قادرون بدون اختلاف
أكتب هذا المقال بعد مرور أكثر من أسبوع على تلك الاحتفالية الرائعة التى حضرها الرئيس عبدالفتاح السيسى لهؤلاء الأبطال من ذوى الإعاقة أو القادرون باختلاف وهى الاحتفالية التى بدأت منذ عام 2019، ومن يومها لم تنقطع تحت أى ظروف أو تحديات بل إنها صارت طقسًا ثابتًا ننتظره كل عام وهو الحدث الذى عبر عنه الرئيس بأن هذا اليوم يمثل مصدر سعادة شخصية له، وبالفعل فقد كانت تعبيرات سيادته طوال الحفل تنطق بالسعادة والفخر بهؤلاء الأبطال.. حتى فى اللحظات أو الكلمات الحزينة التى يلقيها البعض منهم كان يبث الأمل والاطمئنان ويزرع السعادة فى قلوبهم ويجتهد فى أن يلبى رغباتهم.
جاء اختيارى لهذا الموضوع على الرغم من مرور هذه الفترة على الاحتفالية نتيجة ما رأيته من نماذج لا نستطيع أن نقول إنها من ذوى الإعاقة على الإطلاق بل إن هناك ملايين من الأصحاء لم يصلوا إلى ما وصل إليه العديد من هؤلاء الشباب.. فها هى أميرة حربى تعلن أنها تدرس حاليًا فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وتسعى لكى تكون سفيرة أو وزيرة فى يوم من الأيام....وهنا أتساءل عن عدد الطلبة الأسوياء الذين فشلوا فى الالتحاق بهذه الكلية التى تعتبر من كليات القمة.. وها هو الشاب عبدالرحمن مصطفى يطلب أن يكون معلقًا أو محللًا رياضيًا رغم إعاقته الذهنية ونجده فى اليوم التالى مباشرة يحقق هذا الحلم وتلك الأمنية مع النادى الذى يشجعه.. وهنا أيضًا أتساءل كم معلق رياضى تأنس له أو تحب أن تتابعه؟.. سوف تجدهم قلة قليلة.. أتساءل أيضًا كم من المثقفين والفنانين الأصحاء وصل الى تلك المكانة التى وصل إليها الدكتور طه حسين والذى تولى وزارة التعليم وأصبح التعليم فى عهده كالماء والهواء وأعلن عن مجانية التعليم وكم من الملحنين وصل إلى ما وصل إليه كل من الموسيقار الكبير سيد مكاوى وعمار الشريعى وأيضًا من مقرئي القرآن الكريم قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت.. وغيرهم ممن كان يطلق عليهم ذوى الإعاقة وذوى الهمم وأخيرًا قادرون باختلاف وهم من وجهة نظرى ليسوا كذلك على الإطلاق.. إننى لم أشك لحظة فى قدرة هؤلاء اللامحدودة خاصة عندما نرى منهم النواب فى مجلسى النواب والشيوخ وهم يتقدمون بكلماتهم واستجواباتهم للوزراء والمسئولين فى قضايا بعيدة تمامًا عن حالتهم الصحية أو الجسدية بل فى قضايا تتعلق بالمجتمع ومشاكله بشكل وأسلوب يدل على وعى وثقافة وإدراك بحجم تلك المشاكل بل ويقدمون حلولًا لها.. وفى تلك الاحتفالية أيضًا كرم الرئيس أبطال الإعاقات الذهنية فى دورة الألعاب العالمية بفرنسا الذين حصلوا على 27 ميدالية ذهبية وفضية وبرونزية ورفعوا علم مصر خفاقًا فى تلك البطولة فى حين فشل العديد من الفرق والمنتخبات الرياضية أن تحقق حتى مجرد تمثيلًا مشرفًا عند مشاركتهم فى البطولات الأخرى رغم الملايين التى تصرف عليهم.
هناك أعداد كبيرة من هؤلاء الأبطال تمت مشاركتهم وعملهم فى العديد من المجالات فهناك 9 نواب منهم فى المجالس التشريعية والمئات منهم فى التدريس الجامعى وقبل الجامعى، ناهيك عن عملهم فى المصالح والهيئات الحكومية المختلفة.. ومن هنا جاءت مصر فى مصاف أهم الدول التى يشاد بها فى رعاية وتأهيل ذوى الهمم بهدف تعزيز وتنمية وحماية حقوقهم وكرامتهم.. وكيف لا ونحن نرى هذا الاهتمام بهم من الرئيس عبدالفتاح السيسى الذين يعتبرونه وبحق الأب الروحى لهم، حيث قدم لهم كافة سبل الدعم والتشجيع بحسبانهم يمثلون أحد المصادر المؤثرة للقوة الناعمة فى المجتمع المصرى والذين يقارب عددهم 15 مليون نسمة وهى نسبة لا يستهان بها على الإطلاق.
