مروى علي الدين: الكتابة لها سحر يهتف في أعماقى.. وأنحاز للقصة القصيرة وأحبذها
تخرجت الكاتبة مروى علًي الدٌين تخرجت فًي كليٌة الآداب قسم اللغة الإنجلٌزٌية بجامعة المنصورة، صدر لها،" نصف تفاحة متتالية قصصية"، ونصوص "جاليٌرياٌ" متتالٌة اللون والظل، ترشحت روايتها " أطفال الشاي" للقائمة القصٌيرة لجائزة خٌيري شلبي 2022_ ولها من الأعمال المترجمة،" رسالة إلى إبنتي"للكاتبة الإفريقية الأمريكية مايا أنجلو، " قلب إمرأة" لمايا أنجلو بالإضافة لعدد من الترجمات المسرحية وعنوانها " المتاهة" ورواية قيد النشر بعنوان ألفرٌقٌة المرٌكٌبة.
«مروى» من جيل الثمانينيات الذي آثر ذويه النمطية والتقليد، فلم تحدث طفرات مُدوية يضيع معها الطريق، بل عشنا نسير في مسارات، في طوابير فكرية، والأفكار الفنية المُعلبة، والإجابة النموذجية، والتلقين.
لا تنكر “مروى” تأثرها بعدد من الكتاب والمفكرين أمثال نجيب محفوظ، أمل دنقل، وديع سعادة، الكردي "شيركو بيكه "،تتحدث للدستور من أول سطر.
_بعد سبع سنوات على صدور آخر أعمالك "جاليريا"، أين أنت من الكتابة، وهل هناك بالفعل توقف عنها؟
أستغرب قدرة كثيرين من الكُتاب على تأليف كتاب تلو آخر، وصادف أن رأيت بعضهم يُعلنون عن ميلاد أكثر من عمل في الآن ذاته مع أكثر من دار نشر، ومع كل تجربة حالفني الحظ من قبل وأصدرت كتابًا ورقيًا، ظننت أنني لن أعيد الكرّة، غير أن سحرًا ما للكتابة يهتف في الأعماق، شيء لا يعترف بالزمن يحث على الكتابة، لكن الحظ في النشر لا ينزل عند رغبتي الشخصية رغم أكثر من عمل حبيس الأدراج. وأتحايل بيني وبين نفسي على إنجاز عمل جديد رغم أن اخوته لم يبلغوا الحلم، فالكاتب تتقوى عضلات قلبه ويضخ مشاعر أكثر، ويتقوى عقله ويتدفق الدم بصداع الأفكار وسطوة حكايات تنادي بحرية أصحابها وتحرير أسرهم.
_وعملك الذي لم يخرج للنور "أطفال الشّاي" الذي ترشح ضمن القائمة القصيرة لجائزة خيري شلبي 2022، حدثينا عنه ؟
كانت مُغامرة، لم أتوقع للرواية أن تترشح للقائمة الطويلة، ثم تصاعد التنافس لالتقاط الحظ وخروج أطفال الشاي وحكاياتهم في رعاية الراوي العليم التائه إلى القاريء.
لست أدري من يُنير الطريق لمن؛ هل الكاتب يُضيء طريقًا أمام القاريء، أم أن القاريء ينفخ الروح في الكاتب حين يقطف من شجرته ورقة كي تنبت مكانها أخرى!.
تجاوزت حد التشظي.. وهذا تحديدا ما أجنح إليه وأبحث عنه؛ فلست أدعي إثارة القضايا العظيمة والدفاع المستميت عنها مثلما دفعت كثيرات الثمن من حرياتهن وأعمارهن أو ملاحقة المجتمع بالنبذ والنفور لجرأتهن، ولست أدعي كذلك أنني سآت بغير ما أتى به السابقون، أو ما سيأت به لاحقون؛ كل ما في الأمر، أنني أكتب الحكاية مثلما كشفت لي عن نفسها، وهذا ما حدث في "أطفال الشاي" أن تخنق النظرة الكلاسيكية للحكاية عند الناشر والمُتلقي براحًا جديدًا أحارب لأجله، أن الحكاية أكبر ألف مرة من حدود العبارة المباشرة مهما كانت لغتها جزلة، وأبقى من شعبية تيارات فكرة تسحب وراءها حكايات تؤرخ لمرحلة ما. لأن أبناء كل زمن يحملون ختمه على جباههم، مثلما أنتمي لجيل الثمانينات.
