بعبع الأسر المصرية.. ماذا يريد أولياء الأمور والطلاب من «نظام الثانوية الجديد»؟
تكثف وزارة التربية والتعليم والتعليم الفنى من جهودها، خلال الفترة الحالية، لإطلاق حوار مجتمعى واسع بشأن خطة جديدة لتطوير التعليم الثانوى، تضمن القضاء على «كابوس» الثانوية العامة، الذى يمثل عبئًا معنويًا وماديًا يضغط بقوة على الطلاب وأولياء الأمور.
وعقد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، والدكتور رضا حجازى، وزير التربية والتعليم والتعليم الفنى، الخميس الماضى، اجتماعًا بحضور عدد من قيادات الوزارتين، لمُناقشة الإعداد لعقد المؤتمر الخاص بتطوير المرحلة الثانوية، بما يتوافق مع مسارات التطوير فى التعليم العالى، واحتياجات سوق العمل.
وبحسب ما أعلنته وزارة التعليم، يتيح مشروع تطوير الثانوية العامة للطالب دخول الامتحانات فى الدور الثانى، مع الحصول على الدرجة الفعلية، وليس ٥٠٪، كما كان معمولًا به فى النظام القديم، لكن مع وضع آليات وشروط ومعايير دقيقة لذلك.
وتستهدف الوزارة من ذلك الانحياز للطلاب وأولياء الأمور، بحيث تتحول المنظومة التعليمية لمنظومة داعمة للطلاب، تساعد فى تقييم قدراتهم الحقيقية، من خلال أكثر من مسار وطريقة وبفرص متنوعة، بما يضمن للطالب ألا يتعرض للظلم نتيجة سوء توقيت، أو ظرف طارئ، أو خلل فى البنية التحتية الخاصة بالمنصات الرقمية.
حول الخطة والتوجه الجديد، تواصلت «الدستور» مع عدد من أولياء الأمور والمدرسين والخبراء؛ للوقوف على أبعاد هذا التطوير ورؤيته المستقبلية، ومدى تأثيره على الطلاب وباقى عناصر المنظومة التعليمية حاليًا وفى المستقبل القريب، وما يحتاجه كل منهم من النظام الجديد.
أولياء أمور: تطبيق «التحسين» هروبًا من مشاكل «الامتحان الواحد المصيرى»
«طول عمرها الثانوية العامة هى البعبع اللى كل أولياء الأمور والطلبة بيخافوا منه».. بهذه الكلمات بدأت مريم أحمد، ولية أمر طالبة بالصف الأول الثانوى، حديثها عن النظام الجديد للثانوية العامة، معتبرة أنه يسهم أخيرًا فى القضاء على هذه المقولة، التى ظلت محفورة سنوات طويلة فى أذهان كل الطلاب وأولياء الأمور.
وأضافت ولية الأمر: «كنت أحمل همّ هذه السنة، وعلى الرغم من ذلك، أحاول أن أطمئن ابنتى بشكل دائم، وأن أقول لها: «ما تخافيش.. سنة وهاتعدى»، معتبرة أن من أكثر الأسباب التى جعلت الثانوية العامة توصف بـ«البعبع» هو امتحان آخر العام.
وواصلت: «هذا الامتحان يحدد أى كلية سيدخلها الطالب، بناءً على الدرجة التى حصل عليها فيه، وبالتالى فإن ذلك يسبب حالة كبيرة من التوتر والقلق تصيب كلًا من الطالب وولى الأمر، ما يؤدى إلى نتائج غير مرضية تنعكس على مستقبل الطلاب».
وأكملت: «بينما النظام الجديد سيمثل الفرصة الثانية لتحديد مستقبل طالب الثانوية العامة، وسيكون بمثابة إعادة جديدة لأمله، الذى ربما يضيع بسبب الأقدار وظروف خارجة عن إرادته، حال الاكتفاء بامتحان واحد مصيرى».
ورأت أن النظام الجديد سيرفع عن كاهل أولياء الأمور حجم القلق والإرهاق النفسى الكبيرين الناتجين عن معايشتهم الضغط على أبنائهم، واللذين يتسبب فيهما النظام القديم للثانوية العامة.
واعتبرت نهى إبراهيم، ولية أمر طالب فى مرحلة الثانوية، أن النظام الجديد المقترح للثانوية العامة، الذى كشفت وزارة التعليم عن بعض ملامحه، يدعو إلى الاطمئنان على مستقبل أبنائهم التعليمى.
