عندما يصبح الأب خاطفًا.. أمهات تروي مأساة خطف أبنائهن خارج مصر
منذ 6 سنوات، وطأت قدم "أحمد"، 46 عامًا، الذي عمل في السياحة، محافظة السويس هاربًا من تنفيذ أحكام قضائية نجحت زوجته في الحصول عليها ضده، لرد حقوقها الشرعية إثر تلويحه بتطليقها، خلال تلك المدة وجد في "آية حلاوة" زوجة مثالية، فقرر أن يتناسى مشكلاته القضائية ويتقدم لخطبتها، إلا أنه لم يخبرها بما يحمله من ملاحقات أمنية، لكن السر لم يدم طويلًا.
تفاجئت "آية" يوم عقد قرانها على "أحمد" أن له زوجة أولى أقامت ضده دعوى خلع، إلا أنها ظنّت فيه خيرا، ولم يدم زواجهما سوى شهرين حتى علم "أحمد" أن زوجته الأولى انتزعت حكما قضائيا بالخلع، وبعد مرور 3 شهور أخرى بدأت الخلافات تدب بين "أحمد" و"آية" ووصلت إلى الطلاق، إلا أن "أحمد" رفض طلبها، فقررت الذهاب لأهلها لحين الوصول لحل ودي بين الطرفين.
خلال فترة زواجهما، أنجبا "جويرية"، عامان ونصف، "محمد"، 4 أعوام، وبعد الخلافات تركهما مع والدتهما وعاد إلى "القاهرة"، وبعد شهور بالتزامن مع عيد الفطر الماضي زارهم للاحتفال معهم، ومحاولًا رد زوجته لكنها رفضت خوفًا منه، فهي لم تعد تأتمنه لأن أصل المشكلة أنه أجبرها على كتابة إيصالات أمانة لسداد ديونه لآخرين، وظل يهددها بالحبس، وعندما رفضت الرجوع ضربها واختفى.
في 8 يونيو الماضي، عاد "أحمد" مرة أخرى جلس مع الأولاد متناولًا العشاء، ثم استئذن في أخذ "محمد" للمبيت معه، وعاد به في اليوم التالي، طالبًا من "آية" أن يخرج مع الطفلين، ورغم رفضها لكن والدتها نصحتها بأنه والدهما له الحق في ذلك، لكنه لم يعد بهما، بالتواصل هاتفيًا معه أغلق هاتفه، وفي السابعة صباحًا راسل زوج أختها يخبره أنه سيسافر بالأولاد إلى "قطر" ولن ترى أولادها مرة أخرى، فحاولت التواصل مع أهله لكنهم لم يدلوها على شئ، ولسوء الحظ لا تعرف مكان الشركة التي عمل بها في "القاهرة" لتبحث عنه هناك، ومرّ على ذلك 9 أشهر ولا تزال تبحث عن ولديها، متمنية أن يعيدهما الله لها.
ووصلت "الدستور" إلى حالات أخرى مشابهة لتنضم إلى قائمة الأمهات المكلومة لفقدان أبنائها دون الاستدلال على أماكنهم، بسبب قصور المادة 292 من قانون العقوبات التي تنص على: "يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تزيد على 500 جنيهًا مصريًا أي الوالدين أو الجدين لم يسلم ولده الصغير أو ولد ولده إلى من له الحق فى طلبه بناء على قرار من جهة القضاء صادر بشأن حضانته أو حفظه"، والتي تسقط باعتراف الأب أنه ممنوع من رؤية أبنائه، واضطر لذلك ليتمكن من رؤيتهم.
"مريم" سافرت لاسترداد أطفالها فعادت جثة هامدة
منذ أيام هزت قصة "مريم" مواقع التواصل الاجتماعي، فهي أم سافرت إلى سويسرا للبحث عن أبنائها الذين تم خطفهم من قبل والدهم بعد خلافات بين الزوجين، تواصلت مع جمعيات ومؤسسات خيرية في سويسرا، وسافرت وحصلت على الإقامة، والمحكمة في بادئ الأمر حكمت لها بأن ترى بناتها مرتين في الأسبوع ثم ثلاثة بإقامة كاملة، وبعد حصولها على حكم نهائي بضم الطفلتين ودعم القانون السويسري لها، اختفت في ظروف غامضة إلى أن عادت جثة هامدة إلى أهلها في مصر، واتهام الزوج بقتلها، وتم عرض طفلتيها للتبني في مركز الأمومة والطفولة بسويسرا، وتجاهد أسرتها للسفر واستعادة الطفلتين من هناك.
