"الدراسات الأمنية" كتاب يلقي الضوء على دور أجهزة الاستخبارات في العلاقات الدولية
في كتابه "الدراسات الأمنية الدولية: البعد الخفي في إدارة السياسة الخارجية”، والصادر مطلع عن دار العربي للنشر، يشير مؤلفه الباحث دكتور شادي عبد الوهاب منصور، إلى أن الدراسة الأكاديمية للاستخبارات باعتبارها جزءًا من الدراسات الأمنية الدولية، والتي تعد بدورها جزءًا من العلاقات الدولية من الأمور الحديثة نسبيًا، فهي لم تبدأ في الغرب، وتحديدًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، سوى في منتصف السبعينات من القرن العشرين، كما أن دراسة الاستخبارات في الدول الأوروبية، عدا بريطانيا، لم تصل بعد لنفس مستوى التطور الذي وصلت إليه الدراسات الأمريكية والبريطانية.
الفرق بين المدرستين الأمريكية والبريطانية
ويلفت “منصور” في كتابه الدراسات الأمنية، إلى أن المدرستين الأمريكية والبريطانية كانت لكل منهما سماتهما الخاصة، إذ أن المدرسة الأمريكية تركز بصورة أساسية على المفاهيم، والكفاءة التنظيمية، في حين أن المدرسة البريطانية في دراسة الاستخبارات غلب عليها الطابع التاريخي. وعلى الرغم من أنه لا يمكن القول بأن هناك مدرسة كندية مستقلة في دراسة الاستخبارات، فإنها كانت تجمع بين المدرستين، إذ ركز بعضها على البعد المفاهيمي، في حين أن البعض الأخر ركز على الجوانب التاريخية.
أما في الدول العربية، فإن الدراسات المعنية بالاستخبارات لم تصل لنفس مستوى التطور الذي بلغته نظيرته الغربية عمومًا، فلاتزال أغلب الدراسات العربية يغلب عليها الكتب المترجمة من اللغة الإنجليزية إلى العربية، بينما بدأت بعض الكتابات الأكاديمية المحدودة تظهر في المنطقة العربية، وإن اعتمدت بصورة أساسية على المصادر الأمريكية والبريطانية، وساعد عددًا من العوامل في استمرار هيمنة المدرستين الأمريكية والبريطانية على دراسات الاستخبارات، منها ما يتعلق بتشجيع حكومة الدولتين الدراسة الأكاديمية المتخصصة لهذا الحقل من خلال إنشاء المراكز البحثية المتخصصة، والتي عنيت بتطوير هذا الحقل، ومحاولة تطوير مناهج بحثية لرفع كفاءة التحليلات الاستخباراتية.
يسعى كتاب الدراسات الأمنية، إلى تقديم خلفية عن دراسة الاستخبارات من منظور الدراسات الأمنية الدولية، وذلك لتقديم فهم أعمق للعلاقات الدولية، وكيفية إدارتها في الواقع العملي من جانب الدول، وذلك بالاعتماد بصورة رئيسية على الكتب والدوريات الغربية، التي تناولت تحليل الوثائق الاستخباراتية القديمة، أو عالجت الفضائح الاستخباراتية، التي تورطت فيها الدول، خاصة الولايات المتحدة.
يكتسب كتاب الدراسات الأمنية، أهميته من حقيقة أن التطورات والاضطرابات التي شهدتها المنطقة خلال ما يعرف باسم "الربيع العربي" في عام 2011، اقترنت بتصاعد تدخل الدول الإقليمية والدولية الفاعلة في الدول العربية، في محاولة لاستغلال الفرصة التي سنحت في أعقاب الاحتجاجات التي أطاحت ببعض قيادات الدول العربية، أو التي تسببت في انهيار بعض الدول في حروب أهلية داخلية، وذلك لإعادة تشكيل الإقليم، والتحكم في من سيتولى إدارة شؤون دوله، وهي الجهود التي تمت بصورة رئيسية من خلال الاعتماد على دور فاعل لأجهزة الاستخبارات في محاولة لإخفاء هذا التدخل وأجندته.
دور أجهزة الاستخبارات في العلاقات الدولية
وفي هذا الإطار، يسعى كتاب الدراسات الأمنية، إلى إلقاء الضوء على دور أجهزة الاستخبارات في العلاقات الدولية، وذلك من خلال خمس فصول أساسية.
ويسعي الفصل الأولفي كتاب الدراسات الأمنية، إلى الإشارة إلى بدايات تطور الاستخبارات كحقل أكاديمي في الدراسات الأمنية الدولية، وأبرز الاتجاهات في تعريف الاستخبارات، وكذلك أهم القضايا التي يعني بالتركيز عليها. ومن جهة ثانية يسعى هذا الفصل إلى إلقاء الضوء على دور أجهزة الاستخبارات في صياغة السياسية الخارجية للدولة.
أما الفصل الثاني، فيسعى إلى الإشارة إلى كيفية إدارة الاستخبارات لوظائفها من خلال مفهوم "دورة الاستخبارات التحليلية"، والتي تمثل جوهر عمل أجهزة الاستخبارات، فضلًا عن توضيح أهم مصادر المعلومات الاستخباراتية، والتي تتمثل في استخبارات المصادر المفتوحة، والاستخبارات البشرية، واستخبارات الإشارة، واستخبارات الجغرافيا المكانية، والاستخبارات القياسية وتحديد البصمة، واستخبارات مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعالج الفصل الثالث أحد أبرز الوظائف التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات، والتي تتمثل في "العمل السري"، والذي يعد أبرز الأدوات التي تلجأ إليها الدول عند التدخل في شؤون الدول الأخرى، وذلك مع إخفاء هذا التدخل. ويأخذ العمل السري أشكالًا متعددة حرص هذا الفصل على بيان أهمها، والتي تتمثل في الدعاية، وتغيير النظم السياسية، والعمليات الاقتصادية، والعمليات شبه العسكرية، والإمداد بالمعلومات الاستخباراتية.
أما الفصل الرابع، فيلقي الضوء على أحد أشكال العمل السري، ممثلة في دعم التنظيمات الإرهابية، ويرجع التركيز على هذا الجانب إلى حقيقة أنه مثّل أحد الأدوات الأساسية التي ارتكنت إليها العديد من الدول الإقليمية لمساندة تدخلها في بلدان الصراعات في المنطقة العربية، وتحديدًا في سوريا والعراق واليمن وليبيا، وغيرها من دول المنطقة. ويوضح أهداف الدول من تقديم الدعم للتنظيمات الإرهابية، وكذلك أسباب تجاهل الدول الكبرى لجوء بعض الدول لتوظيف التنظيمات الإرهابية كأحد أدوات سياستها الخارجية.
بينما الفصل الخامس، يوضح مفهوم الإخفاق الاستخباراتي، وأبرز العوامل المسببة للإخفاق الاستخباراتي، والتي تتمثل في خطأ التقييمات الاستخباراتية المرفوعة، والإخفاق المؤسسي، والتوتر في العلاقة بين أجهزة الاستخبارات والقادة السياسيين، بالإضافة إلى الإنكار والخداع، ويسعى هذا الفصل في النهاية إلى معالجة قضية مهمة، وهي كيفية منع الإخفاق الاستخباراتي، وذلك من خلال عرض وجهتي النظر حول هذا الموضوع.