وأوضحت أن «تيسير اختيارات مسارات الطالب وفقًا لرغباته، الذى أعلنت عنه وزارة التربية والتعليم، يجعل الطالب يتلقى العملية التعليمية بشغف وإدراك للمعلومات، لا بخوف أو تململ يدفعه للجوء إلى الحفظ فقط من أجل الحصول على درجات مرتفعة، ثم دخول إحدى كليات القمة بهدف الوجاهة الاجتماعية فقط، مثل كلية الطب وغيرها».
وأضافت: «سلبيات النظام القديم للثانوية العامة نتج عنها خروج غير المؤهلين للعمل فى العديد من المجالات، الذين كانت لهم الثانوية العامة مجرد سنوات للحفظ والتلقين، بينما كانت بالنسبة لآخرين ضياعًا لأحلامهم التى تمنوها، ووقف المجموع حائلًا دون تحقيقها».
لذا تعتقد ولية الأمر أن النظام الجديد للثانوية العامة سيقضى كثيرًا على مشكلات النظام القديم، ويبشر بخلق جيل جديد مؤهل للتعامل مع الدراسة بشكل عام، يقبل عليها ولا يكرهها، لأنه قد قضى على «بعبع الخوف» بداخله.
مدرسون: تعزير إمكانات المعلم وتحسين راتبه.. وعودة دور المدرسة
رأى كمال مصطفى، كبير معلمى مادة «الكيمياء» فى المرحلة الثانوية، أن تعديل وتطوير منظومة التعليم، وتحديدًا مرحلة الثانوية العامة، خطوة تأخرت كثيرًا، لذا يتطلع الجميع إلى تنفيذها فى أقرب وقت.
وقال «مصطفى»: «نظام الثانوية العامة يحتاج إلى كثير من التعديل والتطوير، على أن يشمل هذا المنظومة كلها، بداية من الطالب ثم المعلم والمدرسة»، معتبرًا أن هناك «خللًا ما» يمنع ويعوق التطوير.
وأضاف: «أصبح هناك استسهال بشكل كبير من ناحية الطلاب فى اللجوء إلى الطرق غير المشروعة، مثل الغش فى الامتحانات، وعدم البحث عن المعلومة أو بذل الجهد فى المذاكرة، كما أن المعلم فقد هيبته وأهميته أمام الطلاب وأولياء الأمور، فضلًا عن المدرسة التى يهرب ويفر منها الطلاب».
وواصل: «نحتاج إلى تطوير حقيقى وملموس على أرض الواقع، لإعادة جودة التعليم كما كانت فى السابق، وأرى أن البدء من المعلم وتطوير إمكاناته ومهاراته ومستوى دخله هو الأهم، حتى لا يلجأ إلى الدروس الخصوصية لتحسين راتبه»، مشددًا على أنه «إذا صلح حال المعلم صلحت المنظومة بأكملها».
وعن النظام الجديد الذى أعلن عنه الأيام الماضية، قال كبير معلمى «الكيمياء»: «لم تتضح تفاصيله بعد، لكن كما قلت سابقًا، هناك حاجة ملحة لتطبيقه فى أسرع وقت، فى إطار تطوير التعليم ككل، وبالتالى خلق أجيال جديدة على دراية كاملة، ومستعدة لتحديات سوق العمل الحالية، بدلًا من أن تكون الأولوية للمجموع المرتفع وكليات القمة».
وقال كمال التهامى، مدرس أول «لغة عربية» بمرحلة الثانوية العامة، إن إعداد قانون جديد للثانوية العامة يسهم فى إصلاح المنظومة التعليمية، وتحديدًا هذه المرحلة المصيرية للطلاب وأولياء أمورهم.
ورأى «التهامى» أن القانون الجديد يجب أن يراعى أفراد المنظومة كلها، وكيفية تطوير كل منها بشكل شامل وملموس على أرض الواقع، وأولها تطوير المناهج بما يواكب احتياجات وتحديات سوق العمل.
وأضاف: «ينبغى أيضًا تطوير المدارس، وتأكيد أهميتها فى تأسيس وتربية الطلاب قبل تعليمهم، بما يعنى عودة دور المدرسة فى العملية التعليمية السليمة، كما أن المعلم يعانى من إهمال كبير لحقوقه، ما يتطلب تطوير قدراته وتحسين راتبه»، معتبرًا أن «المعلم يحتاج إلى خطة وحده لإعادة النظر فى وضعه مقارنة بالدول الأخرى».
