من الرقابة إلى المواجهة
تخوض الأجهزة الأمنية حاليًا حربًا ضروسًا فى مواجهة تلك الفئة من المتاجرين بأقوات الشعب ومقدراته ومن المحتكرين والمتلاعبين فى الأسعار، وكذلك ضد تجار السوق الموازية للعملات الأجنبية التى أدت إلى إرتفاعها بشكل غير مسبوق أدى إلى انهيار العملة المحلية وفقدان قدرًا كبيرًا من قيمتها مما ترتب عليه ارتفاع أسعار جميع السلع الاستهلاكية والسلع المعمرة بنسب تجاوزت 40% من قيمتها الحقيقية، وهو الأمر الذى انعكس على قدرة المواطن المصرى على تلبية احتياجاته الأساسية اللازمة لاستمرار حياته الطبيعية، خاصة إذا كان لديه أسرة مكونة من عدة أفراد.
لن أتحدث هنا عن خلفيات الأزمات الاقتصادية التى تمر بها البلاد حاليًا لأن الشعب أصبح لديه الوعى الكامل بتلك الأسباب سواء كانت نتيجة حروبنا ضد الإرهاب ثم تضررنا من جائحة كورونا وفى أعقابها توابع الحرب الروسية– الأوكرانية وتوقف سلاسل الإمداد واستيراد القمح من أكبر دولتين منتجتين له، وهما طرفا الحرب والتى مازالت دائرة بينهما حتى وقتنا هذا.. ثم جاءت الحرب الإسرائيلية على غزة ليكون تأثيرها أكبر ضررًا على مصر بما فى ذلك ما أصاب دخل قناة السويس؛ بسبب ضربات الحوثيين التى أجبرت كبرى شركات النقل العالمية على تغيير مسارها من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما أثر بالسلب على إيرادات القناة.
من خلال تلك المعطيات استغل العديد من التجار هذه الظروف، لكى يحققون أرباحًا طائلة نتيجة رفع أسعار السلع بشكل مبالغ فيه مدعين إن سبب رفع الأسعار يرجع إلى ارتفاع سعر الدولار حتى لو كانت هذه السلع لا علاقة لها بالدولار، حيث يضاعفون ثرواتهم على حساب الشعب غير عابئين بما سوف يترتب على ذلك من توترات وقلاقل قد تؤثر على استقرار الأوضاع الداخلية للبلاد فى وقت هى أشد الحاجة إلى الاستقرار والتركيز؛ للتصدى لمؤامرات الخارج والتحديات التى تواجهها التى تتزايد يومًا بعد يوم.
كانت أجهزة الدولة تراقب عن كثب ما يقوم به التجار وكبار المستوردين لعلهم يقفون عند حدود معينة من أطماعهم وجشعهم إلا إنهم تمادوا فى غيهم؛ مما أدى إلى تفاقم الأزمة الإقتصادية.. وخلال الشهور القليلة الماضية سمعنا عن اختفاء العديد من السلع الاستراتيجية أو زيادة قيمتها بأسعار غير مسبوقة مثل السكر والقمح وغيرها من المواد الغذائية التى لا غنى عنها فى أى بيت من بيوتنا.. فى ذات الوقت سجل سعر الدولار فى السوق السوداء أرقامًا كبيرة أدت إلى ارتفاع أسعار كافة السلع.. وعلى التوازى ظهر حيتان سوق الذهب الذين سيطروا عليه تمامًا لدرجة إن سعر جرام الذهب كان يتزايد بمعدل كل ساعة، وليس كل يوم حتى إننا كنا نتندر على ذلك فى أحاديثنا اليومية بشكل يشبه الدراما السوداء.
