الحوثيون
«الحوثيون»، من أكثر الأسماء التى طُرحَت بقوة على شاشات الفضائيات ومحركات البحث على الشبكة العنكبوتية فى الأسابيع الأخيرة. ويرتبط ذلك بالتطورات المهمة والخطيرة التى تمر بها المنطقة العربية فى الفترة الأخيرة، لا سيما بعد أحداث ٧ أكتوبر والغزو الإسرائيلى لغزة؛ إذ رفع الحوثيون قميص غزة عاليًا، ومن وجهة نظرهم قاموا بالانتقام لحملة الإبادة الإسرائيلية لأهالى غزة، من خلال إطلاق بعض الصواريخ والمُسيرات على ميناء إيلات، أخفق معظمها وعجز عن تحقيق أهدافه. ولكن مؤخرًا لجأ الحوثيون إلى السياسة التقليدية والخطيرة تاريخيًا وهى تهديد مضيق باب المندب، وبالتالى الملاحة البحرية، بحجة عرقلة وصول السفن الإسرائيلية أو السفن المتجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلى عن الملاحة فى البحر الأحمر. وقامت قوات الحوثى التى تسيطر على أغلب أجزاء شمال اليمن بالعديد من العمليات بهذا الصدد، نتج عنها توجيه أمريكا وبريطانيا ضربات انتقامية للمراكز العسكرية التابعة للحوثيين.
لكن عودة مرة أخرى إلى السؤال الرئيس لهذا المقال: مَن هم الحوثيون؟ إن جماعة الحوثى لا تُطلق على نفسها هذا الاسم، بل وصف الحوثيين هو اسم الشهرة الذى أطلقه أعداء الجماعة عليهم، كنايةً عن أنهم أتباع الزعيم الدينى بدر الدين الحوثى. أما الحوثيون فيطلقون على أنفسهم
«جماعة أنصار الله»، ويرفض الحوثيون نعتهم بالحوثى لأنه يعنى التقليل من شأنهم، مع احترامهم لإمامهم بدر الدين الحوثى لكنهم «أنصار الله».
والحوثيون، أو أنصار الله، هم فى الأصل جماعة دينية نشأت حول الإمام بدر الدين الحوثى، وكان مركز الجماعة منطقة صعدة الشهيرة، وهى منطقة جبلية وعرة، وكانت من أقسى المناطق التى عانى منها الجيش المصرى أثناء حرب اليمن فى الستينيات.
وينقسم اليمن عمومًا مذهبيًا إلى: شيعة على المذهب الزيدى ومنهم الحوثيون، وسُنة «شوافع» على المذهب الشافعى ومنهم أغلب الحكومة الشرعية فى اليمن. واستطاعت إيران فى طور أطماعها وسياستها التى تنزع إلى السيطرة على شرق المتوسط والبحر الأحمر، إلى التقرب من جماعة الحوثى، رغم الاختلاف المذهبى؛ فإيران شيعة على المذهب الإثنى عشرى، والحوثيون شيعة على المذهب الزيدى. لكن الحوثى استطاع القيام بحملة تقريب بين المذهبين، والترويج بين شيعة اليمن بأن إيران هى حامية العالم الشيعى. وقامت إيران بتحويل الجماعة إلى جماعة عسكرية متطورة. ويرصد تقرير مهم نشرته الصحيفة الأمريكية نيويورك تايمز كيف وظفت إيران الحوثى وجماعته مذهبيًا وعسكريًا لخدمة أغراض السياسة الإيرانية، ويصف التقرير جماعة الحوثى قبل الدعم الإيرانى بأنهم «مجموعة من المقاتلين القبليين غير المحنكين يركضون مرتدين الصنادل، ومسلحين ببنادق رخيصة». لكن الدعم الإيرانى المباشر أدى إلى إدماج الحوثى فى شبكة الميليشيات التابعة لها فى المنطقة، ليس فقط لتهديد السعودية، ولا حتى مصر عبر قناة السويس، ولكن للتحكم فى باب المندب، ومقايضة العالم بورقة حرية الملاحة فى البحر الأحمر.