وواصل: «فى حال تطوير وضع المعلم وتحسينه، سيتم حينها تلقائيًا القضاء على الدروس الخصوصية، المنظومة التعليمية معقدة ومترابطة ومتشابكة بشكل كبير، وإذا جرى تحسين أى من عناصرها، سيسهم هذا فى تطويرها ككل». وأشار فى ختام حديثه إلى ضرورة أن يشمل مشروع القانون الجديد، الذى لا يزال قيد الدراسة والتطوير، التعليم الفنى والمدارس التكنولوجية، وتحديدًا ما يتعلق بإصلاح النظرة السلبية عن طلابها، الذين أصبحوا ذوى أولوية لسوق العمل، إذا ما قيمنا الوضع بشكل عادل.
خبراء: مواكبة تجارب الدول المتقدمة فى الامتحانات.. والابتعاد عن «أسئلة الحفظ»
أكد حسن شحاتة، الخبير التعليمى، ضرورة إخضاع نظام الثانوية العامة بأكمله، سواء ما يتعلق بالدراسة أو الامتحانات، لمعايير موضوعية، مشيرًا إلى أن هذا هو النظام المتبع فى دول كثيرة، وتطبيقه فى مصر يعنى مواكبة تطور تجارب الدول المتقدمة. وقال «شحاتة»: «خلال عملية تطوير منظومة الثانوية العامة الجديدة، لا بد من مواكبة التجارب العالمية، عبر معرفة كيف يديرون تلك المرحلة التعليمية الحرجة، ودراسة أنظمة الامتحانات لديهم، ثم تطبيق ذلك فى مصر». ونبه إلى ضرورة أن تقيس أسئلة الامتحان القدرات العقلية للطلاب، بحيث لا تعتمد على الحفظ فقط، بل تناقش العقول وتجعلها تفكر طول الوقت، لا أن تحفظ وتكتب ما حفظته فقط، ما يساعد فى تطوير مهارات الطلاب وتنشيط عقولهم وذاكرتهم. وأضاف: «علينا أن نتوقف عن اختبار الطلاب بالأسئلة، التى يجيبون عنها بمقاطع محفوظة من الكتب، لأن ذلك الأمر سيدفع الطلاب إلى الحفظ فقط دون أى فهم، ولحل ذلك، يمكننا الاعتماد على الأسئلة الإبداعية التى تفيد الطلاب». وواصل: «يجب كذلك تحقيق العدالة فى الامتحان، بحيث لا يتاح الامتحان مرة ثانية لتحسين القدرات لدى الطلاب بحجة القضاء على (بعبع) الثانوية العامة»، مشددًا على ضرورة أن يقدر الطالب فكرة الامتحان وهيبته، بأن يكون هذا الامتحان الفرصة الوحيدة من أجل تحقيق معيار الفرز بين الطلاب والتمييز بينهم على أساس واضح، حتى يظهر من يجتهد طوال العام، ويظهر كذلك من اطلع على المادة قبل الامتحان بأيام. واتفق على فارس، الخبير التعليمى، على ضرورة تطوير نظام الثانوية العامة الحالى، الذى وصفه بأنه «قديم»، ويمثل ضغطًا على الطلاب وأولياء الأمور، مضيفًا: «أول شىء لا بد من تغييره هو نظام الامتحانات الخاص بالثانوية العامة».
وأوضح «فارس» أن هناك مقترحًا بأن يختار الطالب ٣ مواد، وأن يخضع كل ٣ أشهر لامتحان فى المواد الثلاث، بحيث لا يخضع للامتحان فى المواد التسع مرة واحدة، ما يخفف عنه الضغط والتوتر والخوف من الثانوية العامة، هو وأسرته.
وأشاد بقرار «التعليم» بإتاحة دخول الطالب الدور الثانى لامتحانات الثانوية العامة بالدرجة الفعلية، لأن من حق الطالب إعادة المادة إذا لم ينجح فيها مرة مجانًا، وفى المرة الثانية يدفع ١٠٠٠ جنيه ويأخذ درجاته منها.
وشدد على ضرورة أن يكون الامتحان بنظام «بنك الأسئلة»، وفى نفس مدرسة الطالب، بدلًا من «استجداء» مراقبين من الخارج، ما يزيد الضغط المادى على وزارة التربية والتعليم.
وأضاف: «نحتاج إلى أن يكون هناك ملف إلكترونى على جهاز حاسب آلى لكل طالب، مثل نظام امتحانات الـCDL، وبالتالى عدم وجود داع للتصحيح الإلكترونى أو الكنترول والتظلم، مع وجود شفافية أكبر فى التعامل وتخفيف الضغط على الطلاب».
واقترح كذلك أن يكون حضور الطلاب ٣ أيام فقط فى الأسبوع، لمدة ٦ ساعات يوميًا، بواقع ٣ ساعات تدريبية و٣ تعليمية، بحيث لا يلجأون إلى الدروس الخصوصية، ويكون لديهم فائض فى الوقت من أجل المذاكرة.