عام جديد من التحديات والإنجازات
نحمد الله على نعمة الوطن ونفخر بالانتماء إليه، خاصة عندما يمر بأزمات أو مِحن تجعلنا نلتف حوله ونقف خلف قائده نؤيده ونشد من أزره ونطالبه بالاستمرار فى مسيرته ونحن نرى العالم حولنا يموج فى صراعات ومعارك دموية يسقط فيها الأبرياء دون أى سبب أو مبرر.. نطالبه بالاستمرار وقد أعاد تسليح القوات المسلحة بأحدث المعدات والأسلحة التى أثبتت الأيام أنها جاءت فى توقيت بالغ الدقة والأهمية ونحن نرى التهديدات تحيط بنا من كل اتجاه بصورة لم تحدث من قبل على مدى التاريخ، حيث تأتى من كل الاتجاهات الاستراتيجية حول مصر فى وقت واحد.. نطالبه بالاستمرار بعدما تأكدنا أن مصر مستهدفة طوال الوقت وتحاك لها المؤامرات والمخططات من الأعداء وأحيانًا من الأصدقاء للنيل من استقرارها ومحاولة إسقاطها، فهى الدولة الأقوى والأهم فى المنطقة وجيشها هو الأقوى والأجهز.. وهى الصخرة التى تتحطم عليها المؤامرات وخطط الشياطين، وهو ما رأيناه منذ عام 2011 حتى الآن، لكنها فى كل مرة تنجو وتكون عصية على السقوط.. فمن محاولات فاشلة لإحداث فوضى وفتن الى مخططات لضرب الاقتصاد المصرى ومحاصرته وشائعات مغرضة وأكاذيب يروجها أهل الشر من أعداء الوطن وأمام تلك المحاولات نجح الشعب المصرى فى التصدى لها وإفشالها بعدما أصبح واعيًا ومدركًا ما يحاك حوله، سواء من الداخل أو من الخارج.
نبدأ عامًا جديدًا فى ظروف بالغة الصعوبة والتعقيد فالأهداف المرصودة كلها أهداف عربية والضحايا التى تسقط يوميًا جميعها من أبناء الشعب العربى الذى نرتبط معه بأواصر التاريخ والجغرافيا.
مازال العدوان الإسرائيلى على الشعب الفلسطينى الأعزل يتواصل إلى أن وصلنا إلى الشهر الثالث له، وقد حصد هذا العدوان حتى الآن 21 ألف قتيل وأكثر من 50 ألف جريح فلسطينى وسط صمت وعجز دولى وشراكة أمريكية كاملة فى أبشع مذبحة إنسانية يشهدها العالم فى التاريخ الحديث.. هذا بالإضافة إلى تلك المحاولات المستمرة لدفع نحو مليونى فلسطينى إلى جنوب غزة فى المناطق المتاخمة للحدود المصرية مع استخدام سلاح التجويع ومنع المواد الغذائية والطبية عنهم كأحد الأساليب الخبيثة لدفعهم إلى اللجوء للأراضى المصرية طلبًا للحماية والحياة.. كان إصرار وحزم الرئيس عبد الفتاح السيسى وكشفه هذا المخطط وراء إفشاله والتصدى له وكذلك التصدى لجميع محاولات بعض الدول التى تدعى صداقتها لمصر مستخدمة فى ذلك أساليب الترغيب المكشوفة مستغلة فى ما تعتبره ظروفا اقتصادية صعبة تمر بها البلاد.. وكان هذا الموقف التاريخى لمصر، بالإضافة إلى الضربات والانتصارات الناجحة التى حققتها المقاومة الفلسطينية، والتى وضعت جيش الدفاع الإسرائيلى الذى كان دائمًا يدعى أنه الجيش الذى لا يقهر منكسرًا أمام شعبه ويحاول أن يجد مبررات لما تعرض له، وفى ذات الوقت يقوم بالاعتداءات على المدنيين من أبناء الشعب الفلسطينى بصورة همجية فى محاولات لتحقيق انتصارات زائفة له.. ومن هنا فإن الأيام المقبلة فى اعتقادى سوف تشهد اتفاقات ثنائية برعاية مصرية، وأيضًا قطرية بعدما سقط من كلا الطرفين الآلاف من القتلى والجرحى، وربما كانت المبادرة المصرية التى أطلقتها مصر تمثل طوق النجاة للطرفين؛ للوصول فى النهاية إلى وقف كامل لإطلاق النار بينهما.. وهنا يجب أن نشير إلى أن هذه المبادرة، وإن كانت تهدف إلى وضع نهاية لتلك الحرب الملعونة، إلا أنها فى ذات الوقت تهدف إلى حماية الأمن القومى المصرى والحدود المصرية.
