بوتين مستمر
بنسبة مشاركة، غير مسبوقة، زادت على ٧٧٪، فاز الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بولاية خامسة نظريًا، وسادسة واقعيًا، وقد لا تكون الأخيرة، بعد أن أتاح له تعديل دستورى، جرى سنة ٢٠٢٠، إمكانية الترشح فى انتخابات ٢٠٣٠. ولم يكن غريبًا إعلان إيلا بامفيلوفا، رئيسة لجنة الانتخابات المركزية الروسية، عن تعرض موقع اللجنة لأكثر من ١٢ مليون هجمة إلكترونية. كما لم يكن مفاجئًا أن يشهد أسبوع الانتخابات محاولات أوكرانية مستميتة، للتوغّل فى الأراضى الروسية.
فى ديسمبر الماضى، حذّر الرئيس الروسى من «التدخل الأجنبى» فى هذه الانتخابات، وتعهد برد حازم، كما ندد بـ«محاولات تدخل» منظمات غير حكومية أمريكية فى شئون روسيا الداخلية. ومنذ أيام، دعا مواطنيه إلى «التصويت بقوة»، مؤكدًا أن «مصير روسيا لا يحدده إلا الروس». والجمعة الماضى، قال إن النظام الأوكرانى يحاول تعطيل عملية التصويت عبر محاولاته استهداف مناطق روسية وإرهاب المدنيين والتسلل إلى أراضى البلاد، مهددًا بأن هذه المحاولات لن تمر دون عقاب. وبين ذلك التحذير وهذا التهديد، قال «بوتين»، فى حوار مع القناة الروسية الأولى، الأربعاء الماضى، إن الدول الغربية اعتادت على «مصّ دماء الدول الأخرى»، مؤكدًا أن «حفل مصاصى الدماء» أوشك على الانتهاء.
الانتخابات الرئاسية الروسية الثامنة منذ تفكك الاتحاد السوفييتى، جرت بحضور نحو ٣٠٠ ألف مراقب، من بينهم ٧٠٠ يمثلون منظمات دولية، وتنافس فيها الرئيس بوتين مستقلًا، مع ثلاثة مرشحين حزبيين، وحصل على نحو ٨٧٪ من الأصوات. وكالعادة، استبقت وسائل الإعلام الغربية النتيجة، التى كانت متوقعة، بهجوم حاد على الانتخابات والمنتخبين، بفتح الخاء وكسرها، لكن استوقفنا مقال نشرته جريدة الـ«جارديان» البريطانية، يوم الجمعة، أقر فيه كاتبه، تيموثى جارتون آش، بأنه من السذاجة أن يتوقع أحد تغييرًا فى النظام الروسى، أو حتى تغييرًا كبيرًا فى السياسات، خلال وقت قريب.
ساذج، فعلًا، من كان يتوقع نتيجة مختلفة. ولعلك تتذكر أننا كنا قد استنتجنا، أو توقعنا، فى ١٩ ديسمبر ٢٠١٧، استمرار بوتين فى الحكم حتى يظهر من يتمكن من منافسته، وتحت عنوان «بوتين إلى الأبد»، اتفقنا مع ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية، الذى قال فى تصريح طريف أو ظريف: «ليس هناك من نضج لينافس الرئيس بوتين أو حتى يقترب من أن يكون منافسًا له». كما اتفقنا، أيضًا، مع «بوتين»، حين أخرج لسانه لوسائل الإعلام التى تعاديه، وقال لجريدة الـ«تليجراف» البريطانية: «المعارضة الروسية غير ناضجة وغير قادرة على تقديم بديل.. وليس من وظيفتى إيجاد منافسين».
سيد الكرملين، إذن، لم ينافس إلا نفسه. وقبل تعديل الدستور الروسى، دستور ١٩٩٣، كان من المفترض أن يغادر موقعه سنة ٢٠٠٨، لكنه استمر رئيسًا للوزراء، بصلاحيات الرئيس، لمدة أربع سنوات، تولى خلالها الرئاسة ديمترى ميدفيديف، ثم عاد «بوتين» رئيسًا، سنة ٢٠١٢، وأعيد انتخابه فى ٢٠١٨، إذ كانت فترة الرئاسة قد تم تمديدها إلى ست سنوات فى التعديلات الدستورية، التى اقترحها ميدفيديف، فى ٥ نوفمبر ٢٠٠٨، ووافق عليها البرلمان الروسى «الدوما»، فى ٢٦ ديسمبر التالى. أما ما ميّز الانتخابات الحالية عن سابقاتها، فهو أنها تشمل مناطق فى أوكرانيا أعلنت روسيا عن ضمّها، سنة ٢٠٢٢، إضافةً إلى شبه جزيرة القرم التى جرى ضمها سنة ٢٠١٤، ومنطقة انفصالية مؤيدة لموسكو فى مولدافيا.
.. أخيرًا، وإلى جانب الدعاية الغربية المضادة للرئيس الروسى، دعت أوكرانيا المجتمع الدولى إلى رفض نتائج الانتخابات ووصفتها بأنها «مهزلة»، وقال ينس ستولتنبرج، الأمين العام لحلف شمال الأطلسى، الناتو، إنها «ليست حرة ولا نزيهة»، وساخرًا، هنّأ شارل ميشال، رئيس المجلس الأوروبى، قبل بدء الانتخابات، الرئيس بوتين على فوزه الساحق بولاية جديدة، و... و... ولعلك تتذكر أن الرئيس الأمريكى جو بايدن كان قد أكد تراجع شعبية بوتين «بعد هزيمة القوات الروسية فى العراق»، وقال إن بإمكان الرئيس الروسى تطويق كييف بالدبابات، لكنه لن يتمكن من كسب قلوب وأرواح الشعب الإيرانى!