"كلنا واحد"
اقتبست هذا العنوان من تلك المبادرة الكريمة التى تقوم بها وزارة الداخلية تحت رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، حيث يتم توزيع عبوات غذائية تحتوى على كافة السلع الأساسية بالمجان على الأسر الأكثر احتياجًا فى العديد من المحافظات؛ للمساهمة فى تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين بمناسبة حلول شهر رمضان المعظم.
وعلى الرغم من تلك الرسالة النبيلة التى تقوم بها وزارة الداخلية إلا أن الهدف من اقتباس هذا العنوان يختلف قليلًا عما تقوم به الوزارة، إلا إنه يتشابه معها فى المناسبة والتوقيت وكأنهما تلازما فى المعنى، حيث يتصادف ولأول مرة أن يكون صيام المسلمين وأشقائهم المسيحيين يبدأ فى نفس اليوم، وهو يوم 11 مارس، فى سابقة نادرة وكأن رسالة السماء تتكامل مع رسالة الأرض فى توحيد عبادة الصوم بين عنصرى الوطن وفى ركن أصيل من أركان العبادات بين الأديان داخل الوطن الواحد.
هكذا جاءت إرادة الله لأهل مصر هذا العام لتتوحد فيه الشعائر والعبادات بين المسلمين والمسيحيين، حيث بدأنا جميعًا الصيام معًا فى ذات اليوم ما بين صيام شهر رمضان المعظم والصيام الكبير، وأعتقد أن هذه رسالة من الله، سبحانه وتعالى، كى تتوحد القلوب وتصفوا الضمائر على حب الوطن من منطلق تلك المشاركة الإيمانية، وتدعيمًا لأواصر الوحدة الوطنية حتى وإن اختلفت الطقوس والالتزامات العقائدية والدينية بينهما.. على الرغم من أن الأخوة المسيحيين- وهذه شهادة حق- يحترمون مشاعر إخوانهم المسلمين فى شهر رمضان، حيث لا يتعمدون إطلاقًا تناول المأكولات أو المشروبات أمامهم خلال فترة الصيام، وهى ظاهرة تحسب لهم دائمًا، بل إنهم يشاركون فى تلك المناسبة بشكل قد لا يجعلك تفرق بينهما إذا لم تكن تعرفهم من قبل.
امتلأت صفحات التواصل الاجتماعى بالتهانى المشتركة بين الأصدقاء من المسلمين والمسيحيين، وجميعها تنبض بالمحبة والصدق فى مظاهرة محبة تؤكد صلابة المجتمع المصرى رغم المحاولات المستميتة من أهل الشر لإحداث أى وقيعة أو إنشقاق فى المجتمع المصرى.. هناك حالة من الوطنية نعيشها هذه الأيام بعيدًا عن السياسة بلا تكلف أو ادعاء.. حالة تعيش على الأرض وتكرس نفسها فى ممارسات بسيطة تظهر فى تبادل التهانى ومشاركة المظاهر الاحتفالية بين الجميع، فنجد رجال الدين المسيحى يشاركون فى توزيع كراتين وشنط شهر رمضان، فى حين يتبادل المسلمون عبارات المحبة والتهانى بل وأيضًا المداعبات اللطيفة بينهم حول اختلاف آلية وطبيعة صيام المسلم عن المسيحى.
تنخرط البيوت المصرية فى صيام يمتد حتى عيد الفطر المبارك، يليه عيد القيامة المجيد، وكلا العيدين لهما نفس المردود الروحى والوجدانى ونفس الفرحة والبهجة سواء من هؤلاء أو هؤلاء.. حيث يمثل صيام شهر رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة التى ذكرت على سبيل التحديد فى القرآن الكريم فى عدة آيات، من بينها "كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، وكان لهذه الخصوصية قدر كبير من المهابة لدى الإنسان، وذلك لما يترتب عليه وجود علاقة مباشرة بين العبد وربه، وهو عبادة باطنية تعمل على إصلاح الإنسان من الداخل قبل رقابة القانون والنظام العام.. كما يعد الصوم الكبير من أصوام الدرجة الأولى فى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويمثل قدسية وأهمية خاصة لجموع الأقباط ويمتد لمدة 55 يومًا تنتهى بليلة عيد القيامة المجيد، وخلال هذا الصوم يتم الامتناع عن تناول الطعام الحيوانى والأسماك، إلا أن الشكل هنا يتوارى خلف المضمون.. فالنسيج واحد والعادات واحدة وفلسفة الصوم واحدة فى الإسلام والمسيحية، وهى تربية الإنسان على الخشوع والتوبة وتغليب الروح على مطالب الجسد.. فجوهر الصيام هو تقوى الله واللجوء إليه فى العبادة والدعاء.
يأتى صيام الشعب المصرى هذا العام وهو يعيش حالة كبيرة من الشعور بالأمان والاستقرار، وقد تم القضاء على الإرهاب وتقويضه، بالإضافة إلى ظهور بوادر واضحة لانفراج الأزمة الاقتصادية التى مرت بها البلاد، وجميعنا بدأ يشعر بذلك ويتمنى أن تمتد تلك الحالة إلى جميع مناحى الحياة، وأن يقوم التجار وأصحاب المحلات والمطاعم بتكريس هذا الشعور من خلال عدم المغالاة فى أسعار السلع التى يتاجرون بها وعدم احتكارها لفترات من الوقت بغرض رفع أسعارها بعد فترة من الزمن.. كما تأتى هذه المناسبة فى توقيت يلزم فيه إيقاظ الوعى والحكمة لمواجهة الشائعات بأشكالها المختلفة التى تهدف إلى تكدير الرأى العام ونشر الإحباط والذعر وإهدار الطاقة والتشكيك فى النجاحات التى تحققها الدولة والتى من الممكن أن تؤدى إلى إحداث انقسامات فى نسيج المجتمع وإضعاف الثقة بين المواطنين وبعضهم وبين المواطنين ومؤسسات الدولة وزعزعة استقرار المجتمع سياسيًا واقتصاديًا.
يأتى صيامنا هذه العام ونحن فى أشد الحاجة إلى الترابط والثقة ودعم القيادة السياسية والجهود التى يبذلها الرئيس عبدالفتاح السيسى لتخطى تلك المرحلة الصعبة التى تتعرض لها البلاد نتيجة الصراعات والحروب الدائرة على حدودنا من كل اتجاه، والتى تؤثر بلا شك على الأوضاع الاقتصادية والسياسية علينا.. ولكنه يبذل كل الجهد كى يستمر ذلك الاستقرار الأمنى الذى نعيش فيه، بالإضافة إلى تحقيق النجاحات الاقتصادية التى أسفرت عن تحسن الأوضاع إلى حد كبير داخل البلاد، وما زالت المؤشرات تؤكد أن القادم أفضل بإذن الله، حتى إن المؤسسات المالية الدولية أكدت أن الأوضاع المالية والاقتصادية فى مصر تحركت من السلبية إلى الإيجابية الواعدة.
هنيئًا لمصرنا الغالية تلك الأيام المباركة التى نعيشها جميعًا، وتلك العبادات التى تقربنا إلى الله ونبتهل إليه، سبحانه وتعالى، أن يحفظ البلاد والعباد، وأن يجعل بلادنا دائمًا واحة للأمن والأمان والاستقرار، فكلنا واحد على أرضنا الغالية... وكل عام وأنتم بخير.
وتحيا مصر.