معرض القاهرة بين الناشر وتاجر الورق.. ودورة فارقة فى صناعة الكتاب
أغلب ظنى أن هذه الدورة من معرض القاهرة الدولى للكتاب سوف تلعب دورًا فارقًا فى مسيرة صناعة الكتاب فى مصر والعالم العربى على حدٍ سواء، خصوصًا فيما يتعلق بعملية تسعير الكتاب، وطريقة عرضه، وآليات إنتاجه وتسويقه، وربما تؤدى إلى إعادة كثير من الناشرين النظر فى عملية إنتاج الكتب من الأصل، أو هكذا رأيتها، أربعة عشر يومًا من التمييز شديد الوضوح بين الناشر الحقيقى وبين تاجر الورق، بين منتج للمعرفة والثقافة والآداب والفنون، وبين مستثمر لا يهمه سوى حسابات المكسب والخسارة، ويميل إلى تعظيم المكسب الوقتى دون وازع، أو حتى مبرر واضح ومفهوم، ولعلك لاحظت مثلى ذلك التفاوت الكبير والمريب بين أسعار الكتب فى أجنحة دور العرض، وإن لم تلاحظ ذلك، فالأمر لن يحتاج منك أكثر من جولة متمهلة بين الأجنحة والقاعات، لتكتشف بنفسك ما شهدته بنفسى، وشهدت عليه، وتابعته عبر وسائط التواصل الاجتماعى، ومن خلال متابعة حركة البيع فى مختلف صالات عرض الكتب.
والحقيقة أننى لم أندهش عندما رأيت كتبًا تتفق فى الحجم وعدد الصفحات وخامات الورق والأغلفة، ولكنك تجد أحدها هنا لا يصل سعره إلى المائتى جنيه، بينما مثيله فى دار نشر أخرى يتجاوز سعره الأربعمائة جنيه، أو يجاورها.. لماذا؟! لا تسأل، فلا إجابة كافية ومرضية، أو حتى مقبولة.. ولك أن تعرف أننى بالأمس فقط، على سبيل المثال، كنت على موعد مع حالة من الدهشة والذهول والجلوس مفتوح الفم غير قادر على فهم ما حدث، وما كنت أقرأه على صفحة الصديق الشاعر أشرف أبوجليل، بشأن سرقة إحدى دور النشر العربية كتابه الذى صدر منذ سنوات، وقيامها بإعادة طبعه دون علمه أو استشارته، أو حتى محاولة التواصل معه، بل إنها فى «بجاحة» غير مسبوقة، ولا مفهومة، نشرت طبعتها الجديدة باسم أشرف كمؤلفٍ للكتاب، وبسعر مبالغ فيه بصورة لافتة، «أقل قليلًا من ألف جنيه»، حتى إن أبوجليل، الذى أحسده على قدرته على التعامل مع الأمر بصورة كوميدية، وبلطف شديد، رد على التعليقات فى صفحته قائلًا: «أنا نفسى مش ح اشتريه بالسعر ده»!.. تخيل أن تجد كتابك مطبوعًا، باسمك، وصورتك، وكلماتك، وبمثل هذه المبالغة فى السعر، وأنت لا تدرى عن الأمر شيئًا؟! بالطبع هناك الكثير من الطرق القانونية التى يمكنها أن تعيد لصديقى حقه، وأغلب الظن أنه سوف يسلكها، ولن يتردد فيها.. أعرف ذلك بحكم معرفتى به كمقاتل عنيف، لا يقبل أن يرى ظلمًا يقع على أحد ويسكت، فما بالك والأمر يخصه بصورة شخصية ومباشرة.. وبمثل هذه الفجاجة؟!
صديق آخر حكى عن واقعة تختلف فى تفاصيلها عن تلك التى حكاها أشرف، لكننى أظن أنها تأتى فى سياق ما شهدته هذه الدورة من معرض القاهرة الدولى للكتاب فيما يخص عملية تسعير الكتب، غير أن قصة ذلك الصديق تحمل فى بعض جوانبها بعضًا من المنطق، أو الاحتمالات المقبولة، وإن كنت أظن هناك مبالغة من دار النشر.. كتب ذلك الصديق، وهو روائى موهوب، أحب كتابته، أن أحد أصحابه أبلغه أنه اشترى روايته التى صدرت طبعتها الأولى فى ٢٠٢١ مقابل مائة جنيه، وأنه وجدها فى المعرض هذا العام بسعر يتجاوز الثلاثمائة، وعلق ساخرًا بأنه قرر العمل فى «تسقيع الروايات».. واحتمالات القبول فى قصة ذلك الصديق تتعلق بأن تكون النسخ الموجودة فى المعرض حاليًا هى نسخ لطبعة جديدة من الرواية، وبالتالى فمن الوارد أن عملية طباعتها وإنتاجها تأثرت بالزيادة فى أسعار الورق خلال الأعوام الماضية، لكننى لا أظن أن نسبة الزيادة تتناسب مع نسبة زيادة الورق، أغلب ظنى أن هناك بعض المبالغة فى الأمر، وأنه كان من الممكن النزول بسعر الطبعة الجديدة من الرواية بعض الشىء.. ما لم أفهمه، هو وجود طبعات قديمة من كتب اشتريتها بنفسى بأسعار تحت المائة جنيه، لكنها مازالت على رفوف دور النشر، وتعلوها ورقة تعلن عن سعر يتجاوز أضعاف ما اشتريتها به قبل سنوات.. نفس الورق، وإن اصفر لونه بفعل الزمن، ونفس الغلاف، ونفس دار النشر، لكن السعر اختلف.. بل قفز من ستين جنيهًا على وجه التحديد، إلى مائتى جنيه!!
لماذا؟!
قلت لك لا تسأل، فلا إجابة كافية، ولا مرضية، أو حتى مقبولة.
ما يجعلنى الآن أكثر ارتياحًا لما شهدته هذه الدورة من معرض القاهرة الدولى للكتاب، هو ما رأيته بعينى من رد فعل جمهور المعرض، وتجاهله مثل هذه الكتب المبالغ فى تسعيرها، واتجاهه إلى دور النشر الأكثر معقولية فى تسعير كتبها، وفى ظنى، أن ذلك هو الرد الأمثل على ما شهدته بعض القاعات والأجنحة من مبالغات غير معقولة ولا منطقية، وهو ما يدفعنى إلى ما ذهبت إليه من توقعات فى بداية هذا المقال، بخصوص إعادة الكثير من دور النشر التفكير فيما تسبب لها من خسارات واضحة، فأغلب الظن أنها سوف تعود إلى «محلاتها»، ومخازنها، بما جاءت به من «كراتين» غير منقوصة.. اللهم إلا إذا أنار الله بصيرتها، وقررت الإعلان عن تخفيضات جيدة لليوم الأخير من المعرض.. نسأل الله التوفيق للجميع.