لغة القوة
لدىّ شعور بالفخر بسبب زيارة «الوفد الأوروبى» مصر، وإعلان الشراكة الاستراتيجية بين مصر والقارة العجوز، أنا أفتخر بمصر فى كل الأحوال، سواء أحبنا الآخرون أو كرهونا، لكننى أعرف أيضًا أن الحق هو ما شهدت به الأعداء.. أوروبا ليست عدوة لنا ولا أمريكا ولا روسيا ولا أى دولة فى العالم؛ ما دامت تعرف قيمة مصر وتمد اليد للتعاون معها.. زيارة رؤساء خمس دول أوروبية مع مفوضة الاتحاد الأوروبى مصر حدث تاريخى، ما قبله ليس كما بعده، هذه الزيارة أكدت فكرة طرحتها من قبل وأطرحها مرة أخرى.. رغم الأهمية القصوى للاقتصاد كونه عصب الحياة؛ إلا أن الاقتصاد ليس كل شىء للدول والشعوب.. أدخل للفكرة مباشرة.. هل كانت ليبيا فى مارس ٢٠١١ دولة ضعيفة اقتصاديًا؟ بالعكس كانت تملك احتياطيًا بالمليارات، والغذاء فيها يباع بأسعار رمزية.. مع ذلك أو بسبب ذلك تمكن منها أعداؤها فى أيام قليلة.. اعتدوا عليها وقصفوا مقرات الدولة وأنزلوا قوات أجنبية، ثم ادعوا أن شيئًا لم يكن.. قبلها كان هناك تمهيد بتصوير ليبيا وكأنها دولة مارقة عن النظام الدولى؛ رغم أن ذلك لم يكن صحيحًا لا جملة ولا تفصيلًا، نفس الأمر ينطبق على دولة عربية عريقة مثل سوريا كانت فى ٢٠١١ قد وصلت لحالة اكتفاء ذاتى وأوضاعها جيدة جدًا، لكن تم تدبير حرب أهلية دمرت مقدرات الدولة، وعندما انتهت أصبحت سوريا فى حاجة لمليارات الدولارات لإعادة بناء ما تهدم.. هذه دول شقيقة وحبيبة نأسف لما حل بها ونعرف أنه نتيجة مؤامرة.. لكن العبرة أن الاقتصاد ليس كل شىء رغم أهميته القصوى، القوة الشاملة هى محصلة القوة العسكرية والسياسية والجيواستراتيجية والمخابراتية والحضارية والاقتصادية، ومصر تملك كل عناصر القوة الشاملة؛ لذلك يتعامل معها العالم باحترام وحذر، يدرك العالم دور مصر المحورى فى العالم وفى الإقليم، وهو دور يتم تأكيده يوميًا عبر التعامل مع التحديات المختلفة.. «الدور المحورى» ليس حقًا مكتسبًا وليس تركة ترثها مصر من عصر لعصر، ولكن الدولة تؤكد دورها المحورى على مدار الأيام والساعات، وقد نجحت مصر فى تأكيد دورها المحورى منذ ٢٠١٤ حتى الآن، وكانت فى كل يوم يمر تتقدم خطوة للإمام فى هذا المضمار.. كل الحملات المنظمة والمدفوعة لتشويه خطة إعادة تسليح الجيش، والمشروعات القومية الضرورية وغيرها، كان أصحابها يعرفون ما يفعلون، كان دورهم تعطيل انطلاق مصر نحو استعادة أوراق القوة الشاملة.. هناك محاولات الآن لتشويه هذه الخطوة الكبيرة والإيحاء بأن مصر ستتحول إلى مقر للاجئين العرب، فى الحقيقة أن السفر والتنقل واللجوء حق من حقوق الإنسان، والدليل أن هناك ملايين العرب والمسلمين فى كندا وأمريكا وأستراليا وأوروبا، وكلهم يعتبرون السفر لدولة ما من حقوقهم، وثانيًا مصر معدة حضارية جبارة هضمت عشرات الجنسيات على مر التاريخ وطبّعتهم بطباعها؛ بمعنى أنهم أصبحوا مصريين عاشوا وماتوا فى مصر، وأضافوا لها وأضافت لهم، فى الحقيقة أيضًا أن من شأن الاتفاق الاستراتيجى مع أوروبا أن يتيح مزيدًا من فرص السفر للمصريين لأوروبا، ولكن بشكل منظم يحفظ لهم حقوقهم ويجعل إقامتهم هناك آمنة وشرعية ومنظمة.. خطوة كبيرة للأمام خطتها مصر بتوقيع هذا الاتفاق.. فإلى الأمام دائمًا.