المحكمة الدولية تلاحق إسرائيل.. هل ستنجح في إدانة جرائم الاحتلال؟
يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي بات على موعد مع العدالة الدولية، إذ سيمثل لأول مرة أمام محكمة لاهاي الدولية يوم الخميس، بعدما رفعت جنوب إفريقيا قضية ضده تتهمه فيها بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
ولم تكن جنوب إفريقيا وحدها من هز سهم العدالة في وجه آلة القتل الإسرائيلية، بل انضمت إليها دول أخرى رفعت القضية ذاتها أمام محكمة لاهاي، في محاولة لوضع حد لممارسات الاحتلال الإجرامية التي طال أمدها في حق الفلسطينيين.
ويرى الخبراء أن الحكم لصالح الضحية الفلسطينية سيشكل انتصارًا معنويًا كبيرًا، وربما يدفع المحتل لوقف بعض ممارساته تجاه الشعب الأعزل.
جنوب إفريقيا من دولة محتلة إلى مقاتلة لاستقلال فلسطين
شهدت جنوب إفريقيا نضالًا طويلًا من أجل الحرية والمساواة، بدءًا من تأسيس حزب المؤتمر الوطني الأفريقي عام 1912م، وقيادة نيلسون مانديلا للنضال ضد الفصل العنصري، مرورًا باستقلال البلاد عن الاستعمار عام 1961م، وانتهاءً بإسقاط نظام الفصل العنصري وانتخاب مانديلا أول رئيس أسود للبلاد عام 1994م.
اليوم، وفي ظل التحديات التي تواجه جنوب أفريقيا، تواصل هذه الأمة دعم الشعوب المضطهدة من خلال ملاحقة الاحتلال الصهيوني أمام المحكمة الدولية، عسى أن تنال فلسطين حريتها كما نالتها جنوب أفريقيا ذات يوم، لتكون أول دولة تتقدم بدعوى قضائية في محكمة العدل الدولية ضد الاحتلال الصهيوني، وقدمت فيها عدة أدلة بجرائم الحرب والإبادة التي تمت ضد أهل فلسطين.
ففي ديسمبر الماضي، قدمت جنوب إفريقيا دعوى قضائية ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها فيما يتعلق بهجماتها على الفلسطينيين في قطاع غزة، وتبدأ المحكمة يومي 11 و12 يناير الجاري، مناقشة تلك الدعوى، وتضم المرافعة 84 صفحة باللغة الإنجليزية، تقدم أدلة إدانة للاحتلال الإسرائيلي على محاولته ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
3061 محاميًا تركيًا ضد الاحتلال الإسرائيلي
ولم تكن جنوب إفريقيا وحدها، بل سبقتها تركيا بيوم، حيث تقدم 3061 محاميًا تركيًا بدعوى قضائية إلى المحكمة الجنائية الدولية، تضمنت دلائل تثبت قيام إسرائيل بجرائم ضد الإنسانية وإبادة جماعية وجرائم حرب في قطاع غزة.
وفي تصريحات له، أكد ياسين شاملي رئيس النقابة الثانية للمحامين في تركيا الذي ترأس هذه القضية، أنه تم تصنيف الأدلة التي قدموها إلى 5 فئات؛ صور وفيديوهات وتقارير من الصحفيين ووسائل الإعلام التي تعمل في غزة مباشرة، مقاطع فيديو وشهادات مصدقة من المصابين الذين قدموا إلى تركيا لتلقي العلاج بالمستشفيات التركية، شهادات ومقاطع فيديو مصدقة من أقارب أو معارف هؤلاء المصابين، تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، أدلة تتعلق بعدم صحة الأسباب التي قدمها الاحتلال لتبرير الهجوم.
وأوضح "شاملي" أنهم يأملون في محاكمة دولة الاحتلال إذا لم تتعرض المحكمة لضغوط سياسية، كما يدعون لإنشاء محكمة جنائية دولية في العالم الإسلامي لمنع مثل هذه الجرائم، ويحثون الجميع على التحرك لوقف الإبادة الجماعية في غزة، حيث تجاوز عدد الضحايا 20 ألفًا، 70% منهم من الأطفال والنساء.
