عقيدة الأمن المصرى
لم يثبت التاريخ عبر عصور الزمن أن مصر على مر تاريخها القديم والحديث كانت دولة معتدية نهائيًا على أى دولة فى العالم.. إلا إنها كانت- وما زالت- قادرة على حماية أمنها وصيانة أرضها ضد أى اعتداءات من الخارج أو عمليات إرهابية فى الداخل من خلال جيش قوى ووطنى وجهاز شرطة أيضًا قوى ووطنى يستطيعان حماية أرضها واستقرارها خارجيًا وداخليًا.. فجيشها هو المسئول الأول عن حماية حدودها وأرضها وشعبها وضحى فى سبيل ذلك بالغالى والنفيس من رجاله الأبطال الذين سقطوا فى ميادين المعارك التى خاضوها حماية لوطنهم.. أما الشرطة فهى الشريك الاستراتيجى للجيش المصرى والمعاونة له فى حماية الجبهة الداخلية من أعداء الوطن الذين يحاولون إسقاطها من الداخل من خلال نشر الإرهاب والتطرف والفساد والاتجار فى أقوات الشعب ونشر جرائم الرذيلة والمخدرات التى تفتك بالشباب، وغيرها من الجرائم التى تنهش فى جسدها وتحاول إسقاطها.. ومن هنا فإن عقيدة الجيش والشرطة فى مصر تكمن فى أن هدفها الأول هو حماية الأرض وصيانة العرض وصون الكرامة والعزة ونشر الأمن والإستقرار فى ربوع البلاد.
وعلى الرغم من تعقد المشهد الإقليمى المحيط بالدولة المصرية حاليًا، إلا إنها نجحت فى الحفاظ على أمنها القومى وإرسائها دعائم مؤسساتها الوطنية فى ظل سياق شديد الاضطراب، حيث ركزت القيادة السياسية المصرية على تثبيت أركان دعائم الدولة، بما يضمن تحقيق الأمن الإنسانى من ناحية.. وتعزيز الأمن القومى من ناحية أخرى من خلال استراتيجيات وآليات وقرارات جريئة تم اتخاذها من أجل دعم استقرارها الداخلى وتحقيق مصالحها الحيوية فى ظل اشتعال الأوضاع فى دول الجوار ومحاولة توريط الدولة فى صراعات جانبية تتعرض لها هذه الدول بهدف الانصياع لإملاءات بعض الدول الكبرى التى ما زالت تحاول تطبيق نظرية الفوضى الخلاقة ومؤامرة الربيع العربى.
يرتبط شهر يناير من كل عام بأحداث أمنية مهمة تعرضت لها البلاد خلال السنوات العشر الماضية التى تولى فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى إدارة شئون البلاد فى ظروف بالغة الخطورة، حيث تحمل مسئولية إنقاذ الدولة من براثن جماعة الإخوان الإرهابية ثم مواجهة العمليات الإرهابية التى تلت ذلك، وها هو الآن يتصدى لأشد الضغوط التى لا يمكن أن تتعرض لها أى دولة فى العالم دون أن تقدم تنازلات أو ترضخ لإملاءات، ولكنه يقف أمام ذلك بكل ثبات وقوة متسلحًا بعون من الله وتأييد من أبناء الشعب المصرى الذى أكد ثقته فى الجهود التى يبذلها لصون وحماية الوطن على الرغم من تلك الضغوط الكبيرة.
وفى إطار تلك العقيدة التى تنتهجها الإدارة المصرية التى تتمثل فى حق الدفاع عن أمنها وحماية حدودها وأيضًا مواجهة الأعمال الإرهابية الداخلية فقد عملت الدولة على امتلاك أدوات الردع بهدف حماية الأمن القومى المصرى على كل الاتجاهات الاستراتيجية ولا سيما مع تصاعد التهديدات والنزاعات والحروب والاعتداءات التى تشهدها جميع الدول المحيطة بمصر، سواء من الشرق أو الغرب أو الجنوب، وهو ما يدفعها الى استخدام حقها القانونى فى حماية حدودها مع تلك الدول التى تشهد تدخلات أجنبية من عدة دول تسعى الى تقسيم هذه الدول كما هو الحال فى السودان وليبيا واليمن أو تهجير شعبها كما هو الحال بالنسبة للشعب الفلسطينى.. ومن المؤكد أن جميع أبناء الشعب المصرى أصبحوا على علم ودراية بتلك المخططات التى تهدف الى النيل من استقرار مصر ومحاولات التأثير عليها بكافة الوسائل الممكنة سواء اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا، وهو ما تتصدى له القيادة السياسية المصرية بكل قوة تطبيقًا للمبدأ الذى أرساه الرئيس عبدالفتاح السيسى وهو مبدأ "القوة الشاملة" وذلك فى معرض تأكيده أن الدولة المصرية اتخذت نهجًا استراتيجيًا مدروسًا بدقة فى التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية بمختلف أشكالها الذى كان السبب الرئيسى حتى الآن فى القدرات السياسية والميدانية التى حققتها الدولة المصرية على المستويين الإقليمى والدولى وأيضًا على المستوى الداخلى لها.. ويأتى ذلك من منطلق أن صيانة الأمن القومى المصرى كان من أهم أهداف السعى الى تنمية وتعزيز القوة الشاملة على مدى عشر سنوات من أجل دعم قدراتها وإمكاناتها الذاتية فى مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.. وفى نفس الوقت تعزيز وضعها فى المحيط الإقليمى والدولى واستغلال ذلك فى تأمين المجال الحيوى المصرى وإيقاف أي محاولات خارجية لتهديده.
