى السلم والسلام والأمن والأمان والمحافظة على الأوطان، فإنه سيلتزم بذلك التزامًا جيدًا، لأنه يعلم أن الله سيجازيه على ذلك». وأردف: الدكتور أحمد عمر هاشم هو عالم يطلب العلم من المهد إلى اللحد، فقد علمنا القرآن الكريم، وعلمنا أن ناخذ العلم بقوة وتعب وإرهاق، حتى يكون ذلك فى ميزان حسناتنا، مستشهدًا بقوله تعالى: «يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ»، مؤكدًا أن تحصيل العلم ليس بهين، وأن تبليغ العلم أمانة، فإن المولى، سبحانه وتعالى، قال لرسوله «بلغ ما أنزل إليك من ربك»، وقد حمل هذا التبليغ إلى علماء الأمة، وهو ما علمه شيخنا جيدًا لأنه أستاذ فى علم الحديث. وأكد «فؤاد» أن الحضور الجماهيرى للشيخ أحمد عمر هاشم هو حضور مهم ومفيد للشباب الآن، فى ظل حاجتهم لمن يوضح لهم أمور دينهم، وضآلة نسبة تعليم الدين والثقافة فى المدارس والجامعات ما نتجت عنه خفة دينية وثقافية، موضحًا أن الشيخ الجليل لم يترك الساحة لمن «يرتدون أثواب العلماء»، والذين سيلجأ لهم الشباب إذا لم يجدوا من يوضح لهم أمر دينهم، فيأخذون علومهم ممن لا يعرف أحد هويتهم الدينية، بعد أن اختلط الحابل بالنابل.