أبواب القرآن 1.. لماذا لم يفسر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن؟
اسمحوا لى أن نطرق معًا فى هذا الحديث أبواب القرآن الكريم بحثًا عن تفسير جديد يتناسب مع عصرنا بما فيه من تحديات واحتياجات، ويسعدنى أن يصطحبنا فى هذه الرحلة العالم الجليل الدكتور محمد سالم أبوعاصى أستاذ التفسير وعميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر.
■ الباز: هل عندما نبحث عن تفسير جديد للقرآن، نتجاوز بذلك علميًا أو حتى دينيًا؟
- أبوعاصى: لو رجعنا إلى القرن الماضى سنجد هذا السؤال طرحه الإمام محمد عبده، لأن التفسير كان يكتبه العلماء ليقرأه العلماء، كانوا يخاطبون بعضهم بعضًا.
■ الباز: يعنى الخاصة كانوا يفسرون للخاصة؟
- أبوعاصى: بالضبط هذا ما حدث... فالتفاسير كانت حشدًا لمعلومات نحوية بلاغية صرفية فقهية أصولية فلسفية، كل واحد ينقل من الآخر ويضع هذا فى الكتاب، فمحمد عبده استشعر أن المثقفين والمدنيين وعموم الناس لا يستطيعون فهم القرآن الكريم لأنه تفسير للنخبة، فطرح أننا فى حاجة إلى تفسير جديد للقرآن.
■ الباز: أعتقد أن الإمام محمد عبده توقف فى تفسيره عند سورة النساء.
- أبوعاصى: نعم.. لكن تلميذه رشيد رضا كان يحضر دروسه فى الأزهر وكان يكتب ويراجع معه وأكمل بعده، نقل منه لغاية الآية ١٢٥ من سورة النساء، وبدأ تقريبًا حتى وصل لسورة يوسف الآية ١٥٧، لكن المدرسة كانت واحدة، فقد أخذ رشيد رضا من محمد عبده منهجه وطريقته فى التفسير.
بعد ٤ سنوات جاء فريد وجدى وطرح نفس سؤال محمد عبده، وكتب فى كتابه «المصحف المفصل»: «نحن فى حاجة إلى تفسير جديد يلائم المدنيين ويلائم المثقفين».
فالقضية قديمة جديدة، وقد حاول آخرون مثل الشيخ شلتوت وقبله الشيخ محمد مصطفى المراغى وبعدهما الشيخ البهى الكتابة على نفس طريقة محمد عبده، لكن لم يكمل أحد ما بدأه.
الشيخ المراغى فسر بعض السور وكان يفعل ذلك فى شهر رمضان، والشيخ شلتوت فسر العشرة أجزاء الأولى من القرآن الكريم، والشيخ البهى بدأ ولم يكمل.
ولذلك فالسؤال عن تفسير جديد للقرآن قديم جديد، وربما نحن فى هذا العصر أشد احتياجًا من العصر السابق، وسيأتى من بعدنا من يحتاج أكثر، ولذلك خير تفسير للقرآن هو الزمن.
■ الباز: الزمن... هل يلعب كعامل حاسم فى التفسير؟
- أبوعاصى: نعم.. لأن القرآن كتاب للزمن كله، القرآن كلمة الله الأخيرة للعالمين، فيظل موجودًا إلى قيام الساعة، فالحياة متغيرة، والقرآن كتاب الخلود، لكن هل المشكلات خالدة.. أم متجددة؟.. المنطق يقول إنها متغيرة، والقرآن مطالب بأن يجيب عن هذه المشكلات.
■ الباز: الأمور التى ترتبط بالعقيدة والعبادات ثابتة، لكن المعاملات متغيرة.. أليس كذلك؟
- أبوعاصى: القضايا والسنن الاجتماعية متغيرة، وكتاب الخلود لا بد أن يجيب عن القضايا التى كانت مطروحة قديمًا ولا تزال قائمة، ولا بد أن يجيب عما يُستجد من مشكلات؟ فهل نحن فى التفاسير الجديدة استطعنا أن نطرق هذا الباب ونقول إن كتاب الخلود يصلح للإجابة عن كل المشكلات؟ هو صالح طبعًا.. لكن أنا أتكلم هل نحن وظفنا كتاب الخلود لكى يجيب عن المشكلات المعاصرة؟ أم أن ما يجرى أن القرآن فى وادٍ ونحن فى وادٍ آخر؟
■ الباز: ما الذى تراه أنت؟
- أبوعاصى: لا بد أن نبحث عن أصل المشكلة، لا بد أن نبحث عن الداء أولًا، فكل مفسر يكتب بثقافة عصره، وهو ما يفسر لنا غلبة الروايات على التفاسير.
