ما بعد «العارورى».. تداعيات اغتيال أكبر رجال «حماس» على الحرب فى غزة
أثار اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» صالح العارورى، واثنين آخرين من كبار مسئولى الحركة، فى بيروت، الثلاثاء الماضى، بطائرة مُسيرة، حالة من القلق لدى كثير من المراقبين داخل إسرائيل وخارجها، فى ظل المخاوف من تداعيات الحادث خلال الفترة المقبلة.
ويدرك الجميع أن حركة «حماس» الفلسطينية و«حزب الله» اللبنانى لديهما روابط وعلاقات قوية، ما يجعل من الصعب أن تنفذ إسرائيل عملية اغتيال لقيادى كبير من «حماس» على الأراضى اللبنانية دون المخاطرة ببدء حرب مع «حزب الله»، خاصة فى ظل التوترات فى المنطقة بسبب العدوان الإسرائيلى الغاشم على الفلسطينيين فى قطاع غزة المحاصر، الأمر الذى يستدعى رصد سيناريوهات ما بعد تصفية «العارورى» واحتمالات توسع نطاق الحرب الدائرة حاليًا فى القطاع.
قيادته للمقاومة فى الضفة جعلته على قائمة الاغتيالات الإسرائيلية
شغل صالح العارورى منصب نائب الرئيس السياسى لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، لكنه عمليًا كان القائد العسكرى لقوات الحركة فى الضفة الغربية، أى أنه، وبالنسبة لإسرائيل، يتقلد أهم منصب لحماس فى الضفة؛ لكونه المحرك الحقيقى لنشطائها هناك.
تاريخ «العارورى» جعله هدفًا ثمينًا لإسرائيل، خاصة أنه من خطط لاختطاف وقتل 3 إسرائيليين فى يونيو من عام 2014، الأمر الذى أدى إلى اندلاع حرب غزة وقتها.
لذا، وقبل نحو شهرين، عمد الجيش الإسرائيلى إلى تدمير منزل «العارورى» الواقع بالقرب من مدينة رام الله بالضفة الغربية، بسبب الخطر الكبير الذى يشكله على إسرائيل، مع وضع اسمه ضمن قائمة المطلوبين من الاستخبارات الإسرائيلية، والعمل على اغتياله، وهو ما حدث بالفعل يوم الثلاثاء الماضى.
وتم استهداف «العارورى» بطائرة إسرائيلية مسيرة، نجحت فى قتله أثناء تواجده فى الضاحية الجنوبية بالعاصمة اللبنانية بيروت، مع قتل اثنين آخرين من كبار مسئولى حركة «حماس»، أولهما هو سمير فندى، رئيس الوحدة التكنولوجية لـ«حماس» فى لبنان، والذى كان مسئولًا عن العديد من عمليات إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل من الشمال، وهو أيضًا قائد كتائب «عز الدين القسام» التابعة للحركة فى لبنان، ويعد كذلك نقطة الاتصال بينها وبين الحوثيين فى اليمن.
أما القيادى الثانى الذى اغتالته إسرائيل مع «العارورى»، فهو عزام الأقرع، وهو ناشط كبير فى الحركة، ترى المخابرات الإسرائيلية أنه كان المسئول عن العديد من الهجمات داخل إسرائيل.
ويرى المراقبون أن الحذر الشديد الذى تصرفت به إسرائيل تجاه عملياتها فى بيروت، وتخطيطها للقضاء على عناصر من «حزب الله» بشكل عام، ربما دفع كثيرين فى التنظيم اللبنانى، وضيوفهم من حركتى «حماس» و«الجهاد الإسلامى» الفلسطينيتين، إلى نقل مقراتهم من سوريا إلى لبنان، لأنهم كانوا متأكدين من أن إسرائيل لن تغامر وتنفذ أى عملية ضدهم هناك.
