حروف مبعثرة.. زخرفها خط اليد
الكتابة اليدوية خطوة تمهيدية للتعليم بطلها القلم الرصاص، نعود بالذاكرة لأيام الطفولة الأولي ونتذكر أول مرة نكتب بخط اليد، كان رقم(1) بكل لغات العالم هو الأسهل رغم حرص من يمسك بأيدينا أن يستقيم الخط بما لدينا جميعا من حكايات لاتنتهي من تعلم الخط، فسرها علماء النفس: أن بدون تنمية المهارات الحركية الأساسية المرتبطة بالكتابة ستضعف قدرات الطفل علي استيعاب دروسه.
في 23 يناير ظهرت الدعوة للاحتفال بيوم عالمي للكتابة اليدوية في ظل تهديد الوسائط الالكترونية لمتعة الكتابة بخط اليد، ومن ثم تهديد مباشر لمدارس الخط العربي العريقة الزاخرة بفنون الخط اليدوي.. من أشهر الخطوط العربية التي تستخدم علي نطاق واسع ويهتم بها العاشفين للكتابة بخط اليد، الخط الكوفي، والخط الرقعة أو الرقاع، وخط النسخ والثلث، اذ تعد هذه الخطوط بمثابة لوحة فنية، فالخط العربي أحرف متصلة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية زخرفية تتجلي صورها في تزيين المساجد والقصور.
الخط العربي في مصرله مدارس عريقة وأفروع عديدة، أشهرها مدرسة "خليل آغا" بحي باب الشعرية، تأسست منذ 100 عام، آن ذاك استدعي الملك فؤاد الأول الخطاط الكبير محمد الرفاعي لهذه المهمة وتكليفه بكتابة مصحف خاص للملك فؤاد. تخرج في مدرسة "خليل خان" رواد هذا الفن ملأوا الدنيا بجماليات ابداع الخط العربي وعبقريته، أبرزهم محمد مؤنس زادة، ومحمد بن إبراهيم مؤنس شيخ الخطاطين المصريين،ومحمد جعفر مؤسس مطبعة بولاق، وكتب بخطه أغلب اللوحات التي تجمل أسماء شوارع القاهرة، وكتب بعض خطوط العملة الورقية والمعدنية المصرية، كما كتب حروف النسخ لمطبعة بولاق:الأميرية.
إهتم علماء النفس بدراسة فوائد الكتابة بخط اليد، حيث أظهرت الدراسات أن كتابة الرسائل والمقالات بخط اليد لها فوائد كثيرة مثل تعزيز الذاكرة، فإن الكتابة باليد لها تأثير طويل الأمد علي الذاكرة مقارنة بتدوين الملاحظات في جهاز الكمبيوتر أو الهاتف المحمول، كما أن الكتابة بخط اليد تطلق العنان للإبداع، ولاسيما لأصحاب الطقوس الخاصة في الكتابة لأن الأفكار الإبداعية تستغرق وقتا في الظهور، ويمكن للكتابة بخط اليد محاربة شيخوخة العقل.
العديد من الرسائل والمذكرات كانت الأصدق حين يكتبها أصحابها بخط اليد،"اشتهرت الأميرة الراحلة ديانا بكونها كاتبة رسائل غزيرة الإنتاج وكانت تخصص وقتًا كل يوم لكتابة رسائل شكر، أظهرت كتاباتها العديدة أنها كانت شخصية أمومية وحساسة للغاية لمحنة الآخرين، ولكن كتاباتها تظهر أيضًا حاجتها إلى الحب والقبول من حولها.
وفى وثيقة نادرة احتفظت بها السيدة صفية مصطفى أمين، وهى عبارة عن مقالات مكتوب بخط اليد للكاتب الصحفى مصطفى أمين تعود إلى 1981 تضمنت هذه المقالات توزيع عشرة آلاف جنيه على أحسن فكرة، لثلاثة شبان صحفيين يكتبون رسائل عن الصحفى توفيق دياب.
كانت الوثائق التاريخية تكتب بخط اليد، وإلي يومنا هذا، تذيل جميع المعاهدات والاتفاقيات بتوقيع أصحابها بخط اليد، ولهذا يختار كل فرد توقيع خاص به يوثق به الأورارق الرسمية ويحتفظ بـ"فورمه" أو شكل خاص يميزه عن غيره ويحتفظ به خاصة في البنوك والمكاتبات الرسمية.
خط اليد هو بصمة خاصة أشبه ببصمات اليد والعين، يحتل خط اليد مكانة عظيمة لكشف الجرائم والتزوير في عالم الجريمة، فالحرص الدائم علي أهمية الكتابة بخط اليد لن تنجح التكنولوجيا بكل مايعرف بـ"كلمة السر" أن تقضي علي التوقيع بخط اليد"
الاحتفال بيوم الكتابة بخط اليد وأهميتها يجعلنا نتساءل عن أسباب حرص أصحاب المحلات التجارية والشركات الكبري كتابة أسماء وعناوين الشركات بالغات أجنبية، والابتعاد عن الكتابة بزخرف الخط العربي المتنوع، في الوقت الذي يهتم فيه أصحاب سيارات النقل والميكروباص وسائقي الـ"توك توك" علي استخدام الخط العربي في التعبير عن أمثالهم الشعبية ونصائحهم بفخر واعتزاز.. قبل أن نفكر في الإجابة علينا أن نراجع جماليات الخط العربي وأن نبحث عن المبدعين والفنانين في هذا المجال ونتعرف عن مالديهم من جديد.
كما أن التكنولوجيا الحديثة لن تنسينا فن خط اليد، وخطي مش زي خطك، واحنا مع بعض علي الخط نعدي، إنها أحرف مبعثرة جمعتها خط الأيدي أصبح لها مليون معني.