"طابا – العريش".. ضربة معلم
في السياسة وما يرتبط بمصالح الدول وأمنها القومي لا مجال للكسل أو التاخير في اتخاذ كل التدابير التي تؤمن المصالح العليا للبلاد وخطتها الاسترتيجية، ينطبق ذلك على الدول الناجحة ذات التأثير الدولي والإقليمي فقط، وهي الدول التي ترتبط مصالحها بمحيطها الإقليمي وموقعها الجغرافي.
مصرنا الغالية من هذه الدول التي فرض عليها التاريخ والجغرافيا أن تظل مفتوحة العينين دائمًا، خاصة فيما يرتبط بالمصالح العليا للدولة وأمننا القومي.
وهذا ما تأكدت منه حين اطلعت على مشروع محور "طابا- العريش" بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، وقد قطعت الدولة المصرية شوطًا كبيرًا في تطوير الموانئ البحرية منذ توليه المسئولية، ورغبته المعلنة في تحويل مصر لمركز عالمي للتجارة واللوجستيات بما أعتبره ضربة "معلم" استباقية لكل المشاريع التي يعتقد أنها تصلح بديلًا لقناة السويس.
بدأ مشروع محور "طابا– العريش" بإعادة تأهيل وتطوير خط السكة الحديد "الفردان- بئر العبد" بطول 100 كيلو متر، والذي تعرض للسرقة وتم تفكيكه خلال أحداث 25 يناير 2011، وهو يأتي استكمالًا لخطة تنفيذ ممر "العريش- طابا" اللوجستي، والذي يبدأ من ميناء العريش البحري حتى منفذ طابا البري، ويربط بينهما خط سكك حديد "العريش- طابا"، وهو امتداد لخط "الفردان- بئر العبد- العريش" مرورًا بمنطقة الصناعات الثقيلة في وسط سيناء.
وفي مداخليه تليفزيونية للفريق كامل الوزير، وزير النقل والمواصلات، كشف خلالها عن ارتباط ممر "طابا- العريش" بمحور للنقل البري، يبدأ من مينا الفاو بالعراق الشقيق مرورًا بميناء العقبة في الأردن الشقيق، ومنه لميناء نويبع المصري، ومنه إلى طابا ثم العريش عن طريق قطارات سكك حديدية، ثم إلى البحر المتوسط مباشرة إلى أوروبا.
أبرز ما جاء في كلام وزير النقل هو قسمه بأن هذا الممر التجاري لم يكن رد فعل لأي مشاريع أخرى، ولكنها الضرورة المصرية والاستغلال الأفضل للسيادة المصرية على أرض سيناء الحبيبة وموقعها الجغرافي المتميز بما يمكنه تقديم خدمات نقل ولوجستية للعالم أجمع إلى جانب ما تقدمه قناة السويس من خدمات للنقل البحري.
وأضاف "الوزير" أن الخط سيخدم نقل الركاب والبضائع والتجمعات السكنية والصناعية والتعدينية بسيناء، عن طريق ربط المصانع بوصلات سكك حديدية ثم التصدير عبر ميناء العريش وطابا إلى الخارج، إذ يرتبط هذا الخط مع شبكة السكك الحديدية بأنحاء الجمهورية، مشيرا إلى أن الممر اللوجستى العريش- طابا؛ هو ممر تنمية جديد يسهم فى تحقيق التنمية الشاملة فى سيناء وله عوائد اقتصادية عديدة وسيخدم أهالى شمال ووسط وجنوب سيناء.
تصريحات الوزير كامل الوزير تزامنت- بالصدفة- مع احتفال وزيرة المواصلات الصهيونية "ميري ريغف" في فيديو مصور بثته عبر موقعها على منصة "إكس" وهي بأحد الموانئ الهندية بما أسمته الجسر البري لنقل البضائع إلى دولة العدو "إسرائيل" عن طريق بعض الدول العربية.
وقالت الوزيرة: "إننا في ميناء موندرا، وهو أكبر ميناء في الهند في أقصى الشمال، وتخرج منه البضائع. هذه الشحنات كلها متجهة إلى الخليج ومنها إلى "إسرائيل" فيما يعرف بمشروع "سكة السلام".
مشروع "سكة السلام" هذا لم يكن الوحيد الذي تسعي دول الجوار إلى إنشائه، لكن هناك مشروعا آخر يهدف إلى بناء ممر نقل برى وسكة حديد يمتد من البصرة جنوب العراق إلى الحدود التركية لربط ميناء الفاو الكبير بتركيا وصولًا إلى أوروبا بطول 1200 كيلومتر ويشارك بالمشروع 10 دول إقليمية.
ويقال إنه مشروع قديم بدأ التفكير فيه في عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني قبل أكثر من قرن من الزمان، بهدف ربط الشرق الأوسط وآسيا بالقارة الأوروبية، ويقال أيضا إن 10 دول تشارك فيه بمساهمة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي
ويقال أيضا إن المشروع عبارة عن خطين، خط سكة حديد وطريق نقل برى يُسمى القناة الجافة بطول 1200 كيلو متر من جنوب شرق العراق صعودًا إلى شمال غرب العراق مع الحدود التركية، ومن المتوقع أن تكون سرعة القطار 300 كيلو متر في الساعة لنقل الركاب أو 140 كيلو مترا لنقل البضائع، وبالتالي بدلًا من أن تستغرق الرحلة 15 يومًا عن طريق قناة السويس ستستغرق 3 أيام فقط، ويمكن لهذا الطريق أن ينقل نحو 400 ألف حاوية.
وقبل أن يدب القلق في نفوس المصريين علينا فهم عدة حقائق تخص قناة السويس وهي أن أحدًا لن يستطيع التخلي عن قناتنا بما فيها الدول العشر المشاركة في هذا المحور، حتى في وجود المؤامرة.
فالشاحنات الثقيلة والعملاقة لا بد أن تمر من خلال ممر مائي- ولا يوجد غير قناة السويس- التي اقتصرت مدة العبور بها إلى 11 ساعة فقط بعد ازدواجها وتطويرها، كما أن جميع الطرق البديلة تفتقد عنصر الأمان، وقد تكون عرضة للعديد من المخاطر أخطرها الإرهاب، وأقلها الخلافات الدولية التي تجمع بين دول المحاور البديلة جميعا.
أهم مما سبق هو ما أعلنه الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، وأكد خلاله أن إحصائيات الملاحة بالقناة خلال العام المالي 2022/ 2023 سجلت أرقامًا قياسية جديدة وغير مسبوقة على مدار تاريخ القناة، محققة أعلى معدل للعبور بإجمالي 25 ألفا و887 سفينة، وأعلى حمولة صافية سنوية لنفس العام بلغت 1.5 مليار طن بضائع وهي حمولات تحتاج لعشرات السنين إذا ما تم نقلها عبر الطرق البرية مهما قصرت مسافاتها أو زادت سرعة قطاراتها، ومن هنا نقدر نقول بثقة إن مصر بخير وستظل كذلك بإذن الله.