وعندما نعرض للمدارس التفسيرية منذ نشأت إلى الآن، نجد مثلًا فى المدرسة المتسلفة انفصامًا بين تفسيرها للقرآن وبين الواقع، ولذلك فهو لا يجذب المجتمع المعاصر إلى القرآن لأنه لا يجد فيه نفسه.
تجد التفسير الأثرى مثلًا وأنا كنت أتعجب وأنا طالب أن كل الناس فى البيوت تشترى تفسير «ابن كثير»، وسر تعجبى أنه تفسير صعب، وكله منقول، وعيب هذه المدرسة أنها مليئة بالإسرائيليات والخرافات.
■ الباز: إسرائيليات وخرافات فى تفسير ابن كثير.. أين نجد ذلك مثلًا؟
- أبوعاصى: هل تتصور مثلًا أن ابن كثير يقول إن سورة الأحزاب كانت بمقدار سورة البقرة فنسخ الله منها إلى أن صارت هكذا، معنى ذلك أن سورة الأحزاب كانت ٤٠ صفحة فجاء نسخ لـ٣٥ صفحة.
الأمر لا يتوقف عند ابن كثير فقط، فالطبرى قبله، وأريد أن أقول إن تفسير ابن كثير اختصار لتفسير الطبرى، وعيب هذه المدرسة انتشار الإسرائيليات المثيرة بين صفحاتها، وهناك من يقول إن تفسير الطبرى كان ينقله واحد اسمه يحيى، وعندما بحثنا عن يحيى هذا وجدنا أنه كان زائغ الاعتقاد، وقام بدس الإسرائيليات والخرافات فى التفسير.
هناك كذلك مدرسة القرطبى، وهى مدرسة مغرقة جدًا فى القضايا الفقهية، وقد تكون قضايا هذا التفسير تناسب عصره، لكن ربما لا تتناسب ولا تلائم عصرنا، ففيه مثلًا أنه يجوز نكاح اليتيمة الصغيرة، وطبعًا اليتم قبل البلوغ، فإذا كان هو يقول بأن البنت يمكن أن تتزوج وهى بنت خمس أو ست أو سبع سنين، فليس معنى ذلك أن يأتى بعض الدعاة ليقولوا هذا الكلام فى عصرنا، وعندما تعترض طريقهم، يقولون لك «ما دامت تطيق الوطء فما المانع؟!!!»، فهذا كلام لا يتقبله منطق العصر الذى نعيش فيه.
■ الباز: أريد أن أسألك عن تفسير آخر وربما هو الأكثر خطرًا، وهو تفسير «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، كيف تراه؟
- أبوعاصى: «فى ظلال القرآن» كتبه صاحبه بنفس أديب، لكن هذا الكتاب فيه عيبان كبيران.
العيب الأول أنه اعتمد على تفسير ابن كثير وحده ولم يعتمد على تفاسير أخرى، ونقل عنه الإسرائيليات والخرافات الكثيرة دون أن يتوقف عندها أو ينتقدها.
العيب الثانى أنه ملأ الكتاب بقضايا فكرية خربت العالم إلى اليوم، مصطلح الجاهلية، مصطلح الكفر، الدولة الكافرة، المجتمع الجاهلى، الدولة الجاهلية.