_يُغلف كتابات "مروى عليّ الدين" كثير من الأبعاد الاجتماعية والنفسية، حدثينا عن تلك الرؤى والمسارات الغرائبية المُوزعة على أعمالك؟
ربما تبدو السياقات غرائبية، وأختزل أحيانا كثير مما أريده في إطار نص قصير، تروقني قصيدة النثر، أرى أنها تفتح الباب للتعليل والدلالة ولأنني لست شاعرة رغم غرامي بالأشعار، إلا أنني أنحاز لأجواء القصة القصيرة وأميل إليها، وهذه تحديدًا تمنحني من نسلها أخبارًا لشخصيات لا يُكثرون الحديث، طريقهم إلى قلب الأشياء مُختصر مثلما يقول "ميلان كونديرا": "فن الحذف ضروري للوصول إلى قلب الأشياء". وربما لهذا الأمر الشعور المُلح لدى أي كاتب أن هناك شيء لم يبُح به بعد، أو أفكار لم تُفصح عن نفسها، أو البحث وراء رؤية، أو نُكتة تلوكها الأفواه.
ولأن رحلة الإنسان مهما حاول أن يتشبه بغيره التماسًا للتماهي مع الجماعة كي يروق له الشعور بالانتماء فإنه يُشبه حكايته بحكايات الآخرين، غير أن لكل إنسان مفهومه الشخصي عن الأشياء. وليست أشهر كتاباتي القصص الغرائبية التي كتبتها، فقد ظهرت فقط في نصوص قصيرة نشرتها على صفحتي على "فيسبوك".
_كيف ترى "مروى علي الدين" مستقبل الفن والآداب والفكر في ظل هذه الحروب التي تجتاح العالم؟
أنتمي لجيل الثمانينات؛ الذي آثر ذويه النمطية والتقليد، فلم تحدث طفرات مُدوية يضيع معها الطريق، بل عشنا نسير في مسارات، في طوابير فكرية، والأفكار الفنية المُعلبة، والإجابة النموذجية، والتلقين، حيل التذكر هي التي بالكاد نمارسها اليوم في ألعاب الفنون والكتابة، غير أن الثورة المعلوماتية لعبت دورًا خطيرا جدًا في التنامي السريع للأفكار، فأصبح هناك من وسائل البحث والمعرفة المجانية ما يُغذي الفنان التشكيلي، والعازف، والشاعر، والباحث بكل ما يُثري خياله ويفتح أمامه الأبواب كي يُعلن عن نفسه ورؤيته الشخصية، وهذا سلاح بلا مقبض، فالفنان يقبض على سلاح المعرفة في لهاث محموم كي يُثبت وجوده ويُعلن عن نفسه وكيانه، في مضمار منافسة شرسة وتدفق نهر الزمن بمنتهى السرعة والخطورة. وهذا يشق على الفنان أن يُبت تميزه، لهذا رغما عنا نكتشف مع كل عقد من الزمان، ما الذي تبقى وما الذي جرفه السيل. ومن الصعب أن تتشكل مجموعة فنية إلى في فرقة مسرحية أو كورال أو أوركسترا، لأن الأدب في الغالب يعتد على شخص واحد، عقل واحد كي يُعلن عن أصالته، أما الورش الفنية، فهي تهدم التميز وتُغيب فرادة الفنان. ولربما كان لهذا أشد الأثر في نزعة عنيفة، موسيقى صاخبة، ألوان صارخة ودستوبيا الشعر والرواية، وموجات عارمة من التشكيك في كل شيء، والتقليل من أصالة كل شيء، وخمش نزاهة الفنان واتهامه بالتقليد، فكل أسبوع تقريبا نقرأ استهجان لعمل فني مسروق من آخر تراثي من ثقافتنا، أو منسوخ من ثقافات أخرى. لكن الإيقاع السريع وكثافة الانتاج تجعلنا نتلهى بالطازج من الأخبار!.
