كيف أثرت الصراعات فى غزة على سوق العمل والنمو الاقتصادى؟
100 يوم مرت على حرب غزة، وما زالت تداعيات هذا الصراع الدموي تلقي بظلالها الثقيلة على الوضع الاقتصادي في المنطقة، فالحروب لا تؤثر فقط على الأرواح والبنى التحتية، بل تترك أثرًا عميقًا على الاقتصاد وسبل المعيشة.
وخلال السطور التالية يستعرض "الدستور" تأثير تلك الحرب على الوضع الاقتصادي وفقًا للتقارير الدولية، بما في ذلك تأثيرها على البطالة، النمو الاقتصادي، وحياة السكان المعيشية، كما سنلقي الضوء على التحديات التي تواجه عمليات إعادة الإعمار وجهود التنمية في ظل هذه الظروف الصعبة.
البطالة
منذ بداية الحرب الجارية، ألغت قوات الاحتلال الإسرائيلي تصاريح العمل لآلاف من العمال الفلسطينيين في إسرائيل، وتم إطلاق سراح عدد من العمال المحتجزين وإعادتهم إلى غزة في نوفمبر 2023، كما خلقت القيود التي فرضتها قوات الاحتلال الإسرائيلي قيودًا على التنقل في الضفة الغربية، وأدت إلى حدوث صعوبات لنحو 67 ألف عامل فلسطيني لديهم وظائف في محافظات أخرى غير أماكن إقامتهم.
ووفقًا لمنظمة العمل الدولية أشارت إلى أن هناك 61% من فرص العمل في غزة تم فقدها خلال أول شهر في الحرب، كما تم فقد 24% من فرص العمل في الضفة الغربية، كما ألحقت الحرب أضرارًا جسيمة بالشركات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة بنحو 98% من جميع الشركات في فلسطين.
الناتج المحلي في فلسطين
انخفض الناتج المحلي في فلسطين بمقدار 4.2% بعد بلوغ الحرب شهرها الأول، وذلك مقارنة بتقديرات ما قبل الحرب لعام 2023، مما يعني تكبد خسائر قدرها 857 مليون دولار، وخلال الشهر الثاني للحرب فقد ارتفعت الخسائر الاقتصادية إلى 8.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وخلال الشهر الثالث من الحرب ارتفعت الخسائر إلى 13% من الناتج المحلي الإجمالي أي 2.5 مليار دولار، وذلك وفقًا لتقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الإسكوا".
وقد انخفض إجمالي الاستثمار بنسبة 15.5% مقارنة بتقديرات ما قبل الحرب لعام 2023، وانخفض أيضًا إجمالي الصادرات والواردات بنسبة 13.2% و4% على التوالي، وخلال الشهر الثالث للحرب فقد انخفضت الاستثمارات بنسبة 44.3%، وتراجعت الصادرات بنسبة 27.7% والواردات بنسبة 14.3%.
وتوقعت التقارير الدولية أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي في 2024 انخفاضًا إضافيًا قدره 904 ملايين دولار، ويشير العام المترتب على دولة فلسطين منذ ما قبل الحرب الحالية إلى أن وضعها المالي غير مستدام، ومن المتوقع أن يتدهور وضع الدين، بسبب احتمال توقف أو انخفاض إيرادات السلطة الفلسطينية من أموال المقاصة تجمعها إسرائيل نيابة عنها.
الزراعة
تأثر موسم قطف الزيتون بالضفة الغربية نتيجة الحرب القائمة في فلسطين، حيث يعد مصدرًا حيويًا للدخل بالنسبة للأسر الفلسطينية، فمنذ يناير 2023 تعرضت أكثر من 18 ألف شجرة زيتون للمصادرة في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ومنذ بداية الحرب الحالية على غزة..
وقد تعرض المستوطنون للمزارعين عندما حاولوا قطف الزيتون فمنعوهم من العمل وهاجموهم، ودمروا محصولهم وسرقوه، وأحرقوا أشجار الزيتون، كما تعرضت المجتمعات البدوية والرعوية للاستهداف.
وأدى تعطل الحصاد والغرس الموسمي إلى خفض إنتاج الأغذية في الأشهر المقبلة، وقد يصل فقدان الدخل من الزيتون غير المحصود وغير المعالج في أكتوبر ونوفمبر 2023 إلى 45 مليون دولار، وكان سكان غزة حصدوا 15 ألف طن بين أكتوبر ومنتصف نوفمبر 2023.
وفي شمال غزة، تضررت 35% من الأراضي الزراعية، وقد يستغرق التعافي من الأضرار التي لحقت بالبنية الأساسية الزراعية بما فيها أنظمة الري ووحدات التخزين عدة سنوات، مما سيؤثر على الإنتاج الزراعي على المدى المتوسط، وأدى تدمير الغطاء النباتي وضغط التربة من جراء الغارات الجوية وتحركات الدبابات إلى زيادة تدهور الأراضي ومخاطر التصحر.