ويشير المراقبون إلى أن قادة «حماس» الموجودين حاليًا خارج غزة تصرفوا فى الآونة الأخيرة، وحتى اغتيال «العارورى»، وكأن لا شىء يهددهم، حتى إنهم تجولوا هنا وهناك من دون إجراءات تأمين مشددة أو حراس أمن، أو بعدد قليل منهم، معتقدين أنه ما دامت المفاوضات بشأن عودة المحتجزين الإسرائيليين فى القطاع مستمرة فإن إسرائيل لن تجرؤ على قتل أى منهم، إلا أن هذا لم يمنع إسرائيل من اغتيال أحدهم فى لبنان.
ويعتقد كثير من المراقبين أن عملية الاغتيال يمكن أن تؤدى إلى رد فعل من «حماس» أو «حزب الله»، الأمر الذى قد يؤدى إلى رد فعل إسرائيلى مضاد، ما يفتح الباب أمام تصعيد كبير وفتح جبهة جديدة، لكن الاغتيال قد يكون أيضًا بمثابة إنذار لهؤلاء يحذرهم من فتح تلك الجبهة.
وكان حسن نصرالله، زعيم تنظيم «حزب الله» اللبنانى، قد أكد أن عملية الاغتيال داخل الأراضى اللبنانية هى تجاوز للحدود، خاصة أن رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، قد هدد «العارورى» سابقًا بالقتل، وفى حينه قال «نصرالله» إن هذا سيكون تجاوزًا للخط الأحمر.
ويشير المحللون إلى أنه من غير المؤكد، رغم كل شىء، معرفة ما إذا كان «نصرالله» سيقرر أن يحتفظ بخطوطه الحمراء التى وضعها علنًا أم سيرد بعنف ويخاطر برد إسرائيلى، أم أنه سيرد بشكل محدود مع الحفاظ على نفس المعيار الذى اتبعه منذ عملية ٧ أكتوبر الماضى.
توقعات بتأخر مفاوضات الإفراج عن المحتجزين.. واستبعاد فتح جبهة جديدة مع «حزب الله»
تشير التقديرات فى إسرائيل والولايات المتحدة إلى أن حسن نصرالله، زعيم «حزب الله» اللبنانى، لن يكون على استعداد لجر لبنان كله إلى الدمار من أجل التعاطف أو الدفاع عن «حماس»، التى شنت هجومًا على إسرائيل فى ٧ أكتوبر الماضى دون إبلاغ الحزب.
وهناك من يأمل فى أن يجلب حادث اغتيال «العارورى» فائدة إضافية لإسرائيل، عبر زيادة الحافز لدى دول، مثل الولايات المتحدة أو فرنسا، لأن تبذل كل ما فى وسعها لإيجاد تسوية سياسية بين إسرائيل و«حزب الله»، بما يؤدى إلى انسحاب الأخير من السياج الحدودى لمنع تفجر الأوضاع وفتح جبهة أخرى للحرب.
وحسب تقديرات محلل شئون الاستخبارات رونين بيرجمان، فى صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فإن جهود الوسيط الأمريكى عاموس هوشستاين، التى لم تسفر، حتى الآن، عن انفراجة بين إسرائيل و«حزب الله»، يمكن أن تنجح بعد عملية الاغتيال، لأن هناك من أصبح يعتقد أن بإمكان إسرائيل أن تفعل بلبنان ما فعلته بغزة.
فيما يرى المحلل السياسى رون بن يشاى، فى مقاله بـ«يديعوت أحرونوت»، أن النتيجة المباشرة لاغتيال «العارورى» ستكون إيجاد شعور بالخوف بين أعضاء القيادة السياسية لحركة «حماس»، خاصة المتواجدين منهم حاليًا فى قطر، ومن بينهم رئيس المكتب السياسى للحركة إسماعيل هنية، الذى كان «العارورى» نائبًا له، أيضًا القيادى موسى أبومرزوق، الذى حل محل الأخير فى منصبه، وأشخاص آخرون على رأس التنظيم خارج قطاع غزة.
