الإفتاء.. رسالة وأمانة
حبانا الله سبحانه وتعالى بأحد العلماء الأجلاء الذين حملوا رسالة الإفتاء – ويا لها من رسالة لو تعلمون – على عاتقه متحملًا مسئولية تجاوزت حدود الدولة المصرية الى دور وهيئات الإفتاء فى العالم.. إنه فضيلة الأستاذ الدكتور شوقى علام الذى تم انتخابه فى 11 فبراير 2013 فى اقتراع سرى بمنصب مفتى الديار المصرية وذلك خلال اجتماع هيئة كبار علماء الأزهر ليكون أول مفتى منتخب بعد تعديلات قانون الأزهر.. وفى 2015/12/15 تم انتخابه رئيسًا للمجلس الأعلى لدور وهيئات الإفتاء فى العالم نظرًا لمكانته العلمية وثقله الدولى.
ومنذ تولى فضيلة المفتى هذه المسئولية بذل جهودًا كبيرة لتحويل قاعدة العمل بدار الإفتاء من الأفراد إلى العمل المؤسسى فأصبحت مؤسسة رائدة ذات مرجعية فقهية إسلامية وسطية رائدة فى صناعة الفتوى والعلوم الشرعية يلجأ إليها الأفراد والمؤسسات محليًا وإقليميًا وعالميًا.. ونجحت فى أن تقدم خطابًا علميًا رصينًا وأمينًا نسجته من خلال الفهم الصحيح والإدراك العميق لمعطيات الواقع المعيش فيه ومقاصد وغايات الفقه الصحيح.. وانطلق علماء الدار بتوجيه من فضيلة المفتى إلى مختلف بلدان العالم ينشرون صحيح الدين ويواجهون الأفكار المتطرفة ويمدون يد العون والدعم للمسلمين بل والتواصل والحوار مع غير المسلمين وفتح آفاق التعاون والتآلف والتعايش بين أبناء الحضارات والأمم المختلفة.. بيد أن هناك أمانة أخرى قد حملها فضيلة المفتى على عاتقه شخصيًا بكل قوة وأمانة وإخلاص، ألا وهى مسئولية مواجهة الأفكار المتطرفة والتصدى لها وإعادة الوعى والتنوير لشعوب العالم قاطبة وهى رسالة بذل فيها فضيلته من الجهد والمشقة، بل والمحاربة من أهل الشر جهودًا تنوء بها الجبال، ولكنه اعتبرها مسئولية دينية وأمانة وطنية أمام الله سبحانه وتعالى ثم أمام المسلمين وأيضًا غير المسلمين فى جميع أنحاء العالم.
فى بداية عهد فضيلته أنشأ مرصد الفتاوى التكفيرى والآراء المتشددة عام 2014 وتطور حتى أصبح مركز سلام لدراسات التطرف والإرهاب الذى يعمل تحت إشراف الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، ويرتكز على أسس علمية رصينة فى تعميق المناقشات العامة والأكاديمية والدينية المتعلقة لقضايا التشدد الدينى.. كما تم إصدار العديد من الدراسات والمراجع باللغتين العربية والإنجليزية، من أهمها الدليل المرجعى لمواجهة التطرف والذى وضعته دار الإفتاء المصرية، ويقع من حيث الوصف فى أكثر من ألف صفحة وقد استغرق إعداده عدة سنوات، تناول فيها الحالة الداعشية، فضلًا عن الواقع المصرى الذى أعقب حكم الإخوان عندما أخذت تلك الجماعة الإرهابية تعيث فى الأرض فسادًا وفق أفكارهم الضالة، حيث تم التأكيد فى هذا المرجع على أن هناك صلات متشابكة بين جماعة الإخوان وبين التنظيمات المتطرفة، وأن جميع الأفكار الواردة فى كتبهم يوجد هذا الرابط القوى بينهم.