■ الباز: أنا أعتبر «فى ظلال القرآن» كتاب سياسة وليس كتاب تفسير... هل توافقنى فى ذلك؟
- أبوعاصى: أوافقك تمامًا، لقد قام سيد قطب بتسييس التفسير بالفعل، والأخطر من ذلك أنه أخضع القرآن لمشاعره ولذاتياته، دون أن يعرف أن القرآن متبوع وليس تابعًا، فلا يجب أن تعتقد شيئًا بعينه وتدخل إلى القرآن تبحث فيه لتطوعه لما تعتقده أنت، صاحب الظلال فعل ذلك بالضبط، أخضع آيات كثيرة فى القرآن لفهمه ولمنطقه، فهو يقول لنا إن المجتمع كله كافر، وهو ما يخدم فكرته وفكرة جماعته، وليس غريبًا أن تجد بعد ذلك أن الجماعات الإرهابية فى العالم كله تعتبر «فى ظلال القرآن» نموذجها الأول فى تفسير القرآن.
■ الباز: كل ما فعله قطب إذن أنه وضع مجموعة من الأحكام، ثم ذهب إلى القرآن ليأتى منه بدليل يؤيد ما يراه.. وليس العكس؟
- أبوعاصى: تمامًا.. وحتى نكون واقعيين فإن ما فعله هو الموجود عند كل الجماعات الإرهابية والمتطرفة، فالفرد منهم يعتقد شيئًا ويبحث فى القرآن أو السنة عن نص يدل على اعتقاده أو على ما يذهب إليه، فهو لا يترك القرآن ينطق، بل يستنطقه بما يؤيد مذهبه.
■ الباز: هذه ليست مشكلة فى التفسير فقط، فنحن أمام تحويل القرآن إلى أداة تستخدمها هذه الجماعات لتحقيق أهدافها؟
- أبوعاصى: هذا ما حدث بالطبع.. وهناك مشكلة تفسيرية أخرى، فنحن نتفق على أن كل مفسر يفسر القرآن بثقافة عصره، وهو ما يجعله يدخل إلى القرآن بما يعتقد مسبقًا، وهنا يمكن أن نقول إن الموضوعية غائبة، فالمفروض أن تدخل إلى تفسير القرآن بشكل متجرد، تقوم ببحث علمى بعيد عن مشاعرك أو ذاتيتك، وهذا للأسف مفتقد بقدر كبير فى التفاسير السابقة.
■ الباز: قد يتهمك البعض بسبب هذا الكلام يا دكتور بأنك تجرح فى التفاسير السابقة وبعضها يحيطه الناس بقداسة؟
- أبوعاصى: حتى لا أُتهم بذلك، فأنا لو قلت لك نماذج من التفاسير القديمة- وسنعرض لها حتمًا فى حديثنا- يمكن أن يشيب رأسك، فكثير مما يقولونه لا يمكن أن يكون الله عز وجل قصده أو قال به.
■ الباز: هل يمكن أن نصف أيًا من هذه التفاسير بأنه فاسد؟
- أبوعاصى: الإمام محمد عبده كان يقول: إن الله لا يسألنا يوم القيامة عن أقوال المفسرين ولا ما فهموه من القرآن، إنما يسألنا أنه أنزل إلينا هذا الكتاب لهدايتنا، وعليه فأنت مسئول أمام الله يوم القيامة عن فهمك للقرآن، وأنت معذور حتى لو فهمت خطأ، لأنه إذا أنت فهمت الآية أو أن عقلك لم يستطع أن يفهم من الآية إلا هذا المعنى فأنت معذور.
لن يسألنا الله يوم القيامة ماذا قال ابن كثير ولا الطبرى ولا القرطبى، لن يسألنا عن أقوال المفسرين ولا ما فهموه.
ولذلك ركز محمد عبده فى تفسير القرآن على هداية القرآن، لم يركز على مسائل النحو ولا البلاغة، ركز على أنه كتاب هداية وليس كتاب علم، وقال إنه ليس مكانًا يتصارع فيه النحاة ويختلفون على أرضه.
لقد ابتعد الناس عن فهم القرآن بسبب ما فعله المفسرون، ولن يكون غريبًا أن أقول إنك لو أتيت ببعض المتخصصين وعرضت عليهم ما جاء فى التفاسير القديمة، فربما لم يفهموه، فما بالك بالمثقفين من غير المتخصصين، وما بالك بعوام الناس الذين لا يملكون قدرًا من الثقافة، أعتقد أن هذه مشكلة كبرى فى التفاسير القديمة، وأعتقد أن هذا أيضًا يمكن أن يكون إجابة على سؤالك.