القومي للمرأة: يجب وضع الأطفال على قوائم الممنوعين من السفر
تقول هبة عادل، مدير مبادرة محاميات مصريات، وعضو لجنة المجتمع المدني بالمجلس القومي للمرأة،: على الرغم من صدور أحكام للأمهات بحضانة الأبناء، لكن لا تُتخذ إجراءات تلقائية لمنع سفر الأبناء أو وضعهم على قوائم الممنوعين من السفر، ما يعد قصورًا في القانون حيث تجد الأم نفسها عاجزة عن معرفة مكان أبنائها بعد أن يخطفهم الأب وينتقل بهم لدولة أو محافظة أخرى، خاصة إذا كانت الدولة ليس لدينا معها اتفاقيات التعاون القضائي.
سارة: زوجي هددني بالحبس بتهم ملفقة
سارة فؤاد، الحالة الثانية التي تواصلنا معها، تبلغ من العمر 38 عامًا، تعمل في خدمة العملاء لإحدى الشركات الأجنبية، حكايتها مع الزواج لم تختلف عن أي قصة تقليدية، فتزوجت في مدينة الغردقة واستمرت الحياة بينهما لسنوات عدة، خلالها أنجبا "لارا" -8 سنوات- و"سيف" -13 عامًا- إلا أن تلك الحياة الهنيئة لم تَدُم، فبعد مرور 9 سنوات على زواجهما فوجئت بطلاقها غيابيًا.
وفسرّت أسباب الطلاق أن قلب زوجها مال لإمرأة أخرى وأراد الزواج منها، فرفضت الاستمرار معه لكنها لم تطلب الطلاق بشكل مباشر، فهجرها لمدة عامين مع الأطفال ثم فوجئت بطلاقها غيابيًا، مع رفضه القاطع بحصولها على أي حقوق لها أو لأطفالها، كما أراد إخراجهم من مدارس اللغات لمساومة الأم على تقليل نفقات دراستهم.
وفي عام 2016، حاول الأب اختطاف الابن، الذي لم يكمل 5 سنوات وقتها، من أمام المنزل، لكنها محاولة لم تكتمل حيث لحقت به الأم ، التى حررت المحضر رقم 4330، لكن في ديسمبر الماضي، كرر الأب نفس المحاولة، بعدما حرّض الطفل على ترك أمه والتمسك بالذهاب لأبيه، واقتنع الطفل بكلمات والده لأن متطلباته المادية زادت والأم أصبحت غير قادرة على سدّها، خاصة أنه في مدارس لغات مصروفاتها مرتفعة.
وفي 31 ديسمبر الماضي، بالفعل تمت عملية الاختطاف، حيث وجدتهما غائبين عن المنزل ولم تجدهما في أي مكان خارجه، فتقدمت ببلاغ في قسم شرطة الغردقة ضد والدهما بتهمة خطف الأولاد، والمحضر رقمه 12707 إداري، وبدلًا من مساعدتها فوجئت بعدد من الضباط يجبرها على التنازل عن حضانة الأطفال لوالدهم، وعندما أصرت على الرفض انتزعوا منها هاتفها وحقيبتها وظلت منتظرة مدة طويلة في قسم الشرطة، والخوف والقلق يملئ عقلها.
وبصوت يغلبه البكاء، تابعت: بالفعل كانا معه، لكنه ادّعى أنهما هربا مني لأنني أرعبهما وأهملهما، ومع إصراري على رفض التنازل هددوني بالسجن بأي تهمة ملفقة إذا لم أوقّع على التنازل، وهدد الأب بحبس الأبناء أيضًا في الأحداث، لكنها دخلت في حالة من الانهيار العصبي، حتى أكدوا لها أن الأطفال سيأخذهم أحد أقارب الأب، فرفضت وأصرت أن يذهبا مع صديقة لها، وظلت في الحجز لمدة 48 ساعة حتى تم الإفراج عنها وتخليص أوراقها من سراي النيابة.
وفي مساء اليوم التالي، في 2 يناير الماضي، طلبت من صديقتها أن تذهب مع الأطفال إلى المدرسة للحاق بامتحاناتهم، وأنها ستأخذهم بعد انتهائهم من امتحان هذا اليوم، لكنها فوجئت أن الطفل خرج قبل انتهاء الامتحان بربع ساعة وأخذ أخته معه، فذهبت لمحاميها وقدمت بلاغ خطف للمرة الثالثة، كما قدمت طلب إلى المحامي العام لنيابات البحر الأحمرلاستلام أطفالها، وصدر لصالحها قرار من المحامي العام بتسليمها صغارها، رغم ذلك لم يُنفذ لعدم معرفتها عنوان الأطفال المقيمين فيه في الوقت الحالي.