لم يقتصر دور فضيلة الدكتور شوقى علام على تلك الجهود التى يبذلها سواء فى مجال الفتاوى الشرعية والدينية أو فى مجال مواجهة الفكر المتطرف داخل البلاد، بل امتدت مسئوليته إلى العالمية وذلك عندما تم انتخابه رئيسًا للمجلس الأعلى لدور الإفتاء على مستوى العالم والذى يضم حاليًا 84 دولة تخضع لإشرافه مباشرة، وتقوم بمناقشة القضايا المعاصرة فى هذه الدول وتعقد اجتماعًا سنويًا يحضره ممثلو تلك الدول للاستفادة والاستزادة من علماء الدين فى مصر، وعلى رأسهم فضيلة المفتى الذى لا يألوا أى جهد فى التواصل الدينى والإفتائى تأكيدًا على الريادة المصرية فى هذا المجال، ومن هذا المنطلق فقد قام فضيلته بالعديد من الجولات والزيارات الخارجية، كان من أهمها تلك الجلسة التاريخية التى ألقى فيها كلمة أمام هيئة الأمم المتحدة فى جنييف تحدث فيها عن صحيح الدين الإسلامى والتصدى لظاهرة الإسلاموفوبيا التى تسود المجتمع الغربى مؤكدًا على سماحة الدين الإسلامى وعلى رفضه لكافة أشكال العنف وأن التطرف أو الإرهاب لا يجب أن يقترن بالدين الإسلامى فهناك جماعات متطرفة لا تعتنق أى دين وأن التطرف قد يكون تطرفًا عنصريًا أو مسلكيًا أو نفسيًا.. وقد حققت تلك الزيارة نجاحًا كبيرًا فى عرض صورة إيجابية لصحيح الإسلام ومسلكيات المسلمين.
السرد والعرض يطول حول دار الإفتاء والدور الذى تقوم به فى مجال الإفتاء والتوعيه والتصدى للأفكار الهدامة ودعم الدولة المصرية وأيضًا مساندة القضية الفلسطينية، وذلك من خلال أبناء دار الإفتاء من العلماء الأجلاء سواء من خلال الحوارات المباشرة أو الندوات والدورات التدريبية، وكذلك من خلال الاستعانة بوسائل التواصل الاجتماعى، حيث قام بالعديد من الحملات الإلكترونية التى حظيت بتفاعل كبير من قبل المتابعين لها، ومن أبرز هذه الحملات حملة «معركة وعى» لمواجهة الأفكار المتشددة والمتطرفة، والتى تفاعل معها ما يزيد على 17 مليون شخص.. وفى إطار الاستجابة للمستجدات وحتى تكون دار الإفتاء أكثر التصاقًا بالواقع وقضايا المجتمع فقد تم استحداث إدارة جديدة باسم «نبض الشارع» تختص برصد وتحليل ما يشغل المجتمع فى مصر وخارجها من قضايا ومسائل تحتاج إلى بيان الرأى الشرعى بها وفق خطاب إفتائى قائم على منهجية علمية منضبطة وإدراك للواقع بشكل كامل من أجل بناء الوعى والإرشاد الصحيح.
وها هو فضيلة المفتى وقد عاد من مؤتمر «بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية» الذى عقد بمكة المكرمة والذى فتح فيه الباب لمدارسة أوجه الاختلاف بين المذاهب الإسلامية، حيث أكد أن الاختلاف فى الرأى والفكر واقع لا محالة، وهو سنة الله فى خلقه نتيجة لاختلاف الأفهام واللغات ومنطق التفكير ومناهج الاستنباط، وإنه من الواجب علينا احترام هذا الاختلاف وتقبله والتعايش معه والإقرار بوجوده والإقرار أيضًا بتعذر جميع الناس على رأى واحد ومذهب واحد خاصة إذا كان هذا الاختلاف لم يقع عن جهل أو عصبية أو عن هوى وإنما وقع عن اجتهاد رصين من أئمة مجتهدين راسخين فى العلم، ولكن هذا الاختلاف فى الاجتهاد لا يمنع أبدًا من استمرار المودة والمحبة الثابتة بالإسلام والحث على جمع الشمل والعمل على خدمة أمة الإسلام رغم وجود هذا الاختلاف لأن الأمور التى يصلح فيها التعاون والاجتماع أكبر بكثير من أوجه الاختلاف.
وعودًا إلى بدء.. فإن ما تقوم به دار الإفتاء المصرية هو بالفعل رسالة دينية وأخلاقية ووطنية يقوم بحملها بكل أمانة وشرف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه يقودهم عالم جليل جدير بحمل هذه الرسالة وتلك الأمانة وهو فضيلة الأستاذ الدكتور/ شوقى علام.