بوليفيا وبنجلادش وجزر القمر وجيبوتي يتضامنون مع جنوب إفريقيا
أعلنت بوليفيا انضمامها للدعوى القضائية التي قدمتها جنوب افريقيا وبنجلادش وجزر القمر وجيبوتي أمام المحكمة الجنائية الدولية، للتحقيق في الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
وأيدت وزارة خارجية بوليفيا الدعوى ضد دولة الاحتلال بشأن جرائم الإبادة الجماعية في غزة، مؤكدة أنها خطوة تاريخية للدفاع عن الشعب الفلسطيني، وتُعد بوليفيا أول دولة في أمريكا اللاتينية تعلن تأييدها للدعوى، داعية لدعمها دوليًا.
مستشار قانوني: لا أثق في نزاهة "العدل الدولية"
تحدثنا مع عدد من الخبراء في القانون الدولي عن آلية تنفيذ الحكم والإفادة التي ستعود على الشعب الفلسطيني من تلك الدعوتا إذا تم الحكم لصالحه، بداية قال المستشار القانوني، حمدي مرزوق، إنه بمجرد صدور حكم من محكمة العدل الدولية يصبح المحكوم عليه مطاردًا من قبل مباحث الانتربول، فإذا خرج من بلده وذهب إلى بلد أخرى يتم القبض عليه بمجرد وصوله، إلا أن هذا لا يحدث إلا نادرًا.
وأوضح "مرزوق"، في حديثه مع "الدستور"، أن محكمة العدل الدولية لأنها تتأثر بتعليمات الولايات المتحدة الأمريكية، وباعتبار أن دولة الاحتلال هي الابن المدلل لأمريكا، فإن مسألة مثولها أمام المحكمة قد لا يعود بأي فائدة على فلسطين، إلا إذا تجردت المحكمة من أي تأثيرات خارجية وأصدرت حكمها بكل نزاهة.
وأشار إلى أن صدور أحكام ضد الحكام ليس الأول الذي تصدره محكمة العدل الدولية، إنما صدر حكم ضد البشير حاكم السودان باعتباره مجرم حرب، لكنه هرب خارج السودان قبل صدور الحكم، فتعرقل تنفيذ الحكم ضده، كذلك حاكم صربيا سلوبودان ميلوسوفيتش، والذي كان أول رئيس يخضع للمسائلة من قبل محكمة العدل، لارتكابه جرائم إبادة خلال الحروب في البوسنة وكرواتيا وكوسوفو.
متخصص في القانون الدولي: ورقة ضغط لإيقاف الحرب
وشجع المستشار كريم عدس، متخصص في القانون الدولي، جميع الدول أن تخطو خطى تركيا وجنوب إفريقيا في تقديم دعوى قضائية ضد دولة الاحتلال بسبب حرب الإبادة التي يقومون بها ضد الشعب الفلسطيني، والتي فيها قدموا كل الإثباتات على ذلك من صور وفيديوهات، ودعمتهم في ذلك جمعيات حقوق الإنسان، وأيضًا ساعدتهم مؤسسات غزة التي تضررت إثر ما قامت به دولة الاحتلال.
وأوضح "عدس"، في حديثه مع "الدستور"، أن إجراءات التقدم بدعوى قضائية لمحكمة العدل الدولية تختلف إجراءاتها عن أي محكمة عادية، حيث يتم تقديمها إما عن طريق البريد الإلكتروني الخاص بالمحكمة أو أن يسافر شخص لتسليمها بنفسه، وكلما كان عدد المتقدمين بالدعوى أكبر كلما كان أفضل، وبالطبع سيكون لها جدوى لأن العديد من الدول تقدمت بدعوى ضد دولة الاحتلال بسبب الجرائم التي ترتكبها في غزة.
ورأى أن تلك الخطوة حتى وإن لم تؤتِ المرجو منها إلا أنها خطوة إيجابية، حيث ستكون ورقة ضغط لإيقاف الحرب حتى وإن لم تحاسبهم أو توجه لهم أي تهمة.
دولة الاحتلال تعلن مثولها أمام “العدل الدولية”
وفي 2 يناير الجاري، أعلنت دولة الاحتلال أنها ستمثل أمام محكمة العدل الدولية للرد على الدعوى التي رفعتها ضدها جنوب افريقيا بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة، وستطالب برفض الأمر المؤقت المطلوب من المحكمة بوقف العمليات العسكرية في غزة، كما ستستخدم الضغوط الدبلوماسية لحشد الدول ضد الدعوى.
ويُتوقع استمرار جلسات النظر في القضية ما بين 4 إلى 6 سنوات، لكن دولة الاحتلال تسعى الآن لإحباط أي أمر مؤقت يجبرها على وقف إطلاق النار.