فيما يخص دوافع الكتابة ليك،هل هناك ثمة سطوة لكاتب مصري، أو عربي، أو عالمي مثّل دافعًا لاختيارك الكتابة الأدبية؟
تمنيت أن أكون هذا، وأحذو حذو كاتب، أو مُفكر، أو مدرسة كالرومانسية أو الواقعية، لكنني أتمرد لاشعوريًا على هذه الرغبة الموروثة التي يميل إليها الإنسان كي يحظى بالقبول والرواج. ولا أُنكر تأثري بالعديد من الكتاب والمُفكرين؛ مثل "نجيب محفوظ" وهو كبيرهم الذي علمهم السحر، وأشعار أمل دنقل ووديع سعادة، والشاعر الكردي الرقيق "شيركو بيكه س"، لكنني قبل الموت سأقرأ ما استطعت من الأدب الآسيوي، فهناك الكثير مما يكتنفه الغموض، وكذلك الأدب الفارسي.
أميل لقراءة كتب الميثولوجيا، الأساطير، والحكايات الشعبية القديمة قبل فوران العالم بكل هذا الصخب والعنف وضياع الحقيقة، ربما هي رغبة خفية في الراحة من التعب والبحث عن ثابت في عالم كل شيء فيه يتغير كل لحظة، نحن نعيش على حافة الدهشة إذا جاز القول. وأكثر ما استقر في نفسي؛ مسرحيات "وليام شكسبير" ربما لميله أن يقتص من الجاني، ويوقف الشر عند حده، وألعاب التنكر التي مال إليها كي يكشف العوار فلا مجال بعدها للمراوغة والإنكار، والآن هناك كثير من الكتب التي تتحدث عن إتقان لغات أخرى لم يفقهها البشر من قبل، حتى لو كانت لغة الشياطين، أعتقد أن أي إنسان سيحزن كثيرا إذا سخر منه الشيطان رغم احتقاره له!
_تؤمنين بالشللية أو الجيتوهات الثقافية في الواقع الكتابي المصري؟
لا أسير في جماعة، لكنني أحترم الجميع حتى لو لم تجمعنا الصداقة، وكل ما بُني على المصلحة فمصيره إلى زوال، وأُفضل أن يعرفني الناس وأنا أمشي وحدي، لأن مسيرة الجماعة بهذا الشكل تأكل من نزاهة كرامة صاحبها.
_كيف تُفسرين وجود الكم الضخم من الإصدارات والندوات التي شهدها معرض الكتاب في دورته الخامسة والخمسين؟
لا تقل أهمية عن شراء الكتب، لأنها فرصة حقيقة أن يلتقي القاريء والكاتب والمُفكر في بوتقة النقاش، أو الجدال، أو حتى الاختلاف. وأتمنى أن تتوسع إدارة المعرض في الإعلان عن هذه الفاعليات في الإعلام المرئي والمسموع كي تحظى بشعبية أكثر وحضور وتفاعل أكبر، لأنها تجربة تستحق.
_ أخيرا.. تؤمنين بمفهوم "الخلاص" عند الكاتب، وهل ينتهي حلم الفنان بالخلاص أو السلوى بعد انتهاءه من كتابه نصه؟
الخلاص، والتطهر يساوي الخواء، يعني الموت، فالكاتب هو قاريء نهم في المقام الأول، لكن إذا احتبس التعبير داخله، أو تبخّر، فقد حل عصر الصمت.
أرى أن الخلاص، معنى مُراوغ، فإما أن يتخلص الكاتب من عبء الحكاية ويتبرأ منها ويُعلن أنه كتب كل ما أراده في طيات الكتاب، أو أنه يُحاصر نفسه في زاوية السجين الأخرس الذي يموت دون أن يعترف بالجرم، أو يدفع التهمة عن نفسه!