وحتى الآن لا تعرف عنهم شيئًا، بينما ينكر والدهما أنه خطفهما، ومنعهم من الاستمرار في الامتحانات، ما سيكون سببًا في ضياع سنة دراسية كاملة عليهما، فحاولت التواصل مع أهله دون جدوى، فقط أخبرها أحد جيران بيت عائلة زوجها في "بورسعيد" أن الأطفال بخير ومع والدهم، لكنهم رفضوا إخبارها بعنوانهم، فهو له أكثر من عنوان فلا سبيل للتأكد من أي عنوان دقيق لمكان إقامتهم.
القاهرة للتنمية والقانون: يجب تجريم خطف الأطفال من قبل الآباء
تواصلنا مع المحامية انتصار السعيد، رئيس مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، التي أكدت أن القانون لا يعتبر أخذ الأبناء من الأم عنوة من قبل الأب جريمة خطف، مشيرة إلى أن أقصى إجراء تمكنت من عمله في هذه الحالات الفوز في دعاوى إثبات الحضانة أو الضم، مشيرة إلى أن الدولة أعلنت مؤخرًا عن تشكيل لجنة خاصة بصدور قانون جديد للأحوال الشخصية، مطالبة بتجريم فكرة خطف الأب للأبناء دون إذن الأم الحاضنة، والعكس أيضًا، لأنها تكون وسيلة للمكايدة والضغط.
«المرأة الجديدة»: نتحايل على القانون لاسترجاع الأبناء
وأكدت المحامية علياء عسكر، المستشار القانوني لمؤسسة المرأة الجديدة، في أن قضية خطف الأطفال من قبل أحد الوالدين خطيرة، لأن هذه الحالات تحدث بسبب قصور التشريعات الخاصة بحضانة الأطفال.
وأوضحت "عسكر" أن المحامي عندما يحاول استرجاع الأبناء بطرق غير مباشرة يتم اتهامه باختلاق حالة مخالفة للقانون للحصول على حق الأم، مثل الترصد للأب في المكان المتواجد به الأبناء والاتصال بالشرطة فور ظهور الأبناء، أو التواصل مع خط نجدة الطفل، وغيرها من الطرق، لأن هناك عقبات في الإجراءات لتنفيذ هذا الحق الذي شرعه الله والقانون لها.
"أ.م" تفاجئت بخطف طفلها إلى أوروبا
الحالة الثالثة، ترويها المحامية علياء عسكر، عن "أ.م"، التي لم تكن هناك خلافات بينها وزوجها، لكنها فوجئت أن الأب والطفل صاحب الخمس سنوات اختفيا، وظلت تبحث عنهما، حتى أبلغها أحد أقارب زوجها أنه هرب بالطفل خارج البلاد، متوجهًا لدول أوروبية، وحينما حاولت السفر وجدت مشقة مادية كبيرة وإجراءات كثيرة للحصول على تأشيرة لتلك البلد ، وليس معها عنوان للأب لمراسلته أو للإبلاغ عنه، خاصة أن الطفل مولود في تلك البلد، وليس لديها علم ما إذا كان القانون هناك سيقف في صفها أم لا.
«أمهات مع إيقاف التنفيذ»: نقدم المشورة القانونية والنفسية مجانًا
ومع تزايد أعداد النساء المكلومة لاختطاف أبنائها من أحضانها،أسست أميرة طنطاوي، حملة "أمهات مع إيقاف التنفيذ"، التي تدعم الأمهات قانونيًا ونفسيًا بالمجان، ويتم توجيه الأم إلى آلية التحرك في تلك الحالات، لكن مع حالات تهريب الأطفال للخارج، يكون الرد الدائم من قبل مكتب التعاون الدولي على الأم بجملة "لم يستدل عليه"، ففرص استرداد هؤلاء الأطفال ضعيفة جدًا، نظرًا لعدم وجود اتفاقيات دولية كافية لتسليم المجرمين بين مصر وباقي دول العالم.
وأوضحت "طنطاوي" أن الأمهات غالبًا ما يلجأن للظهور الإعلامي كشكل من أشكال التوثيق لأطفالهن المخطوفين، رغبةً في إثبات وجودها وحثهم على العودة، لعدم التأثير على الأبناء أنها أهملت البحث عنهم.