هنا كان لزامًا على أجهزة الدولة أن تتحرك بكل قوة لمواجهة هذا العبث المصطنع وعلى كافة المحاور والأصعدة وفرضت ملاحقات أمنية دقيقة على كل من تسول له نفسه المتاجرة بأقوات ومصالح الشعب، حيث انطلقت حملات مكثفة من وزارة الداخلية بجميع إداراتها خاصة مباحث الأموال العامة والتموين والأمن العام لملاحقة هؤلاء الذين يتلاعبون فى أسواق المواد الغذائية والذهب والعملة لتعطيش الأسواق وتحقيق مكاسب هائلة بدون وجه حق.. ولم تقف الدولة مكتوفة الأيدى ضدهم، حيث ألقت القبض على العديد من تجار الذهب وعلى رأسهم أكبر تاجر له سطوة وسيطرة على هذا السوق، وتم توجيه الاتهام له بمسئوليته عن الأزمات التى يشهدها سوق الذهب والتلاعب الفج فى الأسعار بجانب ابتزاز صغار التجار وإجبارهم على البيع بأسعار يحددها بنفسه وفق سعر الدولار فى السوق السوداء.. وفى ذات الوقت وجهت الدولة نفس الضربات لتجار الدولار فى السوق السوداء، حيث قامت وزارة الداخلية بحملات مكثفة على تجار النقد الأجنبى الذين تسببوا بمضارباتهم فى رفع سعر الدولار لأرقام غير مسبوقة وتمكنت بالفعل من ضبط اكثر من 60 تاجر عملة يعملون لصالح بعض كبار التجار، وتم ضبط ملايين الدولارات لديهم تمهيدًا لبيعها بأسعار قياسية وقد ترتب على ذلك حدوث انخفاض نسبى فى سعر الدولار خلال الأيام الماضية.. كما واصلت الأجهزة الأمنية جهودها لملاحقة المتهمين بغسيل الأموال المتحصلون عليها بوسائل غير مشروعة سواء من الاتجار بالعملة أو الذهب أوالمخدرات، ومحاولتهم صبغ هذه الأموال بالصبغة الشرعية عن طريق شراء وحدات سكنية أو سيارات أو تأسيس شركات، وقد تم ضبط عدد غير قليل ممن حققوا ثروات طائلة بتهمة غسيل الأموال.. ومن خلال ضربات أمنية شبه يومية نجحت أجهزة الأمن فى ضبط كميات كبيرة من السلع التموينية، خاصة السكر داخل مخازن متفرقة فى العديد من المحافظات بقصد حجبها عن التداول بالأسواق وعدم طرحها للبيع لرفع أسعارها.
على صعيد آخر فقد وافق مجلس النواب مؤخرًا على مشروع قانون يقضى بإحالة المتورطين فى إرتكاب جرائم إخفاء للسلع الاستراتيجية أو افتعال أزمات تتعلق بحجب هذه السلع إلى القضاء العسكرى.. بالإضافة إلى منح ضباط القوات المسلحة صلاحية الضبط القضائى فى الجرائم التى تضر بإحتياجات المجتمع الرئيسية من سلع ومنتجات غذائية بما يحفظ المقومات الأساسية للدولة أو مقتضيات الأمن القومى.. وقد شهدت جلسة البرلمان التى ناقشت هذا القانون الموافقة بأغلبية كاسحة عليه وهو ما يؤكد ثقة الشعب ونوابه فى المؤسسة العسكرية وقدرتها بالتعاون مع أجهزة وزارة الداخلية فى إعادة التوازن للسوق المصرية فى كافة أنشطته المتعلقة بالمواطن المصرى، وتقديم مرتكبى الجرائم المرتبطة بالسلع والخدمات الضرورية؛ للقضاء العسكرى لردع الفاسدين والمحتكرين والمتاجرين بقوت الشعب.
وفى إطار ما تقوم به الدولة حاليًا من عمليات المواجهة والتصدى لمحاولات الجشع والاستغلال فإننا نرى ضرورة مراعاة ما يلى:
1-أن تقوم الدولة بتوضيح كافة التحديات التى تمر بها البلاد حتى يكون المواطن المصرى حاضرًا وعلى بينة مما يحدث؛ ليصبح مطمئنًا على حاضره ومستقبله وحتى يكون أيضًا على استعداد لتحمل تلك الصعاب المؤقتة.
2- التأكيد على أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يعمل جاهدًا على تجاوز تلك الصعوبات معتمدًا على ثقته فى المواطن المصرى الذى سبق أن حقق معه النجاح فى مواجهة الإرهاب، وفى تحمل آثار الإصلاح الاقتصادى وقديمًا تحمل نتائج هزيمة 1967 حتى تحقق النصر 1973.
3-أن الإعلام المصرى يجب أن يلعب دوره فى تحصين المواطن المصرى فى مواجهة القنوات الفضائية الهدامة والشائعات التى لا تنتهى.
4- التأكيد على أن الشعب المصرى يمثل الظهير الأساسى للرئيس عبدالفتاح السيسى، والذى نثق فى وطنيته وصموده ومحاولاته المستميته لرفع المعاناة عن هذا الشعب الأصيل الذى أكد تمسكه بقائده خلال تلك المرحلة الصعبة والمعقدة التى تمر بها البلاد.
إننى على ثقة إن ما نتحدث عنه اليوم يمثل أزمة استثنائية مؤقتة تمر بها مصرنا الغالية، وإنها لن تستمر طويلًا ما دامت الجهود تعمل بكل جهد وإخلاص لعبور هذه الأزمة بل الأزمات، ولكن ذلك يشترط تضافر جميع الجهود التى تقوم بها الدولة ومؤسساتها ومواطنيها وقيام الجميع بأداء مسئولياته على أكمل وجه وكل على قدر إمكانياته، وفى إطار الدور المرسوم له أو الذى رسمه لنفسه ليساند دولته على تخطى تلك الأزمات، وسوف تظل مهمة وقامة مصر التى يحفظها الله مرفوعة بكل شموخ وعزة وكرامة.. وتحيا مصر.