لا برامج لنزع السلاح!
التوترات المتصاعدة، والمتزايدة، التى يشهدها العالم اليوم، تضع المنظومة الدولية متعددة الأطراف، خاصة المعنية بنزع السلاح، أمام تحديات جسيمة، وتفرض على جميع الدول التصرف بمسئولية، وتستوجب، ولو صوريًا، اعتماد برنامج العمل الشامل والمتوازن، الذى طالب به «بيان مصر» أمام الشق رفيع المستوى لـ«مؤتمر نزع السلاح»، الذى أقيم أمس، الإثنين، بمدينة جنيف السويسرية، وأكدت فيه الدولة المصرية، مجددًا، التزامها بدعم كل جهود رئاسة المؤتمر الهادفة إلى إحياء دوره التاريخى.
ظلت الدول المؤسسة للمؤتمر، التى كانت مصر من بينها، تجتمع، منذ سنة ١٩٦٢، تحت رئاسة الاتحاد السوفيتى السابق، والولايات المتحدة بالتناوب، ثم قررت، سنة ١٩٧٨، إطلاق المؤتمر ليناقش قضايا نزع السلاح، بشكل شامل، فى إطار العمل الدولى، وحددت اختصاصاته فى عشرة ملفات رئيسية، أبرزها مجالات التسلح النووى، الأسلحة الكيميائية، أسلحة الدمار الشامل، الأسلحة التقليدية، و... و... ووضع برامج عمل شاملة، لم يتم وضعها طوال سنوات، لنزع السلاح. وعليه، أكدت مصر أن نجاح المؤتمر فى اعتماد برنامج عمل، للسنة الجارية، سيشكّل خطوة ضرورية على طريق استعادة مصداقية المنظومة الدولية، متعددة الأطراف، وسيؤدى، بشكل مباشر، إلى تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
بيان مصر، الذى ألقاه سامح شكرى، وزير الخارجية، أكد أن حالة الجمود، التى عانى منها المؤتمر، على مدار السنوات الماضية، حالت دون اعتماد جدول للأعمال، يتيح له القيام بدوره وفقًا لولايته التفاوضية، مرجعًا ذلك إلى عدة أسباب أبرزها إصرار بعض الدول على رفض تحقيق أى تقدم جدى فى نزع السلاح النووى بشكل خاضع للتحقق وغير قابل للتراجع. كما أوضح وزير الخارجية أن واقع الأمر كاشف لاستمرار تنصل الدول النووية من التزاماتها وتكريس وضعها التمييزى، وتوسعها الأفقى والرأسى فى ترساناتها النووية، بما يشكل تحديًا أمام مصداقية المنظومة الدولية لنزع السلاح وعدم الانتشار.
تأسيسًا على ذلك، وفى ظل إسهامها التاريخى فى تشكيل المنظومة الدولية لنزع السلاح، شدّدت مصر على أهمية استعادة مركزية قضايا نزع السلاح وضبط التسلح فى أجندة العمل الدولى. وطالبت بامتثال الدول النووية لالتزاماتها القانونية بتحقيق نزع السلاح النووى، بشكل خاضع للتحقق، وفقًا لمعاهدة عدم الانتشار، ومخرجات مؤتمر المراجعة فى ١٩٩٥ و٢٠٠٠ و٢٠١٠. والإشارة، هنا، قد تكون مهمة إلى أن مصر طالبت، فى ١٩ مارس ٢٠٠٣، بلسان سامح شكرى، أيضًا، الذى كان وقتها سفيرنا لدى فيينا ومندوبنا الدائم لدى منظمات الأمم المتحدة، بضرورة امتثال جميع الدول لقرارات الشرعية الدولية الداعية لتحقيق عالمية نظام الانتشار النووى، الذى تعد معاداة عدم انتشار الأسلحة النووية دعامته الرئيسية.
المهم، أو ما نراه أكثر أهمية، هو أن بيان مصر أكد أن الحرب الدائرة فى قطاع غزة، التى شهدت تلويحًا رسميًا باستخدام السلاح النووى ضد الشعب الفلسطينى، تفرض على كل القوى المحبة للسلام العمل من أجل استعادة وتعزيز ركائز الاستقرار الإقليمى فى الشرق الأوسط، كما شدد على أهمية قيام الدول النووية بمسئولياتها، خاصة الدول الثلاث المودعة لديها معاهدة عدم الانتشار النووى، والعمل على التوصل إلى ضمانات أمنية ملزمة قانونًا بعدم استخدام، أو التهديد باستخدام الأسلحة النووية.
فى هذا السياق، شدّدت مصر، مجددًا، على ضرورة الوقف الفورى للعدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى، وأكدت حتمية التوصل إلى وقف مستدام لإطلاق النار والعمل على استدامة وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. كما استنكرت المعايير المزدوجة، التى يتعامل البعض بموجبها مع قيمة حياة الإنسان بشكل انتقائى، وجدّدت رفضها القاطع كل محاولات التهجير القسرى للشعب الفلسطينى من أراضيه، وطالبت المجتمع الدولى بتحمل مسئولياته فى حماية الفلسطينيين، ودعم حقهم غير القابل للتصرف فى إقامة دولتهم المستقلة، على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، وعاصمتها القدس الشرقية.
.. وتبقى الإشارة إلى أن بيان مصر أمام «مؤتمر نزع السلاح»، تناول الأبعاد الاستراتيجية لبيئة الفضاء الخارجى الأمنية، موضحًا أن اتصالها الوثيق بالتوازن الاستراتيجى بين القوى النووية، يجعل من منع سباق التسلح فى الفضاء الخارجى أحد الأهداف الرئيسية لجهود تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.