"تداوي": عالجنا أم تحولت من الاكتئاب إلى معالجة نفسية
الحديث عن الحالة النفسية لتلك الأمهات، جعلنا نتوجه بالحديث إلى الدكتورة داليا سلّام، مؤسسة "تداوي" للعلاج النفسي، والذي تعاون مؤخرًا مع حملة "أمهات مع إيقاف التنفيذ"، لدعم حالات الأمهات التي طلبت المساعدة النفسية من الحملة.
وأوضحت "سلّام" أنه يُقدم إليهن العلاج النفسي من خلال عمل مجموعات لهم، لأن أغلبهن يعانين من الاكتئاب والإحباط الشديد، ما يؤثر عليهن جسمانيًا، ويأخذن وقتًا طويلًا في التعافي، طالما لم ينتهِ السبب الأصلي وهو عودة الأبناء إلى أحضانهن، موضحة أن التعامل معهم يكون بالعلاج السلوكي أو المعرفي أو بالأدوية حتى لا تصل بأفكارها إلى الانتحار، فكل شخصية تختلف عن الأخرى.
وعن أبرز الحالات التي تعاملت معها، كانت أم لأربع أبناء، حُرمت من أبنائها لمدة 5 سنوات، وحرمها الأب منهم إلا في الرؤية الشرعية، لكن بسبب اللعب على وتر أن الأم غير جديرة بهم، وصل بهم الحال لرفض رؤيتها، فاستمرت بالعلاج بالأدوية، حتى واظبت على دورات تدريبية خاصة بعلم النفس بحكم دراستها، إلى أن انتهت من ماجستير علم النفس، وتحولت إلى معالجة نفسية لمساعدة الحالات المشابهة لها.
أزهري: خطف الأبناء حرام شرعًا
وأخيرًا كان لنا حديث مع الشيخ الأزهري ياسر سلمي، باحث في العلوم الشرعية، قال إنه حسب الشريعة فإن الأبناء من الأفضل أن يكونوا في حضانة الأم طالما لا زالوا في سن صغير، لأنها الأقدر على الرعاية والاحتواء في هذا السن، وعليها ألا تمنعهم من زيارة الأب والخروج معه في أي مكان، حفاظًا على السلامة النفسية للأبناء.
وأوضح "سلمي" أنه إذا حدث تنازع بين الأم والأب ولجأوا للتقاضي وتم الحكم بحضانة الأم للأبناء، فلا يجوز للأب أن يأخذ الأبناء في هذه الحالة، وله الحق فقط في الرؤية الشرعية كما يحددها القاضي، ولا يجوز حرمان الأم من أبنائها إلا بحكم القاضي إذا كانت سيئة السمعة أو السلوك أو لا تهتم بالأبناء ووجود ما يثبت أي حالة من تلك الحالات.
وأكد أنه لا يجوز للأب أن يخفي الأبناء عن الأم إذا منحتهم له لرؤيته والخروج معه، لأن الطفل في هذه الحالة هو أمانة لديه، ولدينا في قول الرسول (ﷺ) أسوة، حيث قال: "المؤمن لا يغدر"، كما قال: "آيات المنافقين ثلاث إذا عاهد غدر"، وقال أيضًا: "أدِ الأمانة إلى أهلها"، لذا فهذا الفعل حرام، فهو غدر وخيانة للأمانة.
"محاكم سريعة التنفيذ" و"إبرام اتفاقيات دولية"
وفي نهاية التحقيق، تطرقنا لوضع حلول لتلك الأزمة، فأكدت المحامية هبة عادل، عضو لجنة المجتمع المدني بالمجلس القومي للمرأة،أنه ينبغى وضع حلول تشريعية وإجرائية مثل إنشاء إدارات لتنفيذ الأحكام القضائية بشكل سريع، وتفعيل دور النيابة للتحرك الفوري عند بلاغات خطف الأطفال، ووضع نظام شامل يربط بين الحكم وتنفيذه من خلال تخصيص موارد مادية وبشرية كافية، أيضًا إنشاء محاكم متخصصة مزودة بأدوات الضبط القضائي، وسبل اتصال سهلة للأمهات للإبلاغ عن حالات الخطف، حتى يتسنى التحرك العاجل لإنقاذ الأبناء ووضعهم على قوائم الممنوعين من السفر.
وشاركتها في الاقتراحات، المحامية علياء عسكر، المستشار القانوني لمؤسسة المرأة الجديدة، داعية لضرورة إبرام اتفاقيات دولية تكفل حقوق الأطفال وتيسر على الآباء والأمهات استردادهم في مثل هذه الحالات، مناشدة أيضًا بتفعيل الموافقة الكتابية للأم الحاضنة في حالة أراد الأب السفر مع الأبناء خارج البلاد.