بين البايع والمشترى..!
إذا كان المثل الشائع يقول: بين البائع والمشترى يفتح الله، فإن واقع تعاملاتنا اليومية بالبيع والشراء أو بالحصول على خدمة ما، يحكمها نوع آخر غير «يفتح الله» التى تعنى التوافق بين طرفى البيع والشراء كشرط لإتمام التعامل بينهما، أو يجب على كلا الطرفين البحث عن بديل للآخر، إذا لم يكن هناك توافق على البيع أو الشراء.
ما يحدث بالفعل أن عمليات البيع والشراء تتبع نظام «حاورينى يا كيكا»، أو نظام «حلق حوش»، واللى «تكسبه تلعبه»، فمعظم المعاملات الآن لا يخضع لقوانين البيع والشراء المنطقية والمتعارف عليها من توافق رغبة المشترى فى شراء سلعة يحتاجها وتناسب قدرته الشرائية، مع رغبة البائع بيع تلك السلعة بسعر عادل يضمن له الحصول على ربح مناسب.
ولا تخضع عمليات البيع والشراء حاليًا لآليات السوق فى العرض والطلب فقط، ولا حتى تخضع لمنطق- التكلفة والربح- فالمفترض أنهما المحددات للسعر النهائى للسلعة أو الخدمة.
فى بلدنا محددات أخرى هى نتاج أفكار جيل الفهلوة، التى تحددها حرفية البائع فى إقناع «الزبون» أو المشترى بالسلعة وسعرها، واللعب على وتر الحاجة لدى- الزبون- وهى العامل الأهم فى العملية كلها.
وللأسف يتبع هذا المنهج فى حق المواطن معظم منتجى وبائعى السلع والخدمات، بما فيها الحكومة ذاتها بشركاتها ووزرائها، فالمعيار الذى بات يحكم السوق هو مدى حاجة المواطن للسلعة بغض النظر عن قدرته الشرائية.
فغير المنطقى أن يتجاوز سعر اللحوم البلدية الـ300 جنيه، ويكون مناسبًا لدخل وقدرة المواطن فى شرائها، وأن تزيد تكلفة وجبة السمك البلطى لأسرة متوسطه قيمة الـ150 جنيهًا.
ولا يُعقل أن تتحمل الأسرة المتوسطة تكلفة استخدام الإنترنت المنزلى ما قيمته 265 جنيهًا شهريًا جبرًا، إلى جانب فواتير باقى المرافق التى تتجاوز فى الأغلب إجماليها مبلغ ألف جنيه شهريًا لكل أسرة، ومن غير الواقعى أن تتناسب تلك النفقات مع دخل الأسرة المتوسطه ولا حتى فوق المتوسطة.
هذا خلل حادث وواقع بالفعل بين مقدمى كل الخدمات والمواطن، وهى حالة تحتاج بالفعل لإعادة صياغة، فلم يعد بمقدور المواطن تحمل أعباء أكثر لا مادية ولا نفسية، ولا قدرة على الاستمرار فى لعبة حلق حوش اليومية.
ففى أسواقنا تجد أصغر بائع فى أقل سوق يتبع منهج «جلا جلا» للفت نظر المشترى بعرض سعر أقل مما يبيع به بالفعل، يحدث ذلك من الكبار والصغار، ستجدها فى طريقة بيع الفيلل الهاى لايف والسيارات الفارهة، وهى ذاتها طريقة بيع الخضار الفاكهة، الكل يعرض أسعارًا للفت النظر من بعيد، وعند الاقتراب تجد أن السعر المعلن يخص سلعًا أخرى أقل جودة أو غير مناسبة أو حتى غير موجودة فى الأساس، أو حتى غير صالحة للاستخدام.
وهكذا تجد التلاعب بالألفاظ يستخدمه كل مقدمى الخدمات وتتساوى عيادات الأسنان ومراكز التوليد مع مراكز الميكانيكا وورش الحدادة والسباكة لأصحاب المشاريع الكبرى، وتجد أن الاتفاق المعلن بسعر يختلف عن التكلفة النهائية للخدمة أو السلعة.
فعند إتمام أى عملية تكتشف أن الاتفاق لم يتضمن خدمات لم تخطر ببالك؛ كالتركيب أو التوصيل أو التشطيب وهكذا؛ حتى تكتشف أن هناك تفاصيل أخرى تم إخفاؤها عنك عمدًا لتفاجأ بها فى النهاية وتصل إلى مضافعة التكلفة أو السعر المتفق عليه مسبقًا.
كل ما سبق يحدث كنتيجة طبيعية لإعمال آليات السوق الحرة التى يغيب عنها الضمير والرقابة، واتباع مناهج «الفهلوة» المغلفة فى بعض الأحيان بغلاف الدين؛ حتى أصبح بيع السلعة الواحدة بأكثر من سعر أمرًا عاديًا تحت مسمى التجارة شطارة، وهى حالة نتمنى أن تتوقف وتنتهى من حياتنا؛ حتى يتضح الفرق بين النصب والتجارة، وأن تُعاد صياغة العلاقات التجارية والمعاملات اليومية لنصل لحالة الرضا وتعود الثقة بين البائع والمشترى.