"طالب مشاكس".. حمدي غيث يتعرض لمقلب بعد وضعه "فأر" في سندويتش لزميله
اشتهر الفنان حمدي غيث، والمولود في مثلا هذا اليوم من العام 1924، بأدائه للأدوار التاريخية، ويعد دور الملك “ريتشارد” الذي قدمه في فيلم الناصر صلاح الدين أشهرها.
جدية حمدي غيث، وأدواره التي قدمها علي مدار مشواره الفني، في السينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة، لا تنبئ بأنه كان هذا الطفل المشاغب كثير المشاكل كما يحكي عن نفسه في مقال نشر له بمجلة الكواكب الفنية في عددها الـ 167 والصادر بتاريخ 12 أكتوبر.. من عام 1954.
حكاية مقلب تعرض له حمدي غيث من زميل دراسة في باريس
وعن طفولته وصباه، استهل حمدي غيث، مقاله مشيرا إلي: كنت في أيام دراستي الابتدائية "أشقي" زملائي، فلم يسلم أحد تلاميذ فصلي من "مقلب" لا يفارق الذاكرة أبدا. وقد شاءت المقادير أن أتلقي جزائي علي أحد هذه المقالب في باريس، حين ذهبت إليها بعد سنوات طوال لأدرس الإخراج المسرحي، كنت حديث القدوم إلي مدينة النور، فجلست ذات أصيل في أحد مقاهي "سان ميشيل"، أحس بالوحدة، وأتمني لو أتيح لي شخص أتبادل معه الحديث أو أصحبه في جولة خلال أحياء المدينة.
وتابع أحسست أن الحظ يوليني عنايته، حين لمحت فجأة وعلي مائدة قريبة مني صديقي أحمد، فقد خصني الله بذاكرة جيدة، فلم أكد أراه حتي وجدت أسمه علي لساني واستعدت صورته أيام الدراسة الإبتدائية فوجدت الشبه باقيا إلي حد كبير. نهضت إليه مسرعا وكان يقرأ في مجلة بيده، فانقضضت أربت علي كتفه وأقول: "أزيك يا أحمد.. مش أنت أحمد برضة؟"، ورفع عينيه فرآني، فابتسم ابتسامة عريضة ثم أجاب: “أيوة أنا أحمد أزيك أنت؟.. اتفضل أقعد تشرب إيه؟” وجلست وأنا أقول: "يا أخي دا أنا باتمني ألاقي حد أكلمه شوية لأني قاعد وحدي. قال: دي فرصة سعيدة.
اكتشافه لحي الفن والبوهيمية
ومضي حمدي غيث، في حديثه عن ذكرياته في باريس: وسألته إذ ذاك عما يفعل في باريس فعرفت أنه يدرس، وعرفت أنه سبقني إليها بعامين، فقلت له: "لازم بقي تعرف كل حاجة عن باريس"، فقال: "أنا في خدمتك إذا كنت تحب تتفرج علي حي من أحياء المدينة أصلي فاضي الليلة دي، و كانت أولي أمنياتي أن أري "مونمارتر" حي الفن والبوهيمية، فلما أبديت رغبتي هذه لزميلي قال: "بكل سرور، نتقابل بعد ساعتين وأنا عارف ملهي يعطيك فكرة عن الحي ده".
ووافيته في الموعد تماما فانطلقنا إلي الملهي الذي ذكره، ودخلنا فبدا لي من تصرف حارس الباب والخدم بالداخل إزاء زميلي أنهم يعرفونه جيدا. واخترنا مائدة وجلسنا وطلب زميلي كأسين من النبيذ وأصر علي أن يدفع الثمن فتركته يفعل.
ويستكمل حمدي غيث: وعزفت بعد ذلك الأوركسترا ثم أنفرج الستار في نهاية الصالة لتبرز راقصة زنجية شبه عارية، وأخذت ترقص رقصا عجيبا، ولكزني زميلي وقال: اسمها "تالولا"، قلت: تشرفنا. وقال هامسا: خد بالك ضروري ح تلعب عليك لأنك غريب هنا، أوعي تقع لأحسن تطلعك عالحديدة. فقلت له: متخافش.
ولم يلبث أن تحقق قوله فإن "تالولا" بعد أن ظلت تلهيني طوال رقصها بنظرات القط إلي الفأر، ولم تكد تنتهي الرقصة حتي أسرعت بكل بساطة، وجلست بجواري ثم أحاطت عنقي بساعديها الحارين وهي تهدهدني بعبارة لم أفهم منها إلا كلمة "شيري".
حاولت أن أصدها بالبرود ولكنه لم يجد، فاستدرت أقول لزميلي: وبعدين في القمر ده، ما تشوف معايا طريقة للخلاص. وهنا وبدلا من أن يهب صديقي لنجدتي، فوجئت بعينيه تتسمران علي في نظرات غريبة، ثم وجدت ابتسامة صفراء تسيل فوق شفتيه وقال: "دلوقتي عرفتك، عرفتك لما سميتها قمر، أنت دايما كنت تسخر من الشخص الأسود وتسميه "قمر"، تتصور أنا جبتك هنا وأنا مش عارف أنت مين، قلت يمكن صديق قديم واتكسفت أوريك أني مش فاكرك، أنت فلان الفلاني اللي كنت بتعمل فينا مقالب في المدرسة.
مقلب على الطريقة الفرنسية
واختتم حمدي غيث، مقاله مشيرا إلي: قلت وقد راعتني المرارة التي يتحدث بها: كنا وقتها عيال. قال وهو يضحك ضحكة شيطانية: عيال، فاكر الفار اللي خطيته لي في السندويتش بدل اللحمة، أنا حاوريك. وأشار إلي أحد الخدم فما أسرع ما اختفي هذا ليعود بعد لحظة حاملا زجاجة شمبانيا وصندوق شيكولاتة فاخر ليضعهما علي المائدة قائلا لي بفرنسية واضحة جدا: الأشياء التي طلبتها للمدموازيل يا سيدي"، كان يقصد بالمدموازيل "تالولا" التي لم تكد تسمع قوله، حتي وثبت راقصة من الفرح، ثم احتضنت الزجاجة والصندوق وأخذت تردد هاتين الكلمتين: ميرسي شيري. قلت لزميلي: أنا في عرضك مقدرشي علي كده. قال: مفيش فايدة، قلت غاضبا: طيب مادام كده السلام عليكم.
واتجهت إلي الباب أريد الخروج وإذا بي أفاجأ بحارس زنجي يسد الباب بكتفيه العريضين، وعدت إلي المائدة أريد أن أتوسل لزميلي من جديد فكانت آخر مفاجأة أن وجدته هو والراقصة قد أختفيا. لم أجد هناك إلي الخادم ينحني لي في أدب قائلا: 12 جنيه يا سيدي، ودفعت وخرجت ببضعة قروش في جيبي لبقية الشهر.