■ الباز: لماذا لم يقدم الرسول، صلى الله عليه وسلم، تفسيرًا للقرآن، يقولون إن القرآن نزل عليه فهو الأولى به، لماذا فى رأيك لم يُقدم الرسول على هذه الخطوة؟
- أبوعاصى: هذا سؤال طُرح كثيرًا وأعتقد أنه سيظل مطروحًا، لقد قلت إن القرآن هو كتاب للزمن، فلو أنه صلى الله عليه وسلم فسر القرآن كله لأغلق الباب على من سيأتى بعده، وتخيل مثلًا أننى عندما أقول رأيًا فيما قدمه المفسرون السابقون، يخرج علىّ من بين صبية الجماعات المتطرفة، ويقولون: أنت مين حتى تعترض عليهم، هل تساوى شيئًا بجوار ابن كثير أو الطبرى أو القرطبى، فما بالك لو أن النبى صلى الله عليه وسلم هو من قام بالتفسير، ساعتها كنا نجد الباب مغلقًا تمامًا، فلا يوجد من بين الناس من يستطيع أن يطاول ما يقوله الرسول الموحى إليه.
كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، يعرف أن إعجاز القرآن أنه كتاب للزمن، ولذلك فقد فسر فى عصر الصحابة ما كانوا يحتاجون إليه، ثم ترك لنا القرآن نفسره بما نحتاجه فى وقتنا، أو ما يحتاجه كل عصر فى زمنه وفى وقته، لأن لكل عصر مشاكله وقضاياه واحتياجاته.
من رحمة ربنا أن النبى، صلى الله عليه وسلم، لم يفسر القرآن حتى يترك مجالًا للاجتهاد، كل جيل يفكر ويتدبر ويعمل لاستخراج الجديد ولإبداع ما يناسب مصلحة الناس، وقد حدث هذا فى عصر سيدنا عمر وعصر سيدنا على.. هناك نماذج كثيرة على ذلك.
■ الباز: تقصد الاجتهاد فى مسألة المؤلفة قلوبهم؟
- أبوعاصى: بالضبط.. الإسلام كان يعطى بعض الناس ليؤلف قلوبهم للدخول فى الإسلام، فلما جاء سيدنا عمر، ووجد أن الإسلام قويت شوكته وأصبح من يريد أن يدخل فى الإسلام مختارًا فليدخل، منع سهم المؤلفة وأوقفه... لماذا؟.. لأن علة التأليف زالت.
وهذه قضية مهمة، فالقرآن والسُنة يبنيان الحكم على علة ما، وعندما تزول العلة يزول الحكم، وعندما تأتى علة جديدة، يقول الفقهاء عنها: مصلحة ذهبت ومصلحة أخرى أتت.
وخذ عندك مثلًا أن النبى، صلى الله عليه وسلم، نهى أن تسافر المرأة إلا مع محرم، لأن وقتها كانت هناك صحارى وجبال تتنقل بينها، وهو ما يمكن أن يعرضها لخطر، لكن الآن وهذا كلام العلماء أصبحت هناك رفقة آمنة، وطيران وسفر مع آخرين، يصبح الحكم الذى كان مبنيًًا على علة انتفت غير موجود.
هناك أحكام بنيت على ظروف معينة انتفت، ولذلك عندما تبحث فى الآيات القرآنية وتستخرج منها الأحكام، لا بد أن تعرف الظرف الذى نزلت فيه الآية، وهل هذا الظرف تغير وأصبح هناك ظرف جديد أم أنه لا يزال باقيًا، وهو ما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب، فعندما وجد أن الإسلام ليس فى حاجة إلى المؤلفة قلوبهم ألغى الحكم تأسيسًا على انتفاء العلة.
