معرض الكتاب.. وذكريات طفولتى مع أبى
انتهت فعاليات الدورة الـ55 من معرض القاهرة الدولى للكتاب أمس، وهو الحدث الذى ينتظره عُشاق القراءة من كافة أنحاء العالم كل عام، نظرًا لما يضمه من عدد كبير ومتنوع من الكُتب التى ترضى أذواق مختلف الأطياف، علاوة على العروض الفنية والأدبية، التى يحرص القائمون على المعرض على تنظيمها كل عام، لجذب الشباب والأطفال لحضور الفعاليات، حيث يجد الجميع ضالته فى هذا المُلتقى السنوي.
مواقف عديدة وذكريات لا يمكن نسيانها كان معرض القاهرة الدولى للكتاب شاهدًا عليها، وكان رفيق رحلتى فيها وشاهدًا أيضًا والدى رحمة الله عليه، فكيف تمحو ذاكرتى استقبالى لوالدى ذات يوم فى منزلنا، وهو يحمل حقيبة ممتلئة بالكتب أهداها له صديقه الذى تخلى عن مكتبته المنزلية العظيمة من أجل رحلة عمل فى الخارج، لتكون مقتنيات هذه المكتبة من نصيبي، أو كما قال أبى «أنا جيبت الكتب دى علشانك»، لأبدأ فى التعرف على محتويات تلك الحقيبة المجهولة، والتى اتضح لى فيما بعد ذلك احتواؤها على كنز يضم روايات الجيب الصغيرة وأعمال العظيم محمود السعدني، ولعل ما لا أستطيع نسيانه وكان له بالغ الأثر فى تعلقى بالقراءة كتابى «حكايات قهوة كتكوت» و«الولد الشقي» حيث كانوا بمثابة الخطوة الأولى لى على طريق شغفى بمهنة الصحافة.
عودة إلى معرض الكتاب ورحلتى معه والتى بدأها أبى فى مرحلة طفولتي، حيث كان لدافع الأبوة والحرص الدائم على عدم تركى للذهاب وحيدة إلى أى مكان علاوة على رغبته فى تلبية رغبتى ولهفتى لزيارة معرض الكتاب سببًا رئيسى لاصطحابى إلى معرض الكتاب برفقته، لتبدأ من هُنا رحلتى داخل المعرض والذى كان يقام حينها فى منطقة أرض المعارض بمدينة نصر.
رحلة تجولت خلالها بين جنبات وأروقة المعرض، طلتى الأولى لهذا الملتقى تخللها نظرات النهم تارة والانبهار تارة أخرى، من حجم الزخم وكمية الكتب التى يضمها المعرض، وأصبحت كمن وجد كنزًا ثمينًا أيضًا ذكرنى بحقيبة صديق والدى «الهدية»، ولكن هذه المرة كانت الهدية أكبر.
شباب وأطفال، رجال ونساء، جاءوا من كل حدب وصوب لزيارة هذا الملتقى، كل منهم يبحث عن مبتغاه، من يريد أدب الرحلات سيجد، من يرغب فى اقتناء سلاسل سيرة ذاتية سيقتنى، لا أحد سيغادر هذا المكان غير راض عن رحلته.
من هُنا كانت البداية، بداية لا أعرف لها نهاية كان أبى صاحب إشارة البدء حيث أخذ بيدى إليها ليُعد من بعدها معرض الكتاب بمثابة رحلة سنوية أحرص كلما سنحت الفرصة على القيام بها، رحلة يُعد أبى رحمه الله رفيقى فيها أيضًا وإن لو لم يكُن بوجوده فيكفينى ذكرياته معى التى نشأت فى أروقة هذا المعرض.
كتب عديدة اقتنيتُها خلال الزيارة تلك، كانت بمثابة خطوة تلتها خطوات عديدة حرصت فيها على توجيه ما يمكن ادخاره من مصروفى الشهرى إلى بند شراء الكُتب، استهوتنى القراءة أكثر ما استهوتنى فكرة شراء الحلوى، بدأت كما ذكرت بروايات الجيب مرورًا بأعمال الراحل الكبير أنيس منصور، وأذكر أول كتاب اقتنيته له ومازال بحوزتى «200 يوم حول العالم» الذى أخذنى فى رحلة طويلة بين دول العالم وبالتحديد دول جنوب شرق آسيا، رحلتى مع كتاب أنيس منصور كانت تشبه رحلتى مع أبى فى معرض الكتاب.
مودة نشأت بينى وبين الكتاب كان فيها رفيقى أغلب الأوقات، ولعلى أتذكر ليلة من ليالى الشتاء الباردة كنت أقرأ كتابًا يحكى عن قصة فتاة تتحدى الصعوبات لتحقيق ذاتها، لتمُر بالعديد من المواقف والاختبارات حتى حصدت النجاح فى النهاية، ليكون هذا الكتاب بمثابة نبراس لى فى حياتى وعلى طريق تحقيق الذات، طريق بدأ فى معرض الكتاب ولن ينتهي، طريق مهده أبى، عليه رحمة الله.