وإذا انتقلنا الى كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى فسوف أتوقف عند كلمة "الثروة البشرية فى مصر" حيث كان سيادته موفقًا كل التوفيق عندما أشار الى الثروة البشرية فى مصر، والتى تعتبر أحد أهم ثرواتها حيث جاء وضع تلك العبارة فى ذات السياق الذى تحدث فيه عن ذوى الهمم، وهو ما يؤكد أنه يضع هؤلاء وهؤلاء فى ذات القدر من الأهمية والاهتمام بالنسبة للدولة المصرية.. ولا يختلف اثنان على أن القوى البشرية تمثل أحد أهم عنصر ومورد من موارد الدولة فى عملية البناء والتنمية وهى الوقود اللازم لدفع عجلة الاقتصاد الى الأمام وإنها المكون الرئيسى للدول الاقتصادية الناجحة ومن هنا جاء اهتمام الدولة بالتنمية البشرية التى تؤدى الى خلق كوادر قادرة على بناء منظومات ومؤسسات قوية، وتحقق ميزة تنافسية تمكنها من الوصول إلى مراكز متقدمة فى كافة المجالات خاصة الصناعة التى تحتاج الى العنصر البشرى الكفء والمعد إعدادًا جيدًا للقيام بالمهام الصناعية الموكولة اليه.. والحقيقة أن قوة مصر تكمن أساسًا فى ثروتها البشرية التى لا تملكها أى دولة فى المنطقة، ولذلك فإن الاستثمار الحقيقى لا بد وأن يشمل الاستثمار فى العقول والبشر لخلق جيل جديد من الشباب ذو المهارات الحرفية المتعددة والقادرة على دفع عجلة الإنتاج فى مختلف المجالات وهذا يتحقق– من وجهة نظرى- من خلال ربط التعليم بسوق العمل وإحتياجاته وهذا يتطلب وجود رؤية استراتيجية مستقبلية.. وإعادة تأهيل وتدريب العناصر الموجودة الأن بسوق العمل لتواكب متطلباته.. وأعتقد أن جميع أجهزة الدولة بدأت بالفعل فى السير فى هذا الإتجاه، خاصة أن هناك العديد من دول العالم أصبحت تعانى من ندرة الأيدى العاملة من أبنائها وبدأت تتجه الى التعاقد مع العمال المهرة فى بعض المجالات الصناعية المحددة، وجاءت مصر كإحدى وجهات هذه الدول.
وعودةً إلى كلمة الرئيس مرة أخرى حيث أكد أن الدولة المصرية على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التى نعانى منها إلا أن الأمور بدأت تأخذ طريقها إلى حلحلة الأحول المعيشية والاقتصادية بها خاصة بعد الاتفاق على بعض المشروعات الاستثمارية الجديدة فى البلاد، إلا أن هذا لا يعنى أن الحل النهائى لتلك الأزمات قد أصبح قريبًا بل إن الأمور تحتاج إلى قليل من الصبر والثقة فى أن الدولة بكافة أجهزتها لا تألوا جهدًا للتعامل مع تلك الأزمات بكل وضوح وشفافية.. وهو الأمر الذى أجد فيه أن هناك دورا لشبابنا الذين يمثلون القوة الضاربة للثروة البشرية فى مصر، حيث إن كل إنفراجة أو نجاح سوف يتحقق خلال المرحلة الحالية كما هو متوقع سوف تتم مقابلته بعواصف وحروب من الأكاذيب والشائعات وحملات التشويه والتشكيك، وهى الأسلحة التى تملكها قوى الشر وتحسن استخدامها كلما تحققت أى نجاحات أو إنجازات.
إننى أرى أن مصر تواجه حربًا شرسة ومتواصلة من ذوى الشر حيث تعمل أطرافه على نشر المغالطات وتزييف الحقائق ومحاولات احتلال العقول، ومن هنا فإنه لا بد أن نخوض تلك المعركة من خلال تحرك مؤسسات الدولة المختلفة وإطلاق الحوارات الجادة داخل الجامعات والمدارس، وذلك بغرض إعادة الوعى وليس بنائه....فنحن لا نشكك فى وعى شبابنا على الإطلاق ولكننا ندعوه إلى التأكد من أن الدولة المصرية تعمل لصالحه سواء كان من ذوى الهمم أو الأصحاء وأن بناء الحاضر والمستقبل للوطن لم يتم إلا على أيديهم، وأن هناك قوى خارجية وداخلية تسعى جاهدةً فى إجهاض أى محاولة للدولة المصرية لتحقيق الاستقرار أو التنمية وجميعنا نعيش حاليًا تلك الضغوط التى تمارس علينا؛ للموافقة على إملاءات معينة إلا أن الموقف القوى للرئيس عبدالفتاح السيسى ونحن من ورائه أفشل تلك المخططات وهذه الضغوط.
إننى أدعو المسئولين فى الدولة كل فى موقعه واختصاصه أن يحذو حذو الرئيس عبدالفتاح السيسى لفتح قنوات تواصل وإتصال مع العاملين أو الطلبة الدارسين أو أى فئة من فئات المجتمع لشرح خطورة وأهمية المرحلة التى تمر بها البلاد.. وأن يكونوا على ثقة أن القادم من خلالهم من الممكن أن يكون أفضل، وأن يراجعوا دائمًا تلك الحوارات والمناقشات التى تدور بين الرئيس وبين من يجتمع بهم فى المناسبات المختلفة، بما فيها لقاءاته مع ذوى الهمم ويقفوا على مدى الأمل والتحدى الذى يلاقيه هؤلاء؛ للتغلب على الأمر الواقع الذى فرض عليهم ولنتعلم منهم أنهم قادرون بدون اختلاف بل إنهم قدوة لنا.. وتحيا مصر.