فيلم DUNE.. أينما توجد الطاقة يتفجر الصراع
مشاهدة وتأمل الكثبان الرملية المتحركة فى صحراء «أوريجون» بقدرتها على دفن كل ما يوجد فى طريقها، كانت هى شعاع الإلهام الذى استمد منه الكاتب الأمريكى: فرانك هربرت روايته الخالدة: الكثبان.
ففى عام ١٩٥٧ سافر فرانك إلى ولاية أوريجون لمتابعة جهود وزارة الزراعة الأمريكية لزراعة نبات قصب الرمل؛ لتثبيت الرمال المتحركة، التى استطاعت تدمير كل مظاهر الحياة فى المنطقة، ووصفها هربرت فى مقال بعنوان «إنهم يوقفون الرمال المتحركة»: «هذه الكثبان مدمرة بقدر أمواج المحيطات، فتستطيع ابتلاع مدن بأكملها وبحيرات وطرق سريعة».
وكانت هذه نقطة البداية فى كتابة رواية الـ«دون» أو الكثبان التى صدرت كرواية مسلسلة بين عامى ١٩٦٣ و١٩٦٥ فى مجلة المحاكاة، وقد رفضت عدة دور نشرها؛ نظرًا لضخامة حجمها، حتى نشرتها دار شلتون، وهى دار متخصصة فى نشر المطبوعات التجارية، وغير متخصصة فى نشر الأعمال الأدبية. لم تحظَ الرواية بشعبية كبيرة فور صدورها، رغم حصولها على جائزة هوغو فى عام ١٩٦٦، وجائزة نيوبلا فى الجلسة الافتتاحية لأفضل رواية.
وقد حققت الرواية تأثيرًا جماهيريًا كبيرًا تراكم على مدى عقود، حتى إنها تعد أفضل روايات الخيال العلمى مبيعًا فى العالم، وبيعت منها ملايين النسخ حول العالم.
تدور أحداث الرواية فى المستقبل البعيد، حيث يعيش إقطاعيو النجوم وطبقة النبلاء، ويسيطرون على الكواكب المفردة، ويدينون بالولاء إلى إمبراطورية كورينو، وهى تستمد التاريخ السياسى البيزنطى فى روما القديمة، وطريقة الحكم الطبقية المعتمدة على السلالة وصلة الدم.
وتسيطر هذه الإمبراطورية على العديد من الكواكب، أهمها كوكب «أراكيس» المصدر الوحيد للبهارات أو التوابل التى هى مصدر الطاقة الوحيد والمادة المستخدمة فى الانتقال بين الكواكب.
رواية «الكثبان» لا تتحدث عن نهاية العالم، لكنها تخلق عالمًا موازيًا قد تتغير طبيعته، ولكن القوانين البشرية من طموح وصراع وخيانة وخوف وأمل تسيطر عليه، ويتفجر الخلاف بين القوى المختلفة، السياسية والدينية والبيئية والتكنولوجية، التى تواجه بعضها البعض فى صراع من أجل السيطرة على التوابل.
وقد تمت كتابة الرواية فى حقبة الحرب الباردة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية وتفجر الصراع بين القطبين على النفوذ فى مناطق العالم، وهى الفترة التى شهدت المنطقة العربية ازدياد اكتشافات البترول لها، المصدر الرئيسى للطاقة فى القرن العشرين، لذا يحمل سكان كوكب «أراكيس» ملامح عربية فى أزيائهم وطقوسهم الدينية، وقد يرى البعض أن صورة العرب مبتذلة أو تقوم بتشويه صورة العرب وتدعم التصورات التى قدمها «لورانس العرب» عن سكان المنطقة العربية، لكننى أرى أن هذه الرؤية تنطوى على بعض من التحامل، فسكان كوكب «أراكيس» رغم بداوتهم يحملون روحًا ثورية مقاومة للاحتلال، ولديهم قدرة كبيرة على التأقلم والتفاعل مع محيطهم البيئى، كما أن السلالات الأرستقراطية، إذا اعتبرنا أنها وريثة الحضارات الغربية، فهى تحمل فى جيناتها وسلوكها عوامل انحطاطها وفنائها بما تحمله من همجية وغطرسة وشذوذ وسادية. فلا يوجد تفضيل لعرق على آخر، لكنه الصراع الدائم على مصادر الطاقة أو الصراع من أجل البقاء.
تم استلهام الرواية فى العديد من الأعمال السينمائية، فقد تحولت إلى فيلم من إخراج ديفيد لينش عام ١٩٨٤، وقد سبقته محاولة للمخرج الفرنسى أليخاندرو جودوروفسكى، ورغم عدم تنفيذ هذا الفيلم إلا أن السيناريو الذى أعده تم بيعه فى دار المزادات العالمية «كريستيز»، فى باريس، مقابل حوالى ٣ ملايين دولار، وهو مبلغ تجاوز التوقعات التى كانت محددة ما بين ٢٥ و٣٥ ألف يورو.
ومن أحدثها سلسلة أفلام DUNE للمخرج الكندى: Denis Villeneuve دينيس فيلنوف، وقد اتسمت هذه المعالجة بحرصها على التعامل مع الرواية بجدية شديدة، وأنها ليست مجرد رواية خيال علمى؛ لكنها رواية جيوسياسية تطرح رؤى حول أفكار التحرر الوطنى، والمنقذ أو المخلّص، ومستقبل الطاقة فى العالم.
شاهدت الجزء الثانى من السلسلة، واستمتعت به، والفيلم يحتاج إلى ثقافة عالية لاستيعاب تيماته البصرية، لذا فهو يستحق أكثر من مشاهدة، ولا عزاء لنا نحن العرب ما دمنا مجرد مستهلكين للحياة.
وكل عام وأنتم بخير.