ويعتقد «بن يشار» أن القيادى يحيى السنوار لن يشعر حقًا بالأسف على تصفية «العارورى»، الذى كان خصمه السياسى اللدود وتنافس معه على قيادة الحركة، لكن فى المقابل قد يكون لعملية الاغتيال تأثير كبير على استعداد الحركة؛ لتنفيذ صفقة تبادل الرهائن والمحتجزين مع إسرائيل، لأن القيادة السياسية للحركة قد تضغط على «السنوار» لتنفيذ الصفقة، والتى قد يكون من أحد بنودها منح حصانة لقيادات «حماس» من الاغتيال.
ويضيف أن «حماس» وإن ردت مبدئيًا على الاغتيال بتجميد المفاوضات بشأن صفقة تبادل الرهائن والمحتجزين، إلا أن هذا لم يؤثر فى التقديرات الإسرائيلية، التى ترى أن اغتيال «العارورى» على وجه التحديد، هو الذى سيساعد فى نهاية المطاف على دفع المحادثات قدمًا، بعد الضغط على قيادات «حماس».
أما المحلل ناحوم برنياع، فيرى فى مقاله بصحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن التصفية لن تخفف من مواقف «السنوار» أو تدفع نحو عقد الصفقة، بل ربما تؤدى إلى تأخير أو نسف المفاوضات.
ويقول: «صحيح أن فرصة التوصل إلى صفقة كانت ضئيلة، حتى قبل تصفية العارورى فى بيروت، لكن فيما يتعلق بحياة المحتجزين فإن أى تأخير قد يكون حاسمًا، وأى تصفية قد تؤدى إلى تصفية عكسية.. ليس من المريح الاعتراف بذلك، لكن قرار القتل هو رهان على حياة المحتجزين فى القطاع».
عسكريًا، رفع الجيش الإسرائيلى حالة التأهب، خاصة فيما يتعلق بأجهزة التحذير، مع بدء الاستعدادات لتغيير الوضع على الجبهة الداخلية إذا قرر «حزب الله» اللبنانى الرد على عملية الاغتيال.
ورجح الجيش الإسرائيلى أن يهدد «حزب الله» إسرائيل بإجراء انتقامى، لأن اغتيال «العارورى»، الذى كان مقربًا من «نصرالله» والإيرانيين، ألحق ضررًا بالغًا بهيبة التنظيم، لكنه يقدر بأن التنظيم لن يتخذ إجراء كبيرًا يهدد بجر لبنان إلى حرب.
ويرى المحللون أن «حزب الله» سيحاول تنفيذ شىء ما من جنوب لبنان، وإذا نجح فى قتل جنود أو مدنيين إسرائيليين أو فى إحداث دمار، فإنه سيعلن أن هذا هو انتقام لـ«العارورى»، لكنه لن يخرق قواعد الاشتباك أو يخوض حربًا كبرى مع إسرائيل، خاصة أن الجيش الإسرائيلى سبق أن اغتال أكثر من ١٠ عناصر من «حماس» أطلقوا الصواريخ وقذائف الهاون على إسرائيل من لبنان، ولم يدرجهم «حزب الله» فى قائمة القتلى من مقاتليه التى نشرها، ووفق ذلك، من المحتمل جدًا أن يمضى «حزب الله» أيضًا بصمت فى هذا الاغتيال.
من ناحية أخرى، يرجح المحللون أن حركة «حماس» ستحاول الانتقام لمقتل «العارورى» من خلال إطلاق الصواريخ المتبقية لديها فى غزة باتجاه إسرائيل، ومن الممكن أن تكون هناك هجمات لها فى الضفة الغربية، لكن الأكثر إثارة للقلق فى إسرائيل هو أن يكون هناك رد فعل عنيف يتعلق بالمحتجزين الإسرائيليين فى القطاع.