■ الباز: دعنى على هامش ذلك نحدد معًا منهجنا فى طرق أبواب جديدة للقرآن الكريم، فنحن أمام القرآن حيارى ما بين العقل والنقل فى التفسير، من يأخذون بالنقل وحده يقللون من شأن العقل، ومن يأخذون بالعقل وحده يقللون من شأن النقل، ما هو المنهج الذى سيحكم حديثنا؟
- أبوعاصى: أول خطوة فى رأيى هى النظرة الشمولية للقرآن، فعندما أقرأ القرآن لا أجتزئ منه آية وأعزلها بعيدًا، لا بد أن تكون لدىّ وأنا أقرأ القرآن نظرة شمولية.
وهنا يحضرنى ما كان يفعله العالم الجليل الأستاذ عبدالجليل عيسى وكان عميدًا لكلية اللغة العربية وكتب «التفسير الميسر»، كان فى تفسيره آية معينة يأتى بكل الآيات التى تناظرها، حتى يكون هناك ربط موضوعى أو ما نسميه بالوحدة الموضوعية بين الآيات، وحتى العلماء التجريبيين الآن يقولون إن الوحدة الموضوعية شرط فى صحة الاستنتاج، فلا بد أن يجمع المفسر الآيات المرتبطة، ويجب أن يحدث هذا فى الأحاديث أيضًا، فلا يجب أن تأتى بحديث وتفسره وتبنى عليه، فلا بد من وجود سياق كامل،
وأخطر قضية فى التفسير- فى اعتقادى- أن تجتزئ آية وتخرجها من سياقها، وقد سمعت واحدًا من جماعة داعش كان يخطب فى جماعته، يقول لهم بالنص «فقاتلوا المشركين كافة»، ووقف عندها، وهذا خطأ، فعندما تأخذ الآية هكذا «فقاتلوا المشركين كافة» يصبح معناها أمرًا بقتال المشركين وملاحقتهم فى كل الأحوال، وترك بقية الآية التى تقول «كما يقاتلونكم كافة»، والمعنى أن الآية تقول إنه إذا قاتلك العدو خارج بلدك رد القتال بقتال، لكنه اجتزأ الآية من سياقها.
هذا الخطأ يؤدى بنا إلى نتائج كارثية.
وهو ما يجعلنى أدعو إلى النظر فى القرآن بنظرة شمولية، فمثلًا عندما يقول القرآن: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه»، فهو لم يقل لى مثلًا: اقتله، ولكنه رسم خريطة للتعامل معه رغم أنه مشرك، فكيف تأتى الآن لتقول لى- وهذا بالمناسبة كلام سيد قطب- لا بد أن نقاتل العالم لنشر الإسلام والدعوة.
إننى عندما أجبرك على اعتناق الإسلام بالقوة، فأنا بذلك ألغى إنسانيتك، إكراهك على الدين معناه القضاء على الإنسانية، وأنك لست إنسانًا، لأن الله عندما خلقنى أعطانى عقلًا ومنحنى بصرًا وسمعًا وقلبًا لأدرك المعرفة، فعندما تعرض علىّ الدين لا بد أن أدرسه أولًا، ووقتها يمكن أن أفهم أو لا أفهم، ويمكن أن أقتنع أو لا أقتنع، وعندما تقول لى لا تفكر، وأنك لا بد أن تؤمن فأنت بذلك تلغى إنسانيتى، وإذا ألغيت إنسانيتك يسقط عنك الحكم الشرعى، ولذلك نجد القرآن يقول: «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى».
الغريب أنك عندما تقرأ فى تفاسير ابن كثير والقرطبى ستجد من يقول إن هذه الآية منسوخة، يعنى زال حكمها، ورغم أن موضوع النسخ فيه كلام كثير، إلا أننى فى هذا السياق أقول إن هناك نوعين من الآيات لا يقبلان النسخ مطلقًا، النوع الأول الآيات الكونية التى تتحدث عن خلق السماوات والأرض، والنوع الثانى الآيات المعللة بعلة، فهنا يقول القرآن «لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى»، فلا يمكن أن تكون الآية منسوخة، ثم إن الأخبار لا تقبل النسخ وإلا تكون كذبًا.
■ الباز: إذن المبدأ الأول فى طرقنا أبواب القرآن الكريم وبحثنا عن تفسير جديد هو شمولية القرآن وشمولية النظر إليه، إذا سمحت لى نستكمل بقية المبادئ فى حديث قادم.