على مدار سنوات تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى أمانة المسئولية لحفظ الوطن وسلامة أراضيه اتخذ العديد من الإجراءات التى تهدف الى تطوير قدرات الدولة على المستويين الأمنى والعسكرى وذلك لحماية الوطن داخليًا وخارجيًا.. فعلى الصعيد الأمنى بدأت الدولة المصرية بتنفيذ خطة شاملة تتضمن العديد من الإصلاحات بهدف كفالة وتحقيق أمن المواطن وإعادة هيبة الدولة وسيطرتها على كل محافظاتها.. وكذا إعادة الثقة للأجهزة الأمنية المعنية بضبط الأمن وتحقيق الإستقرار والقضاء على ظاهرة الإرهاب من خلال منظور شامل متعدد الجوانب، حيث نجحت بالفعل فى تقويص التنظيمات الإرهابية داخل مصر وتفكيك قواعدها ومحاصرة قواعد الدعم اللوجستى الذى كان يصل إليها وتشديد الحصار المفروض عليها، وذلك بالتزامن مع تشديد أعمال الرقابة والتأمين على الحدود وكل الاتجاهات الاستراتيجية بالتعاون مع الجهات المعنية، وهو ما ترتب عليه وبشكل واضح التراجع فى عدد العمليات الإرهابية بشكل تدريجى الى أن وصلت مؤخرًا الى نقطة الصفر بحمد الله وبفضل الرجال الشرفاء من أبناء جهاز الشرطة الأبطال.. أما على المستوى العسكرى فقد شهدت الأعوام الماضية تطورًا كبيرًا فى القدرات العسكرية على المستوى التكتيكى والاستراتيجى، حيث تم وضع خطة مكثفة لتطوير تسليح الجيش على كل المستويات بشكل يضمن له قوة الردع من جهة والقدرة على تنفيذ عمليات الدفاع عن حدوده فى إطار العقيدة التى تنتهجها الدولة المصرية منذ زمن بعيد من جهة أخرى التى تهدف إلى الحفاظ على أمنها القومى على ضوء تزايد التهديدات وارتفاع منسوب المخاطر التى تحيط بنا وتعدد جبهات وميادين المواجهة خاصة فى ضوء سقوط بعض الجيوش لعدد من الدول العربية وعدم قدرتها على تأمين وحماية أمنها القومى، بل إنها أصبحت ساحة للتدخلات الخارجية وتنامى الأطماع الدولية.. وها نحن نرى ما تتعرض له الدولة الليبية من انتشار واسع للجماعات المسلحة ودعم عدد من الأطراف الإقليمية لهذه الجماعات، وهو ما يمثل خطرًا علينا من الناحية الغربية.. ثم تلك التهديدات التى تتواصل من ناحية الجنوب، سواء نتيجة الصراع الدائر بين الجيش السودانى وبين ما يسمى بقوات الدعم السريع التى تمولها دول عربية وإقليمية.. ثم جاءت تهديدات مستجدة أخرى أيضًا من الجنوب حيث جماعة الحوثيين ومحاولات السيطرة على مضيق باب المندب.. وحتى الآن فما زلنا نعيش منذ أربعة أشهر على تلك الحرب الغاشمة التى يتعرض لها الشعب الفلسطينى الأعزل ومحاولات الضغط علينا بقبول تهجيره الى الأراضى المصرية.
ذلك هو الواقع الذي نعيش فيه حاليًا بين محاور إقليمية تشهد جميعها انقسامات وتوترات وحروب وإرهاب، وهو ما فرض على الدولة المصرية أن تتخذ كل الاحتياطات الأمنية والعسكرية وأيضًا القانونية لحماية حدودها وصيانة استقرارها من خلال امتلاك أدوات الردع الشامل عسكريًا وأمنيًا.
مجمل القول إن مصر تمثل عاملًا مهمًا ومؤثرًا فى استقرار الوطن العربى عمومًا ومنطقة الشرق الأوسط خصوصًا، فهى الدولة التى تمتلك أقوى الجيوش العربية، كما أنها تتمتع بنظام حكم مستقر يحظى باحترام كل الدوائر السياسية التى تتعامل معها خاصة فى تلك المرحلة الفارقة من تاريخ المنطقة وعلى الرغم من كافة تلك المعطيات وهذه التحديات فإن فلسفة القيادة السياسية تهدف إلى تحقيق السلام والاستقرار لدى دول الجوار، بل جميع الدول العربية، وذلك دون الدخول فى صراعات جانبية معها ولكن رغبة فى الحفاظ على أمنها القومى وصيانة مصالحها الحيوية والتأكيد على مكانتها الإستراتيجية....وأقول لمن يحاول ان يشكك فى الدور المصرى المحورى فى المنطقة أن من يملك المعلومة يكون لديه الرشد فى اتخاذ القرار... وسوف يبقى عطاء مصر مستمر لكل من يلجأ إليها... وسوف تمضى بلادنا نحو النهضة والازدهار رغم كل التحديات والصعاب... تلك هى عقيدتنا الراسخة أن نصون بلادنا ولا نعتدى على غيرنا.
وتحيا مصر.