كذلك تعرضت المواشي لخسائر كبيرة، بسبب الدمار المباشر اللاحق بها نتيجة القصف الذي يعوق الرعي وبسبب نقص الأعلاف، وتعطل إنتاج الألبان والبيض بشدة، في حين يتم ذبح الأغنام والماشية قبل الأوان، كما توقف العمل في قطاع صيد الأسماك بسبب القصف الإسرائيلي لميناء غزة، وبسبب المخاوف من الاستهداف أثناء التواجد في البحر. ويتأثر قطاع تربية المائيات، الذي سجل نموًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، بنقص الأعلاف.
انقطاع التيار الكهربائي
أكد تقرير دولي صادر عن الأمم المتحدة أن انقطاع التيار الكهربائي أثر بالسلب على الحياة الصحية في فلسطين، حيث يُعرّض التيار الكهربائي المتقطع الأنظمة الأساسية لحفظ الحياة، وغرف الجراحة وتبريد الأدوية واللقاحات للخطر، فمعظم المستشفيات والعيادات في غزة كانت قد ركبت أنظمة طاقة شمسية مزودة ببطاريات لتأمين الطاقة بشكل دائم لوحدات العناية المركزة وغرف العمليات، ولكنها كانت تحتاج إلى مصادر أخرى للطاقة لبقية عملياتها.
ووفقًا لليونيسف، تلد 180 امرأة على الأقل يوميًا في غزة، ومن المرجح أن تعاني 15% منهن من مضاعفات مرتبطة بالحمل/ الولادة، وأن تحتاج إلى رعاية طبية إضافية. والمستشفيات الآن على حافة الانهيار، فعلى سبيل المثال، أعلن مستشفى القدس في غزة في 8 نوفمبر 2023 أنه أوقف معظم عملياته بعد نفاد الوقود وتعرض محيط المجمع الطبي يوميًا للقصف الإسرائيلي.
وتعذر الحصول على غاز البترول المسال أو الكهرباء لمواقد الطهي، وتم استخدام أنواع أخرى من الوقود أكثر تلويثًا، فتزيد من رداءة نوعية الهواء الداخلي التي تؤثر بشكل متفاوت على النساء والأطفال.
نقص الطاقة
أشارت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا إلى أنه قبل الحرب كانت غزة تعتمد بشكل أساسي على الطاقة الكهربائية المستوردة من إسرائيل، وكانت محطة توليد الكهرباء في غزة تولد ما بين 40 و100 ميجاوات، وتشير التقديرات إلى أن 3% من استهلاك الكهرباء في غزة مصدره الألواح الشمسية المركبة في مختلف القطاعات، التي تلبي الاحتياجات السكنية والصناعية والطبية والزراعية.
قطع الإمدادات من إسرائيل
وفي 7 أكتوبر 2023، قطعت الحكومة الإسرائيلية إمدادات الكهرباء المباشرة، وفي 11 أكتوبر 2023، أغلقت محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة بسبب نقص الوقود، وبحلول 20 نوفمبر 2023، كانت محطة توليد الكهرباء لا تزال غير متصلة بالشبكة، وإمدادات الكهرباء من إسرائيل مقطوعة، وأدى الحظر المفروض على دخول الوقود وتدمير البنية الأساسية للطاقة الشمسية إلى زيادة الوضع سوءًا، وظهر تأثير الحرب على الفور تقريبًا.
تدمير أنظمة الطاقة الشمسية
إن انقطاع إمدادات الكهرباء أغرق غزة في الظلام منذ 12 أكتوبر 2023، وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي التقطت في 11 نوفمبر 2023 لمنطقة مساحتها ميل مربع واحد في مدينة غزة أن 17 نظامًا من أكبر 29 نظامًا شمسيًا على الأسطح (100) متر مربع وأكبر إما دمرت بالكامل وإما لحقت بها أضرار، ومنعت إسرائيل جميع واردات الوقود إلى الأرض المحتلة، فتعطلت مضخات المياه، والطهي، والنقل، وعمليات المستشفيات والاتصالات السلكية واللاسلكية، وغيرها من الخدمات الأساسية.
وفي 15 نوفمبر 2023، التزمت إسرائيل بالسماح بدخول 140 ألف لتر من الوقود كل يومين، وهو جزء بسيط من الكمية المستوردة عادة إلى غزة، وقوض نقص الطاقة في غزة جودة الخدمات الأساسية وموثوقيتها وتوافرها.
الغذاء
إن الأغذية التي تدخل غزة حاليًا لا تغطي سوى حوالي 7% من احتياجات السكان، وفي أسواق غزة هناك نقص عام في السلع الغذائية، فمنذ 17 نوفمبر 2023، ظل سكان شمال غزة غير قادرين على الوصول إلى الغذاء لأكثر من 10 أيام، وفي جنوب غزة قصفت مطحنة الدقيق الوحيدة العاملة في 15 نوفمبر 2023، ولم يعد يعمل سوى عدد قليل من المخابز بشكل متقطع، وبحلول 17 نوفمبر 2023، كانت أسعار دقيق القمح قد ارتفعت بنسبة 65% والمياه المعدنية بنسبة 100%، والخضروات بنسبة 32%.