أما على الحدود الجنوبية فيبدو أن جميع محاولات تقريب وجهات النظر بين الجيش السودانى وقوات الدعم السريع، وذلك بعد شراكة طويلة وممتدة بينهما انقلبت إلى نزاع مسلح منذ شهر أبريل الماضى، ولا يزال النزاع مستمرًا، مما أدى إلى مصرع أكثر من 10 الآلاف وتشريد الملايين من أبناء الشعب السودانى بحثًا عن المناطق الآمنة، سواء داخل السودان أو خارجه وهنا أيضًا نجد أن مصر هى المتضرر الأكبر من تلك الأزمة، خاصة وأن حدودنا الجنوبية مع السودان تمتد بطول 1280 كم، وهو ما يعطى الفرصة للهاربين من جحيم القتال هناك يلجأون إلى مصر، والتى بلغ عدد السودانيين الذين تستضيفهم مصر حتى الآن أكثر من 5 ملايين لاجئ سودانى.
هناك أيضًا قضية كبيرة تتربص بنا فى الجنوب بدأنا نشعر بخطورتها بعدما رفضت إثيوبيا جميع الحلول والمقترحات التى قدمتها مصر للحفاظ على حصتها من مياه النيل، والتى سوف تتأثر، بل إنها تأثرت بالفعل نتيجة الانتهاء من جميع مراحل سد النهضة دون مشاركة مصرية أو سودانية وسط تعنت واضح من الجانب الإثيوبى الذى يبدو أنه يستمد شجاعته وتصلب موقفه بدعم واضح من بعض الدول الصديقة وللأسف الشقيقة أيضًا.. ولما كانت مسألة المياه تمثل لنا قضية وجود وحياة فإن هذه المشكلة سوف يكون لها تأثير كبير على القرار المصرى الذى سيتم اتخاذه فى الوقت المناسب؛ حفاظًا على حقوق الشعب المصرى من مياه النيل التى تجرى على أراضينا منذ عهد الفراعنة.
وفى الجنوب أيضًا بدأت تظهر فى الأفق مشكلة جديدة، حيث قام الحوثيون فى اليمن بإغلاق باب المندب تحت ادعاءات تهديد الملاحة الإسرائيلية إلى إيلات من باب المندب، وهو الأمر الذى سوف يؤدى بلا شك إلى التأثير على الملاحة عبر قناة السويس، وبالتالى على الدخل والعائدات التى تحصل عليها الدولة المصرية نتيجة ذلك، وهو ما بدأنا نراه عندما بدأ العديد من شركات الملاحة العالمية تسير عن طريق رأس الرجاء الصالح حماية لها من اعتداءات جماعة الحوثيين عليها.
وتمتد حدودنا الغربية مع الشقيقة ليبيا إلى حوالى 1115 كم، فلا تزال الحالة الليبية غير مستقرة على الرغم من مرور 12 عامًا على سقوط نظام القذافى، وذلك نتيجة الأطماع فى الحكم وتدخل الأيادى الأجنبية لتأجيج الصراعات الدائرة هناك، وهو ما أدى الى إضعاف الدولة الليبية داخليًا ودوليًا وأصبحت مقدراتها لا تكفى لمواجهة الأزمات التى تتعرض لها وليس أدل على ذلك ما حدث أثناء فيضانات درنة نتيجة إعصار دانيال، حيث بلغ عدد الضحايا أكثر من 11 الف شخص فى حين أختفت أحياء كاملة من المدينة بسبب ضعف الإمكانات وبطء التعامل مع تلك الكارثة الطبيعية ناهيك عن وجود العديد من أعضاء التنظيمات الإرهابية مازالت مختبئة هناك وهى تشكل خطرًا كبيرًا أيضًا على الأمن القومى المصرى حتى ولو كانت فى حالة كمون حاليًا، إلا أنها تنتظر أى فرصة لتزاول نشاطها الإرهابى والتخريبى، لأنها لا تستطيع أن تعيش لفترات طويلة بهذا الشكل.
بطبيعة الحال فإن ما عرضناه اليوم هو الجزء المعلن من التحديات التى تتعرض لها مصر ومن الطبيعى أن تكون هناك تحديات أخرى غير معلنة تتعامل معها القيادة السياسية فى مصر بكل ثبات وثقة.
ومن هنا فإننا يجب أن نؤكد على وعى الشعب المصرى الذى نزل بكل طوائفه ومختلف أعماره؛ ليعلن تمسكه بالرئيس عبد الفتاح السيسى لمواجهة ما يحاك لمصر من مؤامرات وتهديدات لأمنها القومى وأن الشعب بالفعل أصبح مدركًا لحجم تلك المخاطر وأهدافها وأنه أصبح الشريك الأكبر فى الحفاظ على دولته المصرية فى مواجهة أعداء الوطن، ولعل هذا هو الإنجاز الأكبر الذى تحقق بالفعل منذ ثورة يونيو 2013 وتجدد مؤخرًا فى أعقاب المؤامرة الإسرائيلية على قطاع غزة فى 7 اكتوبر 2023.. وتحيا مصر.