رحلة بحث شاقة عن الإصدار الأول.. جريمة ثقافية فجرها العدد 400 من مجلة "الثقافة الجديدة"
صدر العدد 400 من مجلة “الثقافة الجديدة” والذي قدمته وزيرة الثقافة الدكتورة نيفين الكيلاني بمقالها تحت عنوان " تحية واجبة لكتيبة الثقافة الجديدة عبر تاريخها"، واحتفل به المجلس الأعلى للثقافة بحضور كوكبة من المثقفين.
رحلة البحث عن العدد الأول
فكر طارق الطاهر رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، في تدشين العدد 400 بطريقة جديدة وهي نشر العدد الأول من الثقافة الجديدة والذي صدر منذ 53 عاما وتحديدا عام 1970، وذلك للوقوف على تجربة الثقافة الجديدة وما الذي تغير في رحلتها عبر 400 عدد، وكان الأمر جيدا وقابلا للتنفيذ إذ أنه لن يتكلف سوى البحث في أرشيف المجلة نفسها وطبعه ليبدأ العمل مباشرة وطرح العدد الأول مع العدد 400.
العدد الأول لم تره أجيال كثيرة، ومن هنا فكرت هيئة التحرير أن يكون العدد مصاحبًا للعدد 400 وتساءلوا عن إمكانية الحصول عليه، خاصة أنه ليس من بين الأرشيف الذي تحتفظ به المجلة.
وتطلب الأمر زيارة لـ دار الكتب والوثائق وهي الأرشيف الثقافي والوطني ومن المستحيل قطعا ألا يوجد بها العدد الأول خاصة وأنها مجلة ثقافية تنتمي لوزارة الثقافة.
مفاجأة في انتظار “الطاهر”
وقال "الطاهر": "اتجهنا إلى دار الكتب المصرية، باعتبارها الجهة التي تحتفظ بذاكرتنا الثقافية والوطنية، فجاء الرد أن لديهم العدد الأول الصادر في 1980، ومع سؤالي لعدد من المبدعين من الأجيال التي سبقتنا وساهمت في إصدار الثقافة الجديدة كان الرد أنه لم ير أحد هذا العدد، وربما كان فكرة وليس إصدارا.
ولو أن المسئول في الثقافة الجديدة آخر بخلاف طارق الطاهر لسار الأمر على أن يصدر العدد الثمانيني وهو الذي سيتضح فيما بعد أنه ليس العدد الأول، وكان سيطرح تحت مسمى العدد الأول لكن الطاهر بحث في الأمر: "مع تضافر الأمرين شهادة من سبقونا وتوثيق دار الكتب ويضاف لذلك (الترقيم) الفعلي لصدور المجلة، بدأ بالفعل مع العدد الثمانيني برئاسة دكتور عبدالحميد يونس، كل ذلك جعلني على وشك أن اطبع عدد "يونس" باعتباره العدد الأول "الموثوق فيه والذي بين أيدينا".
رحلة البحث وصلت لباعة المجالات القديمة
أمر آخر تدخلت فيه الزميلة عائشة المراغي التي أكدت أنها سوف تبحث لدى باعة المجلات القديمة، والحقيقة أنه أمر مضحك ألا يوجد العدد في دار الكتب والوثائق القومية وألا يوجد في أرشيف المجلة، ونبحث عنه لدى باعة الجرائد والمجلات، وكان الأمر يشبه بحث على أمل الوصول:" اتجهت لبائعي المجلات القديمة، واستطاعت أن تثبت بالفعل أن عدد سعد الدين وهبة صدر بالفعل، وحصلت على صورة للعدد وفهرسته".
وكان ما فعلته “المراغي” كافيا لأن يتم التأكيد على أن هناك عددا آخر سبق العدد الثمانيني وهو العدد الذي أصدره الكاتب المسرحي الكبير سعد الدين وهبة، وكان إيذانا برحلة بحث من نوع خاص كانت نسبة النجاح فيها منخفضة للغاية"، وتواصلت مع أحد البائعين وطلب مهلة للبحث عن العدد في المخزن دون نتيجة.
كانت هناك بادرة أخيرة لكنها تحمل قليلًا من الأمل في انتهاء رحلة البحث بالعثور على الكنز، وهي التواصل مع الكتاب والمثقفين الذين يدركون أهمية العدد الأول من المجلة والمجلات الأخرى، ويجب أيضًا أن يدرك أهمية نشر هذا العدد بالتزامن مع طبع العدد 400.
وتابع “الطاهر”: "استعضنا عن ذلك بالبحث في مكتبات الذين اشتهروا بامتلاك أرشيف ثري للكتب والمجلات، وفي هذا الإطار تواصلت مع الناقد والشاعر القدير شعبان يوسف الذي أكد مبدئيا صدور العدد وانه يمتلك بالفعل نسخة منه، ووافق مشكورا على إعطائنا هذه النسخة لنطبعها مع العدد 400 وهو ما تحقق لنا بفضل مكتبته العامرة بأمهات الكتب والمجلات".
رحلة طارق الطاهر في البحث عن العدد الأول تكشف جريمة ثقافية كبرى وهي اختفاء العدد الأول من أرشيف المجلة التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة واختفاؤه بالتالي من قصور الثقافة نفسها ومن دار الكتب، ويؤكد أن هناك أمورًا أكثر تحتاج إلى إعادة نظر في الأرشيف الثقافي والوطني، ومحاولة تدارك مثل هذه الأمور في التفكير على نحو يحفظ كل ما يكتب، لأن عدم العثور على العدد الأول في رحلة طارق الطاهر كان كفيلًا بأن يتم تصدير أن العدد الثمانيني هو العدد الأول من الثقافة الجديدة.