عيد الشعب والجيش والشرطة
فى احتفالية الشرطة بعيدها الثانى والسبعين، الأربعاء، استوقفنا ذلك الفيلم القصير، «فدا مصر»، الذى تناول قصة استشهاد رائد الشرطة مصطفى عبيد محمود سالم، خبير المفرقعات بمديرية أمن القاهرة، الذى ضحى بحياته لإنقاذ المصلين بكنيسة أبوسيفين فى عزبة الهجانة بمدينة نصر، فى ٥ يناير ٢٠١٩، بعد ٦٣ سنة من استشهاد جده، جندى القوات المسلحة، محمود سالم عبيد، خلال مواجهة العدوان الثلاثى.
الشهيد الشاب تلقى بلاغًا بالعثور على حقيبة تحتوى على عبوات ناسفة بجوار الكنيسة، فأسرع مع زملائه إلى مكان البلاغ، وخلال محاولته إبطال مفعول تلك العبوات، انفجرت إحداها. أما الجدّ، فكان واحدًا ممن أجبروا القوات البريطانية الفرنسية الإسرائيلية، على الانسحاب من مدينة بورسعيد، فى ٢٣ ديسمبر ١٩٥٦، بعد معركتين، إحداهما عسكرية والأخرى دبلوماسية. وليس صحيحًا أن النصر كان دبلوماسيًا، فقط، إذ لم يستجب المعتدون للقرارات الدورية الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا بعد نصر عظيم حققه أهالى بورسعيد ومتطوعون من كل المحافظات، الذين قاتلوا ببسالة مع رجال قواتنا المسلحة.
استشهاد الجد والحفيد، يلخص قصة الأمس واليوم والغد. قصة «راية الفداء»، التى تناقلها الأبطال من جيل إلى جيل، ولازمت بطولات وتضحيات المصريين، شعبًا وشرطةً وجيشًا، من مواجهة الاحتلال البريطانى، قبل وبعد ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، إلى عدوان ١٩٥٦، العدوان الثلاثى أو حرب السويس، ونكسة يونيو ١٩٦٧، وحرب الاستنزاف وانتصارنا الأعظم فى حرب أكتوبر ١٩٧٣، وصولًا إلى محاربة الإرهاب، الذى كان أداة فى أيدى الاستعمار القديم، ثم أعيد استعماله، قبل وبعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ليعكر به الاستعمار الجديد صفو حياتنا، ويكدّر أمن وطننا، ويستهدف النيل من استقراره.
كانت لفتة طيبة، إذن، أن يتوسط الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال احتفالية أمس، صورة تذكارية مع أسر أبطال مواجهة العدوان الثلاثى: شاهيناز مصطفى، كريمة البطل اليوزباشى مصطفى كمال الصياد، قائد مجموعات المقاومة العشرة.. ومحمد حسام الدين، حفيد البطل القائم مقام حسن رشدى، مفتش المباحث العامة فى بورسعيد.. واللواء إسماعيل عرابى، نجل رقيب الشرطة البطل الشهيد إسماعيل على عرابى، الذى فدا بحياته مجموعة من الفدائيين.. والرفاعى حمادة، نجل شقيق الجندى البطل الشهيد السعيد محمد حمادة.. والعميد أركان حرب بالمعاش عبيد محمود سالم عبيد، نجل البطل الشهيد الجندى محمود سالم عبيد الذى استشهد سنة ١٩٥٦، وأيضًا، والد البطل الشهيد رائد الشرطة مصطفى عبيد سالم، الذى صدَّق وزير الداخلية، محمود توفيق، فى ١٢ مارس ٢٠١٩، على ترقية اسمه إلى رتبة المقدم.
هكذا، تعانقت الذكرى الثانية والسبعون لمعركة الإسماعيلية، التى صمد فيها رجال الشرطة ببنادقهم الخشبية أمام قوات الاحتلال البريطانى، بالذكرى الثامنة والستين، لانتصارنا على العدوان الثلاثى. وفى المرتين، كتب المصريون، ملحمة كفاح ونضال ستظل على مر العصور شاهدة على نبل البطولة وشرف الصمود. بالضبط، كتضحيات الشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة، ومن جميع أبناء هذا الشعب المصرى، فى مواجهة الإرهاب، التى أضيفت إلى حائط شرف الوطن وبطولاته. والشك فى ذكائك واجب، لو اعتقدت أن الإرهابيين يحركهم «المعتقد» ولا تحركهم أجهزة مخابرات الدول التى تستعملهم. كما أن الشك فى ذكائك واجب، أيضًا، لو رأيت أن الإرهابى هو فقط من يحمل السلاح، واستبعدت مَن يقومون بتدريبه وتموليه وتسليحه، وكذا مَن يبررون جرائمه ويوفرون له الغطاء السياسى والأيديولوجى.
.. وتبقى الإشارة إلى أن غالبية ضباط الشرطة، الذين خاضوا فى ٢٥ يناير ١٩٥٢ معركة الإسماعيلية، كانوا قد حصلوا على فرقة «قتال مدن» فى القوات المسلحة، ثم طلبوا نقلهم إلى الإسماعيلية، وقاموا بتدريب المقاومة الشعبية، ضد قوات الاحتلال، التى كانت الشرطة جزءًا منها. وقد تكون الإشارة مهمة، أيضًا، إلى أن معركة الإسماعيلية لم تكن أول مواجهة تشارك فيها الشرطة ضد قوات الاحتلال، بل سبقتها معارك كثيرة بالتل الكبير، فى كفر عبده، فى بورسعيد، وفى السويس.